أول «بازل» عالمي عن بيروت: مدينته التي تناثرت قطعاً إثر الانفجار أوحت له بالفكرة
في 4 أغسطس (آب) من عام 2020 شهدت بيروت انفجاراً عُرف بواحد من أقواها في العالم، حوّلها إلى مدينة تناثرت قطعاً، فدمر شوارعها ومنازلها وشتت أهلها.
هذه المشهدية القاسية لعاصمة لبنان بقيت محفورة في أذهان أهلها. وكارلوس غصن واحد من الذين طبع ذاكرتهم هول هذا الانفجار، ولكنه رغب في أن يسير عكس التيار ويلملم قطع بيروت ويعيد جمعها على طريقته. فلجأ إلى موهبته الفنية في التصوير والإخراج لينجز مهمته هذه. وفكّر بتحقيق فكرة إبداعية في هذا الخصوص. وترجمها في لوحة «بازل» عن بيروت اسمها «بيروت ما وراء القطع». وحدد عدد النسخ منها بحيث لا تتجاوز الألف لوحة: «بعد سنة من حصول الانفجار راودتني الفكرة. أردتها بطبعة محدودة كي تحافظ على فكرتها الإبداعية بحيث لا تُستهلك تجارياً. وهي اليوم تباع في مراكز معينة في (متحف سرسق) وفندق (فينيسيا) و(أونلاين) عبر اتصالات تجري معي مباشرة».
واللافت أن 10 في المائة من أرباح هذا المنتج تعود لمركز سرطان الأطفال في لبنان.
ترميم مدينة بيروت بأسلوب فني مبدع اختاره كارلوس هيدموس لتكريم مدينته الأم ليس محلياً فقط بل عالمي؛ إن «لوحات البازل هذه باتت منتشرة في بلدان عالمية؛ لكونها تشكل هدية قيمة تقدم للمغتربين. كما أنها صُنعت بالجودة التي تستوفي الشروط العالمية في فنون هذه اللعبة. وقد صنعتها خارج لبنان؛ لأن لا مصانع فيه مختصة بهذا النوع من الألعاب».
يبلغ قياس لوحة الـ«بازل» المؤلفة من 1000 قطعة، 99 في 30 سنتيمتراً. وهي تصور مشهدية بانورامية لبيروت: «تطل فيها معالم شهيرة، انطلاقاً من الجامعة الأميركية في بيروت وصولاً إلى منطقة الزيتونة». ويتابع كارلوس هيدموس لـ«الشرق الأوسط»: «كما المنارة وشاطئ بيروت ومنظر الجبل خلفه تبرز أيضاً في اللوحة. فأنا مصور (درون) محترف ولجأت إلى صور التقطتها بكاميرتي كي أنفذ هذه اللوحة».
ويرى كارلوس أن فكرته هذه كانت نابعة من عشقه لمدينته التي لم يتحمل منظر تناثرها قطعاً: «كنت أرغب في رؤيتها من جديد متكاملة ومشرقة كما عرفتها دائماً. ومن خلال هذه الفكرة استطعت تحويل الحلم إلى حقيقة. وكان (إكسبو دبي 2022) أول منصة غير لبنانية أطلق منها (بيروت ما وراء القطع). فلاقت رواجاً كبيراً من قبل مغتربين لبنانيين وآخرين من أهل الخليج العربي».
حالياً يفكر كارلوس بصناعة لوحات أخرى من اللعبة هذه، تصور مناطق ومدناً مختلفة من لبنان: «لا أرغب في صنع لوحات مماثلة عن بيروت مرة جديدة. (بيروت ما وراء القطع) ستكون الوحيدة التي تحكي عن مشهدية العاصمة، ولكني أحضر لمعالم أخرى معروفة في لبنان كقلعة بعلبك، وصخرة الروشة، ومدينة جبيل، وغيرها. فأرغب أن تحمل كل لوحة خصوصية تمتاز بها ولا أكررها مرة جديدة».
وحده من دون مساعدة أحد، يصنع كارلوس هيدموس لوحاته هذه. يضع الصورة التي يرغب في تحويلها إلى «بازل» أمام عينيه. ويصمّمها لتصبح قطعاً يستمتع هواة هذا النوع من الألعاب التثقيفية بجمعها في لوحة. ويقول: «عادة ومع شخص خبير في مجال هذه الصناعة يستغرق تنفيذها يومين أو ثلاثة، ولكنها قد تتجاوز الأسبوعين في حال كان الشخص المنفذ لها مجرد هاوٍ».
ولأنه يريد أن يحمل هذا الصندوق عبارة «صُنع في لبنان»؛ يبحث اليوم كارلوس عن طريقة توفر له إنجاز لوحاته محلياً: «لقد بحثت عن مصنع (بازل) في لبنان ولم أجد ما يخدمني في هذا الإطار. وهو ما دفعني إلى التفكير باستقدام قوالب خاصة بهذه الصناعة. فقد صرت ملماً بها وأعرف كيفية التعامل معها. هذه الفكرة تراودني بشكل أساسي اليوم بهدف حمل علب البازل توقيع (صُنع في لبنان). فتأخذ بذلك طابعاً لبنانياً بامتياز، أرغب في أن يرافق هذه الفكرة من ألفها إلى يائها».
فكرة كارلوس هيدموس وُلدت معه عندما كان ينوي تقديم هدية قيّمة لأحدهم: «كنت أريدها مميزة لا تشبه أي هدية أخرى. فراودتني فكرة (بيروت ما وراء القطع)؛ إذ وجدت فيها تكريماً لمدينتي في الوقت نفسه».