جبهات المنطقة تشتعل… و”حزب الله” يحدد مصير لبنان: هل تذهب الامور في الجنوب نحو الحرب الكبرى؟

خطوط التصعيد باتت مفتوحة على كل الجبهات، ويقابلها اتصالات ومفاوضات على أكثر من صعيد للتوصل إلى تسوية تمنع الحرب الكبرى في المنطقة

بدأت المواجهات العسكرية الدائرة على جبهة جنوب لبنان بين “حزب الله” وقوات الاحتلال الإسرائيلي، تأخذ مساراً جديداً، وهي تتوسع مع استمرار القصف الإسرائيلي وغارات الطائرات المسيّرة والمقاتلة التي تستهدف القرى، وأيضاً مناطق بعيدة عن الحدود، تتخطى منطقة عمليات قوات الطوارئ الدولية “اليونيفل”. ويبدو أن لا أحد يمكنه تقدير، لا محلياً ولا دولياً كيف ستنتهي الأمور على هذه الجبهة بعد تحولها إلى منطقة عمليات يومية، وتترافق مع تهديدات إسرائيلية ضد لبنان لفرض منطقة عازلة، إما بالقوة أو بالاتفاق، وإن كانت الأمور لا تزال منضبطة ولم تنزلق إلى مواجهة كبرى.

وأمام التطورات العسكرية على الجبهة، لم تعد تفصيلاً التهديدات الإسرائيلية ضد لبنان، والتلويح بشن حرب لإنهاء ما تسميه الوجود المسلح لـ”حزب الله” الذي يهدد مستوطناتها الشمالية، أو إجباره على الإنسحاب إلى ما بعد خط الليطاني وفقاً لتصورها حول تطبيق القرار 1701. يعني ذلك أن انفجار الحرب على جبهة الجنوب هو احتمال قائم وجدي، وهو ما تنقله الوفود الدولية التي تزور لبنان وتدعو إلى لجم التصعيد ومحاولة التوصل إلى تسوية لإعادة الاستقرار إلى المنطقة.

التصعيد على جبهة الجنوب اللبناني، يؤكد ارتباطها بمسار الحرب على غزة، إذ لم يعد ممكناً الفصل بينهما، ولا حتى ما يحدث في ساحات أخرى بعيدة، في اليمن والعراق وسوريا. فاي اتفاق وهو لا يزال يعيداً طالما أن جبهة غزة مشتعلة في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية التدميرية على الفلسطينيين، لا بد أن يشمل كل المنطقة، أو أن تبقى الأمور على ما هي عليه وتتجه نحو تصعيد أكبر يؤدي إلى الحرب. وبالفعل توحي التطورات بأن مصير حركة حماس في فلسطين مثلاً يرتبط بمصير “حزب الله” في لبنان على الرغم من اختلاف الجبهات، وأيضاً في ما يتعلق بساحات المنطقة، فإذا جرى التوصل إلى تسوية ضمن سلة واحدة، لا شك ستكون ضمنها إيران كونها تشكل المرجعية لمحور الممانعة الذي يضم أيضاً حركة المقاومة في غزة مع اختلاف وحيد هو أن الفلسطينيين يقاتلون داخل أرضهم ضد حرب الإبادة الجماعية أو الاقتلاع والتهجير.

خطوط التصعيد باتت مفتوحة على كل الجبهات، ويقابلها اتصالات ومفاوضات على أكثر من صعيد للتوصل إلى تسوية تمنع الحرب الكبرى في المنطقة، وتطرح في المقابل مصير كل القوى، ومن بينها حتى إسرائيل التي يُعاد صياغتها وترتيب أوضاعها من قبل الاميركيين. فإذا اتجهت الامور نحو حل أو تسوية سيعني ذلك أن حكومة بنيامين نتنياهو ستسقط، لتعود الكلمة الأولى للجيش الإسرائيلي خصوصاً وأن مجلس الحرب في دولة الاحتلال لا يوجد فيه ممثلون لتشكيلات المستوطنين المتطرفين أو قياداتهم من أمثال إيتمار بن غفير. وهذا الامر يعود إلى رغبة أميركية في إعادة تنظيم الامور داخل البنية الإسرائلية.

وإذا كان يجري الحديث عن هدنة في غزة لاستكمال تبادل الأسرى، إلا أن توقيتها هو في يد الاميركيين الذين يفسحون المجال لجيش الاحتلال الإسرائيلي لتحقيق انجازات على الارض بعد التدمير الذي أنهى كل أشكال الحياة في مناطق واسعة من القطاع وهجّر أكثر من مليون و800 ألف فلسطيني إلى جنوب غزة وصولاً إلى الحدود مع مصر. ويبدو رهان الاحتلال الإسرائيلي والإدارة الاميركية هو على استنفاد قدرة حماس على الصمود والمقاومة، إما بانتهاء الغذاء والذخائر أو الاستسلام، وهذا الخيار الاخير لا يمكن تحقيقه عملياً، وعليه يُفهم الفيتو الاميركي المستمر على مشاريع القرارات في مجلس الأمن والتي تدعو لوقف اطلاق النار في القطاع.

وبالتوازي مع استمرار الحرب على غزة وتوسع الحرب على جبهة لبنان، مع تهديدات إسرائيل بالهجوم، يسعى الاميركيون إلى تشكيل تحالف دولي لمواجهة الهجمات الحوثية في البحر الاحمر والتي تهدد الملاحة، في الوقت الذي شنت فيه قواتهم هجمات على مواقع للميليشيات في سوريا والعراق، وهو ما يدل على إمكان التصعيد الواسع في المنطقة أو التوصل إلى تسوية تشمل كل جبهات القتال.

في الواقع تشكل جبهة جنوب لبنان، بعد غزة، الحلقة الاساسية التي تدور حولها المواجهة، وايضاً المفاوضات. تركز إسرائيل على هذه الجبهة وترفع السقف عالياً ضد لبنان، بإصرارها على المنطقة العازلة وإبعاد “حزب الله” إلى مسافة 9 كيلومترات عن مستوطناتها الشمالية. وفي المقابل يواصل الحزب تنفيذ عمليات عسكرية ضاغطة تحت عنوان مساندة غزة، تتوسع أحياناً إلى عمق شمال فلسطين المحتلة، وتتراجع حدتها أحياناً أخرى، وهو ما يرتب أعباء كبيرة على لبنان، إضافة إلى التكاليف المرتفعة جداً عند “حزب الله”.

لكن الحزب رغم ذلك يرفض وقف عملياته العسكرية إلا بوقف الحرب على غزة، أي أنه يربط بين مسار جبهة الجنوب بجبهة غزة، وهذا يعني أن لا بحث في أي تسوية أو حل أو حتى الحديث عن القرار 1701 ما لم يتوقف اطلاق النار في فلسطين. وبينما اسقط “حزب الله” من حسابه كل الاقتراحات التي تدعو إلى فصل الجبهتين على وقع التهديدات الإسرائيلية، ووضع ترتيبات للمنطقة بتطبيق القرار 1701، وسحب سلاحه أو تعديل مهمة قوات اليونيفل ونشر الجيش اللبناني على الحدود، يتبين أن لا رؤية متفق عليها دولياً حول وضع الجنوب اللبناني يمكنها وقف التصعيد وإدارة مفاوضات شبيهة بمفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل والتي انتهت بتوقيع اتفاق وافق عليه “حزب الله”.

غياب الرؤية حول ترتيبات المنطقة، يزيد من إمكان انزلاق جبهة الجنوب إلى الحرب الكبرى. زيارات الوفود الدولية إلى لبنان خصوصاً الفرنسيين، ينقلون رسائل ويقدمون نصائح للجم التصعيد وتفادي انتقال المواجهات إلى حرب، خصوصاً وأن قادة الاحتلال يعلنون يومياً أنهم بصدد شن حرب ضد “حزب الله” أو تنفيذ القرار 1701 وفق رغباتهم. وفي الرسائل المنقولة مطالب إسرائيلية عالية السقف ضد لبنان، أي انهم يريدون ما يسموه إنهاء التهديد الامني في الشمال والذي يمثله “حزب الله” إما بالاتفاق على ابعاده في وقت محدد أو الحرب. فانزلاق جبهة الجنوب الى حرب واسعة بات احتمالاً يمكن أن يفجر الوضع في أي لحظة. الاحتلال الإسرائيلي مستمر في حربه على غزة على الرغم من أنه لم يتمكن من تحقيق أهدافه، وهو سيناريو يمكن أن يحدث في لبنان، بصرف النظر عن قدرة إسرائيل على تحقيقه، ما لم تتقدم المفاوضات حول ترتيب وضع هذه الجبهة.

إذا ذهبت الامور في الجنوب نحو الحرب الكبرى، قد تحدد مصير “حزب الله” في ساحته التي يعتبرها أساسية في المقاومة وخزان وجوده وتأثيره. ولا شك في أن اي حرب إسرائيلية سيكون ثمنها باهظاً، ليس على الحزب فحسب أنما على لبنان، وإن كانت ستكبد إسرائيل خسائر كبيرة. وهذا الامر يفتح النقاش حول ضرورة التعامل بعقلانية مع الواقع، وعدم جر البلد إلى مواجهة مفتوحة، خصوصاً وأن الحزب تفرّد بقرار فتح الجبهة في غياب الدولة. وهنا تبرز حاجة لبنانية بضرورة تجنب الحرب، وسحب الذرائع الإسرائيلية التي تتحجج بها حكومة الاحتلال لاستدراج “حزب الله” ومعه البلد والمنطقة إلى حرب يدعمها التطرف الإسرائيلي ونخبته الحاكمة للهروب من أزماتها.

ابراهيم حيدر- النهار العربي

مقالات ذات صلة