صراع “الإرادات” بين نصرالله ونتنياهو: لبنان جبهة أساسية ومفتوحة…تدمير ممنهج أم اجتياح؟
إنه التصعيد الذي يمكنه تجاوز كل الخطوط والسقوف. ربما يكون هو سقف الحرب، أو هذا شكلها الجديد، وربما تكون العمليات المشهودة تمهيداً لما هو آت. وصلت كل الأطراف إلى مرحلة لا يمكن فيها التراجع، بينما يظهر أن إسرائيل تصرّ على استمرار الإقدام. ذلك ما انعكس بشكل جلي في خطاب أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، الذي رفع سقف موقفه أو سقف التحدّي، ولكن بهدوء وثبات على هدف وحيد، وهو استمرار جبهة جنوب لبنان في مساندة قطاع غزة، وأن لا وقف لإطلاق النار هنا قبل وقف إطلاق النار هناك، ولا مجال للفصل بين الجبهتين.
ذهب نصرالله في التحدي بعيداً، عندما ردّ على نتنياهو بأنه لن يسمح بعودة سكان المستوطنات الشمالية. ما يعني إحباط مسبق للهدف الذي أعلن عنه رئيس الوزراء الإسرائيلي في معرض الإعلان عن توسيع العمليات ضد الحزب.
صراع الإرادات
مجدداً هو صراع الإرادات. عبّر عنه نصرالله بوضوح، إذ قال إن إسرائيل أرادت من خلال عملياتها كسر الحزب وإسقاطه وإبعاده عن المعركة، فقدّم أمين عام الحزب معادلة مختلفة مع الإصرار على مواصلة القتال، والتعهد بالردّ النوعي الذي سيبقى العلم به “محصوراً ضمن الدائرة الضيقة”. وذلك يعني رفض الحزب فتح مجال النقاش معه في آلية الردّ أو تخفيفه. علماً أن ردوده السابقة كانت منسّقة ومرتبة مع جهات مختلفة تفادياً للتصعيد.
لا يعني ذلك أن ردّ الحزب سينطوي على تصعيد كبير أو استدراج الحرب، إلا أنه لا يريد الإفساح في المجال أمام لعبة التفاوض. يعتبر حزب الله أن نتنياهو يمارس مع لبنان الآلية نفسها التي اتبعها مع غزة خلال التفاوض. إذ أنه مع كل جولة مفاوضات كان يلجأ لاستغلالها في سبيل تصعيد عملياته، ولا سيما عمليات الاغتيال والقتل. وهو ما يتكرر على وقع كل زيارة يقوم بها مسؤول دولي للبنان أو إسرائيل في سبيل تفعيل مسارات التفاوض. وعليه، يرى الحزب أن كل تفاوض يتخذ منه نتنياهو غطاء لتصعيد عملياته. لذا، لن يفتح المجال أمام هذا الباب.
لبنان كجبهة أساسية
هناك سيناريوهان، الأول أن يقدم الإسرائيليون على توسيع جغرافيا الاستهدافات ونطاقها، وهو ما سيرفضه حزب الله، بالعودة إلى معادلة نصرالله “بتوسع منوسع”. أما السيناريو الثاني، فهو أن يتطور مسار العملية الإسرائيلية ويكون القرار بأن لبنان قد تحول إلى جبهة أساسية ومفتوحة وينخرط في عملية عسكرية واسعة، بما فيها اجتياح برّي لتطبيق القرار 1701، من خلال إنشاء منطقة عازلة بناء على مقترحات القيادة الشمالية في الجيش الإسرائيلي. والتمهيد لذلك يكون بزيادة منسوب الضربات والتدمير الممنهج لشريط واسع من قرى الجنوب، وإلغاء مقومات الحياة في هذه المناطق.. مع الإشارة إلى أن الضربات التي تكثفت في اليومين الماضيين تشبه إلى حدّ بعيد الاستراتيجية ذاتها التي اعتمدها في قطاع غزة قبل عملية الاجتياح البرّي وخلالها.
لذلك يركّز الإسرائيليون في عملياتهم على ضرب خطوط الإمداد، ومواقع ومخازن أسلحة أساسية للحزب في مناطق واسعة من الجنوب، وصولاً إلى شمال نهر الليطاني. لا سيما أن الضربات التي نفذت باتجاه منطقة الجرمق، ووادي برغز، ومحيط إقليم التفاح وجبل صافي والعيشية، أو استهداف المقلب الشرقي من البقاع الغربي، وهي المنطقة التي تُعرف بالجبور وأعاليها. ففي ذلك، استهداف لأكثر نقطتين استراتيجيتين في الجنوب، “جبل نيحا” وجبل صافي، ومنهما يمكن الإطلالة والكشف على كل جنوب لبنان. تلك مناطق يعرفها الإسرائيليون جيداً منذ أيام احتلالهم لها، ويعلمون مدى أهميتها الإستراتيجية. ويعتبرون أنها تحتوي على مخازن صواريخ استراتيجية، وأنها خط الدفاع الأساسي للحزب. لذلك يركزون على عملية ضربها.
بالنسبة إلى الجهات الدولية والديبلوماسية، فهي لا تسقط احتمال الوصول إلى اتفاق ديبلوماسي. دول كثيرة تدخل على خطّ ممارسة ضغوط كبيرة على إسرائيل، لمنعها من التصعيد أو توسيع نطاق المعركة. هنا يجري العمل على أكثر من خطّ. تواصل مكثف وضغوط مباشرة على إسرائيل. تواصل مع لبنان، ومع إيران.. وسط رهان على اجتماعات ستعقد بين مسؤولين دوليين كبار على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، مع إمكانية عقد لقاء بين إيران ودول الخمسة زائد واحد، لتفعيل آليات التفاوض حول ملفات متعددة ونزع فتائل التفجير.
لكن ذلك كله يبقى مرتبطاً بموقف نتنياهو وأهدافه، وهو الذي يسعى دوماً إلى تجيير كل التطورات أو الضربات لتخدم لعبته.
منير الربيع- المدن