لمَ لم تمارس الضغوط نفسها لانتخاب رئيس؟

اتهم رئيس التيار العوني جبران باسيل القوى السياسية التي نجحت في التمديد لولاية قائد الجيش العماد جوزف عون سنة اضافية بالخضوع للضغوط الخارجية والاستسلام لها فيما ليس خافيا على احد وجود ضغوط فعلية من اتجاهات عدة انصبت تحت عنوان منع الشغور في قيادة الجيش حفاظا على ” شعرة ” الاستقرار الامني في لبنان المنهار.

وهذا لم يدخل في حسابات باسيل الذي حاول طوال سنة كاملة حمل اللبنانيين على تناسي رئاسة الظل التي مارسها ابان عهد عمه ميشال عون لكنه ما لبث ان اطاح ذلك بحربه الشعواء على قائد الجيش مذكرا بمآثر عهد ساهم، والبعض يقول، قاد في ادائه الى انهيار البلد. ومحور ما اتهم به قائد الجيش هو ” قلة الوفاء” ربطا بالانتفاضة التي قامت ابان عهد ميشال عون وضده، وهو يفترض انه كان على قائد الجيش التصدي للبنانيين ولم ير باسيل اسباب انتفاضة هؤلاء على سيد العهد ومحيطه وعلى كل الطبقة السياسية. وما قام به من حملة ضد المساعي للتمديد لجوزف عون اعاد التذكير بقوة بالاسباب الى ادت الى الانتفاضة ضد العهد السابق.

وجود ضغوط خارجية كان دوما قائما وفي موضوع التمديد لجوزف عون لم تنفها جهات ديبلوماسية عدة.  لا بل اكثر من جاهر بها في هذا الاطار كانت زيارة الموفد الفرنسي جان ايف لودريان الاخيرة الى بيروت والذي تحدث عن ذلك بصراحة على قاعدة ان اهداف زيارته تتدرج من ضرورة التمديد لقائد الجيش الى ضرورة تنفيذ القرار 1701 فمواصلة المساعي من اجل انتخاب رئيس للجمهورية . وخرج لودريان من لقاء عقده مع باسيل بعد دقائق فقط من بدئه لانه لم يجد فائدة من اكماله كما نقل عنه . وان يحاول باسيل استنساخ اداء عمه لا سيما في العام 1989 في مخالفة الرأي العام الخارجي والمحلي او فرض ما يريده ، فهذا موضوع اخر علما انه اداء قاد بدوره الى كارثة اخرى على لبنان وعلى المسيحيين في شكل خاص.

لكن الضغوط الفعلية التي حصلت ونجحت في احداث تلاق موضوعي مصلحي بين الطوائف والافتقار السياسي تثير تساؤلا اساسيا محوره: انه اذا كانت الدول المهتمة والمعنية بهذا الاستقرار وتاليا التمديد لقائد الجيش لم تمارس الضغوط نفسها قبل انتهاء ولاية ميشال عون كما حصل راهنا مع قرب خروج جوزف عون الى التقاعد او حتى بعده ذلك حتى الان من اجل انتخاب رئيس للجمهورية او ما اذا كانت فعلت بالقوة نفسها ام لا .

والارجح انها لم تفعل فيما ان الكلام على ضغوط خارجية يقارب المزاح السمج ما دام لا ارادة كافية لدى الزعامات السياسية لادارة امور البلد بعيدا من استدراج عروض التدخلات او السعي اليها حتى في ظل المخاوف من انعكاساتها احيانا . واستتباعا لذلك ، ما دامت الضغوط الاخيرة من اجل قائد الجيش نجحت ، فان الامر يفترض ان يكون مشجعا لممارسة ضغوط بالمقدار نفسه لتأمين انتخاب رئيس وتأليف حكومة جديدة ووضع حد للانهيار المتمادي لئلا يبدو ان موقع قيادة الجيش اكثر اهمية بكثير من موقع رئاسة الجمهورية التي مضى على الشغور فيه حتى الان سنة وشهرين ومرت بسابقة افدح قبل انتخاب ميشال عون بتعطيل دام عامين ونصف العام. فيما ان الواقع ان الدول الخارجية وجدت اسبابا جوهرية للتدخل وهي القلق الكبير على الاستقرار الامني لا سيما على ضوء حرب غزة وتداعياتها المحتملة فيما ان هذه الاسباب لم تتوافر مع حلول الشغور في الرئاسة الاولى في ظل انغماس القوى السياسية في مصالحها الشخصية والسياسية المباشرة ليس الا .

ما بعد انتفاضة 17 تشرين 2019 ، كثفت ديبلوماسيات دول اوروبية وسواها من المواقف الملوحة بضغوط قوية وحتى التهديد بعقوبات على معرقلي انتخاب رئيس جديد للجمهورية توقعا منها ان تجربة 2014-2016 قد تتكرر وهي ترفض حصول ذلك لما يحمله الامر من مخاطر ليس على لبنان فحسب بل في اتجاهات دول المنطقة واستقرارها كذلك وصولا الى استقرار الدول الاوروبية . كانت هذه الديبلوماسيات تعكس لبعض الوقت حزما وتصميما على توجيه رسائل عدة في هذا الاتجاه ولكن ما لبث الامر ان خفت وتراجع بحيث لم يعد مطروحا موضوع العقوبات على معرقلي انتظام الحياة السياسية في لبنان.

وليس واضحا اذا كان هذا التراجع مرتبطا بتراجع الاهتمام بلبنان ككل بعدما تعبت الدول منه ، وهو ما تقوله صراحة، او لانها عجزت عن فرض عقوبات على المعرقلين وقيل ايضا على الفاسدين بحيث قد تجد نفسها في مواجهة واقع نجاة قوى سياسية قليلة من هذه العقوبات وتاليا عدم ضرورة وضع نفسها في مواجهة القوى السلطوية فيما انها قد تفقد اي تأثير او فاعلية للضغط حين الوقت المناسب . او ايضا ربما لشعورها ان العقوبات قد لا تؤتي ثمارا بالمقدار المتوقع او بنتائج عكسية في حال لم تكن شاملة وموسعة ، وهذا امر صعب ومكلف . ولاحقا تبنت دول الخماسية نهج “العصا والجزرة” في التعامل مع الوضع السياسي في لبنان. وشمل ذلك الى جانب التهديد الحقيقي بفرض عقوبات على الفاسدين ، عروض سخية على غرار الجزرة القطرية من اجل مواكبة الاستثمار المتفق عليه في تطوير موارد الغاز البحرية اللبنانية. ولكن كل ذلك لم ينجح .

اذ بدا أن الحوافز والاثمان المطلوبة قد لا تزيد من حماسة الدول ولا سيما الولايات المتحدة الاميركية من اجل ان تضع ثقلها من اجل الدفع نحو انجاز الاستحقاق الرئاسي او لا تود الانخراط او ان تستدرج لعقد اتفاقات معينة تبعا للالحاح الذي تراه حول ضرورة شغل موقع الرئاسة الاولى . فالجميع يعلم ان اظهار الحرص الزائد قد يجعل الطرف المعطل والممسك بالاستحقاق يعلي من سقف فرض شروط لا تود واشنطن دفعها او استدراجها لذلك فيما قد لا يكون ممكنا الامساك بورقة لبنان على نحو منفرد طويلا ودفع الاثمان بدلا من الحصول عليها .

روزانا بو منصف- النهار

مقالات ذات صلة