السينما اللبنانيّة “تُنازِع”: “التَجَمْهُر” ولّى… وصالات العروض تحوّلت الى مستودعات لتخزين البضائع!
نشأت السينما اللبنانية في فترة العشرينات واتسمت بالتنوع والابداع، وشهدت نهضة حقيقية لا تزال مستمرة حتى اليوم رغم كل التحديات السياسية والأمنية والاقتصادية؛ وتجدر الإشارة الى انها انطلقت مطلع الحرب الاهلية مع سينما مارون بغدادي وبرهان علوية وغيرهما. وخلال الازمة الحالية واجهت هذه الصناعة معوقات كبرى مثل نقص وصعوبة تأمين التمويل؛ ما أدى الى تراجع الاقبال على حضور العروض في الصالات؛ وذلك بسبب قلة الممولين وضمان الاستمرارية في ظل الضغوط المادية. ومع ذلك لا يمكن الغاء او تهميش دور السينما اللبنانية في توطيد الهوية الثقافية وتسليط الضوء على القضايا السياسية والاجتماعية والإنسانية وحتى الاقتصادية. لذلك يجب إيجاد حلول عملية لدعم هذا المجال وتحفيزه وتعزيز نموه حتى في ظل الاضطرابات الراهنة.
ووفقا لسينمائيين مخضرمين، فإن سقوط هذا القطاع مرتبط بغياب التواصل بين المخرج والممثل وضعف الإنتاج وانعدام الدعم المادي للعمل والذي له الدور الاهم في صناعة السينما وتقدمها. وتعد السينما اللبنانية واحدة من أعتق الصناعات في العالم العربي الى جانب جمهورية مصر العربية التي انتجت في لبنان أكثر من 500 فيلم.
ولطالما كانت بداية السينما قائمة بجهود فردية وذلك حتى عام 1930 وانتكس الإنتاج بسبب الحرب العالمية الثانية حتى سنة 1952، ثم ما لبثت ان عادت الاعمال لتنتعش من جديد وذلك بعد استحداث استديوهين. وفي عام 1964 أسست الدولة اللبنانية المركز الوطني للسينما وبدأ هذا القطاع يزدهر رويدا رويدا حتى أصبح من اهم القطاعات الإنتاجية في البلد.
“التَجَمْهُر” ولّى!
يجمع الخبراء على ان من عاش في بيروت يتذكر الشاشة الكبيرة والاحتشاد امام شبابيك بيع التذاكر للحصول على بطاقة دخول لمشاهدة الأفلام السينمائية في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي؛ حتى ان “الخانات” حينذاك تحولت الى دور عرض التي لم يبق منها في الوقت الحاضر سوى الهيكل الحجري وبعض الأحرف التي تدل على اسم الحجرة. يومذاك كانت سينما “الزهراء” و “الكريستال” تجذب الناس عبر “الافيشات” او “القفشات” ويقال “الافيهات” وهذا المصطلح يستخدمه اهل الدراما والتمثيل ويأتي بمعنى النكتة او التهريج. لتدخل في المنافسة صالة “ألف ليلة وليلة” التي تحولت الى المسرح الوطني أيام “شوشو” وتقع بالقرب منه سينما “الدنيا” و “روكسي” و “فينوس” و “ميامي”. واستقطب لبنان سينمائيين من مختلف الدول العربية والغربية لأنه يتميز بأجواء خلابة استطاعت ان تشكل ديكورا طبيعيا ربانيا للتصوير. فأضحت بيروت مركزا لجذب وشد رؤوس الأموال العربية وعلى وجه الخصوص المصرية لإنتاج الاعمال السينمائية الوطنية. إشارة الى ان الباحثين والمهتمين في هذا المجال يردّون العراقيل التي تلحق الضرر بالسينما الى جوهر ومضمون العمل الذي يدور حول مسائل لا تحاكي هموم ووجع الناس وبالتالي فصل الواقعين الاجتماعي والسياسي عن الموضوع. لذلك تقهقر ازدهار الصالات التي نالت شهرة واسعة في ذلك الزمن وخفّ وهجها واختفت “السينمات” وانكفأت الاقتراحات وتوارت الملصقات الخاصة بالعروض الاعلانية السينمائية.
اين هي السينما؟
وفي سياق سينمائي متّصل، قال نقيب السينمائيين في لبنان صبحي سيف الدين لـ “الديار”، “يوجد حوالي 2500 عضو منتسب للنقابة التي تضم المخرجين وصناع وكتّاب السيناريو السينمائي الى جانب التفاصيل الأخرى مثل الإضاءة، التصوير، المونتاج وحتى المكياج؛ ويتخرّج كل عام عدد كبير من الطلاب الذين يتقدمون للانتساب الى النقابة. وسأل سيف الدين لكن اين هي السينما اليوم؟
ليجيب، “معظم الصالات لم تعد موجودة مثل “دنيا”، “روكسي” و “ميتروبول” وكل صالة كانت تضم على الأقل 1000 كرسي؛ وكان يوجد في منطقة الحمرا وراس بيروت حوالي 45 حجرة واليوم تحولت هذ القاعات الى مستودعات لتخزين الأحذية الصينية”. وأردف، “ازدهرت السينما في أواخر الستينيات والسبعينيّات وبداية الثمانينيات، وانا قدمت من سنة 1975 حتى 1986 عددا كبيرا من أفلام السينما وعملت خلال سنة واحدة 3 أفلام الى جانب ممثلين كثر غيري نفّذوا أفلاما مهمة وكانت تعرض هذه الاعمال في دور السينما. وتابع، عَرضت في سينما مونتي كارلو الحمرا فيلما واحدا لمدة شهر كامل، لان الحفلات كانت تُقام وقتذاك في كل ليلة، اما صالات العرض الباقية حاليا فلا نجد أكثر من 30 مشاهدا مع فراغ في المقاعد، وتضم أكبر صالة اليوم حوالي 100 مقعداً فقط”.
محاولات أحادية
واستكمل، “تقوم السينما اليوم بمحاولات جزئية وفردية، بينما في السبعينيّات كان نشاط شركة الإنتاج السينمائي لا يقتصر على عمليات إنتاج الأفلام وتسويقها، بل هناك مجموعة من الأنشطة الاخرى مثل، التسويق لان الشق الاقتصادي لا يقل أهمية عن الشق الفنّي وذلك ضمانا لاستمرار الصناعة ونجاحها فنيا؛ لكنها اندثرت وتبخّرت، وبات المخرج يتخرج في الجامعة ويحاول جمع المال لينتج فيلما ومن ثم يعرضه ويبيعه داخل لبنان”.
اعمال القاهرة.. انتاج لبناني
واشار سيف الدين الى، “ان الدولة لم تقدم المساعدة ابدا لتطوير هذه الصنعة، لذلك أنشأنا مهرجان السينما اللبنانية للأفلام الطويلة والقصيرة للسنة 12 على التوالي والذي كان مؤهلا ليكون مهرجانا رسميا خاصة بالنسبة للبلدان التي تفتقد الى صناعة السينما وتضخ مليارات الدولارات لتنظم مهرجانا مماثلا للمهرجان الذي يقام في لبنان سنويا. وأردف، اضطررنا الى تـأجيله حتى اذار المقبل بسبب الظروف الراهنة التي يمر بها لبنان”.
وقال: “نسعى لإعادة احياء هذا المجال، فالمهرجان الذي تحدثت عنه يعرض حوالي 60 فيلما عربيا ولبنانيا ويشارك في هذا العمل عدد من الخريجين الجدد وكنا طلبنا مساعدة من الدولة لكن وزارة الثقافة تبرعت بمبلغ قدره 2000$ لكن رفضناه. فالممثل الراحل محمد سليمان صنع بمفرده فوق الـ 50 فيلما سينمائيا في لبنان وانا ايضا صنعت فيلم “الوطن فوق الجراح” “المزيفة” و “الجهة الخامسة” واعمال كثيرة أخرى، وانا اليوم لست يائسا لكن الإمكانيات المادية شحيحة وضئيلة جدا”.
السينما الشاملة!
وختم سيف الدين قائلا: “تعتبر السينما شاملة لأنها تتناول موضوعات ثقافية، ادبية، فنية، اجتماعية، تربوية، أخلاقية، وقانونية وحتى سياسية، لذلك تسهم في تقدم ونهضة ورقي الوطن ونجاحه. ومؤخرا باتت المحاولات شخصية ويمكن لأي فرد تخرّج حديثا من تصوير فيلم على الهاتف وتسويقه عبر وسائل التواصل الاجتماعي بالطبع لا نرفض هذا النوع من الاعمال ولكن بالمقابل لا نستطيع القبول أيضا، لذلك فإن هذا الاختراع من ألد أعداء السينما. فالواقع السينمائي اليوم تضرر كثيرا بسبب الاختراعات التي طرأت على هذه الساحة مثل الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي”.
ندى عبد الرزاق- الديار