المهرجانات تُعيد إحياء صيف لبنان… «باللحم الحيّ»!

زخم الحفلات وكثافة الأنشطة المنتشرة في مختلف المدن والبلدات اللبنانية، قد يوحيان بأنّ البلد بألف خير. إلا أنّ نظرة سريعة على برامج الأماسي، وخصوصاً المهرجانات الثلاثة الرئيسية، يكشف أثر الانهيار والأزمة المالية التي تعدّ الأسوأ في تاريخنا. مع ذلك، إنّها فرصة لتجديد الأمل من بوابة الفنّ والثقافة. صيف لبنان الفنّي هذا العام مختلف بعض الشيء، محلّي بقسمه الأكبر، مع محطّات أجنبية جميلة بين بعلبك وبيت الدين وبيبلوس…

المهرجانات تُعيد إحياء صيف لبنان... لسه جوه القلب أمل

صحيح أن غالبية المهرجانات اللبنانية ستُقام هذا العام بعد فترة جمود طويلة، أولها «مهرجانات بعلبك» التي انطلقت باكراً كعادتها وتُختتم غداً الأحد مع المغنية الفرنسية إيماني المعروفة بأعمالها التي تندرج ضمن موسيقى البوب والسول. للوهلة الأولى، قد نفاجأ بتلك الكثافة في الأنشطة والسهرات التي انتشرت وتوسّعت هذه المرة، لتطال مختلف المدن والبلدات اللبنانية. إلا أنّه لدى النظر إلى برنامج الأماسي والحفلات، نلاحظ أنّ مهرجانات هذا الصيف لا تشبه سابقاتها. يمكن وصفها بأنها «ميني مهرجانات» تقتصر على سهرات يحييها مغنّون وفنانون محلّيون، في مقابل غياب النجوم الأجانب وفناني الصف الأول، اللهم باستثناء بعض المحطّات القليلة. هذا الأمر انعكس على سعر البطاقات الذي يمكن وصفه بالمقبول، إذ يراوح بين 20 و 120 دولاراً أميركياً. لكن لنبق متفائلين، فالبلد يحاول النهوض من جديد بعد مرور أربع سنوات على انهيار اقتصادي ومعيشي وأزمة مالية هي الأسوأ منذ انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية، على أمل أن تشهد مهرجانات الصيف المقبلة استعادة الزخم الذي عاشته على الأقل قبل الأزمة.

بشكل عام، يبذل منظّمو المهرجانات جهداً لاستعادة رونق الحفلات بعد توقف استمرّ عامين على إثر انتشار فيروس كورونا. لكن تلك السهرات المتنوعة تعثّرت لاحقاً بمشكلة أكبر من الجائحة العالمية التي خطفت الملايين حول العالم، ألا وهي الأزمة الاقتصادية الخانقة التي بدأت قبل التظاهرات في خريف 2019 وما زالت تلقي بثقلها لغاية اليوم.

عند سؤال منظّمي المهرجانات الصيفية في لبنان حول كيفية إقامة الأنشطة في ظل الكارثة الاقتصادية والمعيشية التي تعصف بالبلد، كان جوابهم «باللحم الحيّ»! من رحم المعاناة المادية، ولدت تلك الأنشطة، رافعة شعار التحدّي في وجه الصعوبات المالية التي قيّدت المنظمين وبدّلت بوصلة برامجهم الفنية من الطابع العربي والعالمي، إلى المحلي بامتياز. فقد وجد منظمو المهرجانات أنفسهم وسط حصار من كل الاتجاهات، تمثّل أولاً في منع المصارف من سحب ودائعهم، ولاحقاً تراجع سوق الإعلانات بشكل كبير، إلى جانب غياب الدعم المالي من وزارة السياحة (والجهات السياسية المختلفة) بسبب تدهور العملة المحلية. لذا، جاء اعتمادهم على ميزانية «خجولة» أجبرتهم على التعاقد مع نجوم محليين فقط.

من الشمال إلى بيروت وصولاً إلى بعلبك وبيت الدين وجونيه، تفترش المهرجانات كامل الأراضي اللبنانية ببرنامج فني متواضع. انطلقت صفارة مجموعة من الحفلات أخيراً، بينما يستعدّ بعضها الآخر للانطلاق هذا الشهر. يترافق ذلك مع موسم سياحي يضع آماله على المغتربين الآتين لقضاء عطلة الصيف مع العائلة.

اللافت هذا العام، هو ترافق الحفلات والسهرات الغنائية، مع تنشيط السياحة الداخلية من خلال انتشار بيوت الضيافة ورحلات «الهايكينغ» واكتشاف المناطق اللبنانية عن قرب، ليبقى السؤال: ماذا يتضمّن برنامج المهرجانات هذا الصيف؟ وماذا عن أسعار البطاقات؟ وما هي التحدّيات التي اعترضت المنظّمين؟

في هذا السياق، تصف رئيسة «مهرجانات بعلبك الدولية» نايلة دو فريج في اتصال معنا الوضع هذا العام بأنه «جيد جداً»، مضيفةً بأنّ الإقبال على البطاقات كان مقبولاً. تصف هذه الدورة بأنّها «أعادت بعلبك إلى تاريخها الفني الدولي المتعارف عليه، من خلال تنوّع البرنامج بين الغناء والرقص، مخاطباً جميع محبي وذوّاقة الموسيقى. افتتح المهرجان بعرض للراقص الإيطالي روبرتو بوللي، على أن يُختتم المهرجان غداً الأحد مع المغنية الفرنسية إيماني».

عند سؤالها عن الصعوبات التي اعترضت إدارة «بعلبك الدولية» هذا العام، تتوقّف دو فريج مطوّلاً عند تفاصيل الأزمة المالية التي واجهتهم. توضح: «في السابق كان هناك جزء من التمويل تقدّمه وزارة السياحة اللبنانية. كذلك كانت المهرجانات تعتمد على المصارف التي تقدم لها الدعم المالي. أما اليوم وفي ظلّ الأزمة المالية، فقد جفّت جميع مصادر التمويل، وبقي اعتماد المهرجانات على مجموعة من المغتربين فحسب». تختتم دو فريج حديثها بالتشجيع على الاهتمام ببيوت الضيافة وتوسيع الفنادق في بعلبك، كي يزور السائح مدينة الشمس لأيام عدة وممارسة أنشطة فنية وسياحية متنوّعة.

على الضفة نفسها، لا يختلف وضع «مهرجانات بيت الدين الدولية» عن حالة «بعلبك». المهرجان الذي تديره نورا جنبلاط، سيفتتح في 20 تموز (يوليو) الحالي بحفلة تحييها الفنانة المصرية فرح الديباني يرافقها المايسترو لبنان بعلبكي، فيما تُختتم السهرات في 2 و 3 و 5 آب (أغسطس) المقبل مع عرض لمسرحية «شيكاغو بالعربي» التي تُطلّ فيها مجموعة مغنين وراقصين لبنانيين. إنها النسخة اللبنانية من المسرحية الغنائية الشهيرة «شيكاغو» التي أبصرت النور في برودواي للمرّة الأولى عام 1975 استناداً إلى مسرحية عائدة إلى عشرينيات القرن الماضي. «شيكاغو بالعربي» (إنتاج نايلة الخوري) من كتابة وإخراج روي الخوري الذي تولّى أيضاً تصميم الرقصات. بالتعاون مع الممثل فؤاد يمين، ترجم روي نص العمل الذي يتناول جوانب مختلفة من المجتمع الأميركي كالفساد والقتل والخيانة، بعدما غاصا في أوجه الشبه بين لبنان وأميركا. تحمل الأغاني توقيع أنطوني أدونيس، فيما تضمّ باقة الممثلين: ميرفا القاضي (سلمى فهمي)، سينتيا كرم بدور (نانسي نار)، روي الخوري (وائل حرّ)، فؤاد يمّين (أمين نار) ويمنى بوهديل (ماما دنيا) بالاشتراك مع المغني ماتيو خضر وأكثر من 18 راقصاً ومغنّياً، إلى جانب أوركسترا مؤلفة من 13 موسيقياً محترفاً.

تشير المصادر إلى أنّ حفلات «بيت الدين» تشهد إقبالاً متواضعاً، إذ تم حالياً بيع قرابة 60 في المئة من البطاقات. واجه المهرجان هذا العام تحديات مالية عدة كثيرة. لذلك قررت إدارة الحدث الفني التعاقد مع فنانين محليين يقفون للمرة الأولى على المسرح من أجل الإفساح في المجال أمام جيل الشباب وإعطائه فرصةً للظهور، في حين يرى بعضهم أنّ نوعية المهرجان قد تراجعت لناحية الفنانين، مقارنة بالنجوم العالميين الذين غنوّا على مسرحه في المواسم السابقة. الأمر نفسه ينطبق على «بيبلوس» الذي كان رائجاً في دعوة الفنانين الأجانب، وخصوصاً نجوم الروك والبوب، لكن هذا العام «اخترنا الأفضل من بين الموجود والمتوافر» هكذا يجيبنا رئيس لجنة «مهرجانات بيبلوس الدولية» رافاييل صفير، حين نسأله حول كيفية اختيار برنامج المهرجان الذي ينطلق في الخامس من آب (أغسطس) لغاية 19 منه. مع ذلك، يلفت صفير إلى أنّ «الإقبال جيد في العموم، تتفاوت نسبته حسب جمهور كل فنان. الأسعار مقبولة نوعاً ما، وهي تبدأ من 20 دولاراً أميركياً، وقد تتخطى الـ 120». وعن تأثير الأزمة الاقتصادية على الحدث، يؤكد صفير أن «للأزمة تأثيراً كبيراً على المهرجان. للأسف لم نفتتح هذا العام المسرح الضخم الذي كنا نعتمد عليه في السنوات الماضية ويسع قرابة 10 آلاف شخص، بل اعتمدنا حالياً على مسرح متواضع. كما تم الاستغناء عن التعاقد مع النجوم الأجانب، باستثناء مجموعة قليلة من الأسماء المعروفة. كما أنّ الدعم المالي قد تراجع بشكل لافت. وهذا الأمر لا يُستهان به».

في السياق نفسه، قرر القائمون على «مهرجان إهدنيّات» تقديم نسخة «دسمة» من الحدث الفني، جاءت عبارة عن خليط بين الحفلات الفنية والأنشطة السياحية والترفيهية. على مدار 100 يوم، تشهد المدينة المعروفة بطبيعتها الخضراء، برنامجاً عبارة عن ألعاب ورياضات ورحلات سياحية تخاطب الكبار والصغار على حد سواء. لا يختلف الوضع في البترون عن غيرها من المهرجانات. تلك المدينة التي تشهد فورة سياحية، افتتحت مهرجاناتها في 23 حزيران (يونيو) الماضي بمتحف آليات عسكرية خارج الخدمة تحت مياه البحر بالتعاون مع الجيش اللبناني. وفي 30 حزيران، أطلت فرقة «أدونيس»، وتبعها سهرة للمغني سيلاوي.

تترافق السهرات الغنائية مع تنشيط السياحة الداخلية

وفي 22 و23 تموز، يقدم الفنان جورج خباز عرضاً بعنوان «جايي الايام». تختتم المهرجانات بمهرجان الأفلام القصيرة المتوسطية في 7 و8 و9 و10 أيلول (سبتمبر) المقبل. من جانبها، تستعد «مهرجانات جونيه الدولية» لموسم صيفي سينطلق قريباً، حيث ستقام الحفلات في كازينو لبنان. وتفتتح السهرات في 26 تموز بحفلة للمغنية عبير نعمة. وفي 30 الشهر الحالي، ستقام سهرة وطنية بعنوان «لبنان حكاية حب» للشاعر نزار فرنسيس وتؤديها المغنية كارلا شمعون.

في المقابل، تغيب مهرجانات «صيدا» هذا العام بسبب الأزمة المالية الخانقة. ولكن المدينة السياحية المعروفة بآثارها القديمة، ستشهد باقة من الحفلات الفنية والترفيهية «المتواضعة». ليست «صيدا» الوحيدة الغائبة هذا العام، بل كذلك «مهرجانات صور الدولية» التي خرجت السباق هذا العام. بحسب بعض المصادر، فإن المهرجانات قررت عدم المغامرة حالياً في ظل أوضاع اقتصادية لا يعرف مصيرها. إلى جانب المهرجانات المحلية المنتشرة في المناطق، يشهد صيف لبنان فورة حفلات لمغنين لبنانيين وعرب قدّموا سهرات في العاصمة أخيراً.

تبدأ أسعار البطاقات بـ 20 وقد تتخطّى الـ 120 دولاراً أميركياً لبعض الحفلات

انطلقت تلك الأنشطة قبل عيد الأضحى وتستمرّ لغاية اليوم، وكان لافتاً حضور مجموعة من المغنين المصريين آخرهم تامر حسني الذي غنّى في «فوروم دو بيروت» وسط إقبال جماهيري لافت. كذلك يستعدّ المغنّون اللبنانيون من بينهم عاصي الحلاني، وملحم زين، ومعين شريف، ووائل جسار، ونانسي عجرم وغيرهم، للقيام بجولة فنية في مختلف المناطق المحلية. اللافت أنّ أسعار بطاقات تلك السهرات تم اعتمادها بالدولار الأميركي. لذلك يمكن القول بأن تلك السهرات أصبحت حكراً على فئة معينة من اللبنانيين، بينما حُرمت شريحة واسعة من المواطنين من التمتع بالسهرات الغنائية بسبب رواتبهم التي تصرف بالليرة اللبنانية.

مع ذلك، ستتجّه الأنظار إلى حفلة عمرو دياب التي ستُقام في 19 آب (أغسطس) المقبل على «واجهة بيروت البحرية». تلك السهرة أحدثت ضجةً منذ اليوم الأول من الإعلان عن إقامتها، وسط أسعار بطاقات راوحت بين 60 دولاراً و 10 آلاف دولار أميركي (طاولة تسع قرابة 10 مقاعد).

زكية الديراني- الاخبار

مقالات ذات صلة