عرس في «مهرجانات بعلبك»… لملحم زين!

حفلة من العمر للفنان ملحم زين في بعلبك، أحياها مساء الخميس، مخصصة لجمهور المدينة، على أن يتبعها أخرى مفتوحة لمن رغب بشراء بطاقة، اليوم (الجمعة)، ونفدت أماكنها من مدة.

أطل ملحم زين أو «الريّس» كما يسميه جمهوره، في حفلته الأولى، على وقع تصفيق حاد، وهو يغني للجيش: «حلم الأرض تعيش بعزّ». وهو ليس أمراً اعتباطياً أو عفوياً، بل خيار من زين أن يقدم تحية لعناصر الجيش، كان قد صورها مع زميله معين شريف، في هذا المكان بالذات.

ليس مبالغة القول إن الجمهور أقام عرساً لملحم زين، ولبعلبك، ولنفسه، ولكل باحث عن الفرح في تلك الليلة الاستثنائية، التي اعتبرها زين ليلة عمره، وقال تكراراً إنه كان ينتظرها، ليتوج بمروره بالقلعة التي استقبلت كبار النجوم العالمين مساره الذي لا يكتمل من دونها. وكانت إطلالة ملحم زين يفترض أن تحدث قبل سنوات، ومبرمجة في مهرجانات بعلبك قبل الجائحة، لكن «كورونا» نسفت ذاك الحلم، وأجلته، ثم جاءت اللحظة المناسبة.

 

تتالت الأغنيات التي قدمها ملحم زين، وكانت في كل مرة تشعل في الحاضرين حماساً جديداً «ردوا حبيبي» و«ميّل علينا الليل» وأغنيات أخرى، ألهبت التصفيق والحناجر والقلوب. تردد فتاة بقربي كلمات الأغاني وترقص وتصرخ طرباً، وحين أسألها مع صديقتها عن اسم الأغنيات إن كانت تعرفها فتضحك نافية، وتتبرع أن تبحث لي على «غوغل»، إن كنت أحتاج ذلك. هكذا جاء الجمهور باحثاً عن أمر واحد مع مطربه الأثير، هو الفرح. وكما كان متوقعاً وجّه ملحم زين تحية لروح الراحل وديع الصافي، بأداء بعض من أجمل أغنياته، فازداد الحفل حيوية ورقصاً. «عندك بحرية يا ريس، سمر وشرقية يا ريس»، «الليل يا ليلى يعاتبني، ويقول لي سلم على ليلى»، و«رمشة عينك». اقترن اسمه بالغناء لوديع الصافي، منذ أدى ملحم زين جانباً من روائعه، حين كان هاوياً في برنامج «سوبر ستار» على تلفزيون «المستقبل» عام 2003، الذي انطلق منه وأصبح نجماً.

حقاً حضور حفل من «مهرجانات بعلبك» مخصص لأهالي بعلبك هي تجربة خاصة، حيث يحتفل الحاضرون عائلة واحدة، في أجواء من العفوية والتلقائية والمرح، تصل حدود الفوضى. ومع أن شيئاً من الإرباك بدأ في بداية الحفل، فإن رئيس البلدية اعتذر لأهالي بعلبك متحدثاً عن بعض التقصير بحقهم في ما يخص توزيع البطاقات. وقيل إن بعض البطاقات وزعت أو بيعت، أو إن الحضور كان أكثر من المقاعد، لكن كل ذلك لم يكن مهماً لأنه ما أن بدأت الأغنيات الشعبية تتالى حتى أصبح الجميع وقوفاً، وهناك من قرر الرقص على الكراسي، أو الخروج من حيز المدرجات بحثاً عن متسع للحركة والرقص.

نادراً ما تتحول المدرجات، بسبب حرارة جمهورها إلى المسرح الفعلي الذي يستحق المتابعة والتصوير، بينما ملحم زين كان يطلب من الحضور أن يسمحوا له بأداء أغنية رومانسية لتهدئة الجو، الذي كان يشتعل مع «قلبي بيضحك من جوا لما تكوني فرحانة»، و«غيبي يا شمس غيبي بكي بيرجع حبيبي»، وكان ضارب الطبل يجوب المسرح جيئة وذهاباً، وفرقة صغيرة للدبكة تحيي أجواء المسرح إلى جانب الفنان، و«الفرقة السيمفونية الوطنية اللبنانية» المؤلّفة من 55 عازفاً ومنشداً، بقيادة المايسترو أندريه الحاج. لكن الحقيقة أن الحضور كانوا جميعهم تقريباً في حالة رقص وتمايل، وقد فتح كثير منهم شاشات تلفوناتهم، لنقل الوقائع التي يعيشونها لأحبتهم في المغتربات أو خارج القلعة وإلى من لم يتمكنوا من الدخول بسبب عدم توافر الأماكن. فبدا الناس المتجمهرون حول القلعة وعلى الشرفات، وفي المقاهي المحيطة، كأنما قرروا أن يكتفوا بما يتناهى إليهم، بعد أن عزّ الحضور.

كرر ملحم زين، ابن بعلبك، قبل هذا الحفل وخلاله، أنه بوقوفه في قلعة مدينته بعد كل الكبار الذين مروا بها إنما يحقق حلماً قديماً، وأنه يعيش لحظة تاريخية يقدرها جيداً. وخلال الحفل رحّب مراراً «بأهالي بعلبك، أهلي» هكذا خاطبهم، مبدياً سعادته بغنائه للمرة الأولى منفرداً في هذا المكان.

«افتحوا تلفوناتكم» قال ملحم زين للجمهور محضراً الأجواء لأداء واحدة من أجمل أغنياته الرومانسية «إنت مشيتي وبكيت الوردة، باب الهنا ضيعت مفتاحو، إلا حنيني ما بقى عندي، كمشة أمل عبيتك راحو»، من كلمات الشاعر نزار فرنسيس، وألحان سمير صفير. هذه الأغنية التي أضاءت الهواتف الحمولة على المدرجات، واستحقت الآهات، تلتها «علواه نرجع مثل ما كنا، وعلواه زورك وتيجي لعنا»، ثم مع غنائه «عالعين موليتين واطنعش موليه. جسر الحديد انقطع من دوس رجليه»، بلغ الانشراح ذروته والطرب غاياته القصوى في هذه الحفلة.

احتفى الأهالي بابنهم محبوب بعلبك، بقدر ما احتفى بهم، وهو المعروف بطيبته وقربه من الناس، وقد عينته الأمم المتحدة مؤخراً سفيراً للنيات الحسنة تقديراً لجهوده الكبيرة في العمل الإنساني والاجتماعي.

ليلة من المواويل، والشعر، والموسيقى، والرقص، والبهجة، عاشتها بعلبك، في انتظار الحفل الثاني الذي سينقل تلفزيونياً بشكل مباشر على محطتين تلفزيونيتين، وسيزحف آلاف المحبين لملحم زين لحضوره في بعلبك.

الشرق الاوسط

مقالات ذات صلة