خاص: المُشاهد يتحسر على زمن قل فيه الإنتاج وكثرت الجودة

“بطلوع الروح”، حتى تمكنت من حجز موعد على الشاشة الصغيرة مع مسلسل إسترعى انتباهي، ضمن زحمة المسلسلات الرمضانية هذا العام.

ماراثون رمضاني يتجدد كل عام مع شركات الانتاج والممثلين، لكسب ود المشاهد وجذبه، في مسلسلات باتت بعيدة عن واقعه، رغم ان احداثها ومفرداتها تحاول اقناعنا بأنها مرآة المجتمع، ما يجعلنا نتحسر على زمن كان يُعرض فيه مسلسل او ثلاثة مع الفوازير التي كانت تجعلنا “نحك رؤوسنا لحل الغازها”.

خيانة، قتل بوحشية، نصب واحتيال، هذه هي سمات مسلسلات رمضان هذا العام، الا مع استثناء بعض الاعمال التي لامست قضايا مهمة حتى وان لم تتصدر “التراندينغ”، كمسلسل “راجعين يا هوى” بطولة الفنان خالد النبوي، حيث استطاع السيناريست محمد سليمان عبد الملك أن يقترب من روح السيناريست الكبير أسامة أنور عكاشة، ونجح في تحويل مسلسل إذاعي لعكاشة من 15 حلقة لدراما تعتبر هي الأقرب لعالم عكاشة بعكس الجزء الأخير من “ليالي الحلمية”، الذي ابتعد عن هذه الروح، ونجح في تناول القضايا التي طالما ناقشها عكاشة وهي: الهوية والتماسك الأسري، والطمع، والغربة.

اضافة الى مسلسل “فاتن أمل حربي”، الذي يناقش قانون الأحوال الشخصية، طارحا تساؤلا هاما: ماذا يكون مصير الأبناء حينما تتفسخ الأسرة؟”.

أعمال عدة عرضت في السباق الرمضاني هذا العام ما بين الدرامي والكوميدي، وزخم هائل من الأعمال التافهة التي لا ترقى لمستوى ذائقة المشاهد الناقد، حيث أصبح الحشو والتفاهة هما القاعدة بين سطور السيناريو، ربما قد يكون السبب ان زمن نجومية الكاتب والمُعد في الأعمال الدرامية قد ولّى، على غرار نجيب محفوظ ويوسف السباعي وإحسان عبدالقدوس في مصر أو نهاد قلعي ومحمد الماغوط وحكمت محسن في سوريا أو علي اللواتي في تونس، عبدالله الوابلي في السعودية وعبدالحسين عبدالرضا في الكويت، وغير هؤلاء من الذين كانوا يمثلون نجوما حقيقيين ويقصد الجمهور أعمالهم وهو مغمض العينين.

والذي زاد من “وحشية الإنتاج الدرامي” ورداءته هو ظهور منصات البث الإلكتروني الرقمي والتهامها لكل أنواع الكتابة حسب الطلب: تراجيديا، كوميديا، حروب، مطاردات، خيال علمي، ألغاز بوليسية، مسلسلات تاريخية، لذلك نعود لنتحسّر على الماضي الذي كان فيه الإنتاج قليلا والجودة موجودة.

ومن الطبيعي في مرحلة ما بعد الربيع العربي، انت تتجه الدراما الى معالجة الأمن والسياسة، الا ان غالبينها يعاني من ضعف بنيوي في حبكة الأحداث والسيناريو، ونجد المسؤولون عن هذه المسلسلات يلجأون الى تغطية هذا الضعف بتقنيات الإبهار في التصوير والمونتاج.

مسلسل “بطلوع الروح”، نجح بوضع المشاهد ضمن البيئة التقريبية لمناطق الاقتتال في سوريا، ورغم استهلاك القصة مراراً وفي أعمال مختلفة على مدار عقدين تقريباً، لكن الفارق هذه المرة هو التقاء الإبداع واقتسامه بين الممثلة منة شلبي ومخرجة العمل كاملة أبو ذكري.

المسلسل ركَّز على معاناة فردية لامرأة من طبقة اجتماعية ميسورة ومنفتحة تجد نفسها بعد رحلة استجمام في غازي عنتاب التركية، في منتجع الرقة الدموي بكل ما ينطوي عليه هذا الاسم من عنف وقتل وتقطيع وجلد وترويع، وتشدك الحلقة من أول مشهد إلى آخر مشهد فيها لمدة نصف ساعة من انحباس الأنفاس وترقب الأسوأ في بيئة تحوَّل فيها البشر إلى وحوش والقلوب إلى حجارة، وبذلك يكون “بطلوع الروح” قد محى البهتان الذي أصاب الدراما الرمضانية هذا العام وأنقذ الموسم.

جهود المخابرات المصرية في اختراق تنظيم داعش في مسلسل “العائدون”، وتناول “الاختيار 3” لقضية سياسية شائكة في مصر إبان حكم الرئيس المعزول محمد مرسي، تجعلنا نقارنهما مع مسلسلات حضر فيها الشق السياسي على غرار “رأفت الهجان” “ودموع في عيون وقحة” و”السقوط في بئر سبع”، التي كانت السياسة حاضرة فيها ضمن الإطار الوطني العام كالصراع العربي-الإسرائيلي وتجنب قضايا الخلافات العربية أو الوطنية الداخلية.

أما إذا تحدثنا عن المسلسلات اللبنانية البحتة مثل “والتقينا” و”الزمن الضائع” فهما للأسف ضعيفان من كل النواحي الإنتاجية والتمثيلية والإخراجية، مع بعض الاستثناءات التي يتميز بها الممثلون المخضرمون في لبنان، ورغم الإنتقادات التي طالت “للموت 2″، إلا أنه متابع بشكل كبير.

هذه المتابعة الجماهيرية، لا تعني ان إدخال المسلسل مفردات لا تتقبلها اذن المشاهد قبل عقله صيحة، والادعاء ان هذه المفردات يستعملها اللبناني في حديثه اليومي، اضافة الى التسويق لفكرة الخيانة والدعارة، و”التحشيش”.

وبالانتقال إلى الدراما السورية، يمكننا أن نقول بأنها عادت إلى المنافسة بعدما غابت الأعمال القيمة لفترة طويلة بسبب الحرب في سوريا. وهذا العام برز مسلسلان هما “مع وقف التنفيذ” و “كسر عضم” لناحية التمثيل والإخراج والانتاج.

إذا، كل مجال يكثر فيه الاستسهال، تكثر فيه الرداءة والركاكة، والمجال الفني الاكثر خصوبة لذلك، خصوصا ان الجميع يريدون الشهرة بأي طريقة كانت، عبر التمثيل او الغناء او الرقص على “tiktok”، والانكى من ذلك انهم يجدون من يتابعهم، ويطبل لهم يضعهم طمن قائمة النجوم والمشاهير.

زينة أرزوني- Checklebanon

مقالات ذات صلة