عمار شلق: أرفض «لعبة الترند»…ولا أحد يستطيع تغييبي!
يكنُّ عمار شلق مشاعر سخط حيال الزحف خلف نجومية مواقع التواصل. يبدأ اللقاء مع «الشرق الأوسط» بالإشارة إلى أنه مقلّ إعلامياً لكونه يتحمّل مسؤولية كلامه ويخشى التلاعب. تأكيده بأنه ليس صدامياً مُنطلقه تحييد نفسه من الانجراف خلف «لعبة الترند» لحفظ مكانة الاسم والمسيرة.
ثلاثون عاماً، والممثل اللبناني يصنع سمعة حسنة ويؤكد على موهبة لا شك بوهجها. مسلسلات وأفلام ومسرحيات، ودرب طويل علّمه الحذر. ينتمي إلى مبادئ يرفض المساومة عليها، كأنْ يقرأ النصّ بأكمله ليوافق على الدور ثم يفاوض في البدل المالي، عوض أن يتلقّى اتصالاً يعرض عليه دوراً فيوافق بحسب الأجر، ثم يسأل عن ماهية الشخصية. ومن مبادئه أنّ مفردة ضيف تعني الأخلاق والاحترام، فيشعر بلوعة تجاه برامج تُسمّي الطرف الآخر «ضيفاً» وتُمعن في تقليل شأنه. منذ مدّة، وهو يتعمّد الانسحاب: «فلا أجلسُ خلف متراس أنتظر مَن يسدّد رصاصهُ نحوي، لأختبئ حيناً وأعيد التصويب حيناً آخر. لستُ قناصاً»، يقول، مقترحاً تغيير مفردة «ضيف» في الحوارات إلى «ضحية».
يربط الشخصيات بعُمر الممثل، ويملك جرأة الاعتراف بأنّ بعضها لم يعد يصلح له. يقول: «أتساءل، أي أدوار لم ألعبها بعد؟ قدّمتُ الكثير. منذ البداية قررتُ أن أكون انتقائياً، رغم الغزارة. اليوم، انتقائيتي مضاعفة. بعض لا يروقه فنان يفكر على هذا النحو. لا بأس. الأكيد أنّ أحداً لا يستطيع تغييب أحد».
يشيب الرأس ويتجاوز العمر عتبة الخمسين، مما يفسّر عطر الحكمة. الفن والحياة، شأنان متصلان بالخيارات: «إما الذوبان في السيستم أو الحفاظ على تركيبتك الإنسانية». سؤاله الإشكالي: «ماذا أريد من الفن؟». على الجواب التوصّل إلى خلاصة ثابتة: «بإمكان الآخرين أن يفكروا بالطريقة التي يشاءون. أما أنا فأؤمن بتعذّر إطفاء مَن تتّقد في داخله نار كبرى».
ثلاثة نداءات اكتملت لتثمر موافقته على مسلسل «الحجرة» (Starzplay) بدءاً من 22 يونيو (تموز)، يعدّدها: «نداء المسلسل بأكمله، نداء شخصيتي ونداء التركيبة، وهي النص لزهير الملا، الإخراج لفادي وفائي، والإنتاج لـ(فالكن فيلمز)، إلى محمد الأحمد في البطولة. باقة إغراءات جعلتني أشعر بأنّ اعتذاري سيكون جريمة بحق نفسي والجمهور المشتاق إليّ».
يضرب مثلاً بروبرت دنيرو وآل باتشينو في تشارك البطولة، للإشارة إلى أنه متصالح مع تعدّد اللاعبين في المسلسل: «على العكس من الانتقاص، هذا تكامل. بين دور بطولة مطلقة لم ينادني، وآخر من 20 مشهداً طوال ثلاثين حلقة يغريني، سأختار الثاني. لم أصبح ممثلاً لأُدعى إلى (إيفنتات) وليُشير إليّ المارّون في الشارع. أحدهم سألني وأنا متعرّق بعد مشهد صعب أدّيته في مستشفى، (حرزانة؟). أجبته على الفور: (شو بعمل بالشغف؟)».
هذا الشغف، ألا يُصاب بخيبات؟ هل تتدخّل السنوات في حجمه وشكله، فتنقله مثلاً من موقع إلى آخر في ترتيب الأولويات؟ يجيب: «الشغف لا يخفت، بل يزداد مع الوقت، فيسير هَمُّ التورّط بالتكرار إلى جانبه. أريد الإبقاء على اكتشاف شخصيات جديدة مشتعلاً في داخلي».
في الخمسين، هل يبلغ الممثل فيضاً ما؟ الأدوار الكثيرة، هل تتعبه؟ عمار شلق لا يتعب من أثر مئات الشخصيات فيه، ولكن «من سوء فهم المهنة». يشرح: «إنْ توجَّه الصحيح نحو الخطأ، برأيي، فهنا العتب والتعب. محزن الهوس في (الترند)، هذا سوء الفهم الحاصل».
يشير إلى نعمة المنصات لفرضها موضوعات خارج إشكالية الخيانة المستهلكة حد التخمة: «يمكن الحديث بمائة موضوع آخر. صحيح أنها جاذبة، لكن فلنخرج من (الكليشيه). في (الحجرة)، ثمة مقاربة تصبّ في الخيانة، إنما المسلسل لا يحوم حولها كأننا عاجزون عن الابتكار. مسلسلات المنصات باتت تجد مَخرجاً آخر».
من إدراكه أنّ التمثيل، شأنه كالحياة، لا يقوم دائماً على منطق العدالة في توزيع الفرص واقتناصها، يشدّد على السعي بمثابة سرّ من أسرار الوصول: «لا تستقيم الأمور بالجلوس والانتظار. لا بدّ من السعي الراقي. الفرصة الأولى مهمّة، لكنّ الفرصتين الثانية والثالثة تفوقها أهمية».
أصيب بـ«مفاجأة مع غصّة» أكثر مما شعر بالخذلان بمآلاته الأليمة، جرَّاء سنوات أفناها في المهنة. يقول: «قد يجد المرء ألا مفرّ من الانخراط في السيستم. فليفعل، شرط أن ينتشل نفسه من الذوبان التام. الفن مثل مائدة، تتألّف مكوناتها من المقبلات والخضراوات والطبق الرئيسي. التنويع مطلوب. لا يمكن تناول الطعام عينه كل يوم. ولا ضير على الإطلاق بالقول إنني أفضّل وجبة على أخرى. إما أن ألتهم الطبق عينه وبطريقة واحدة في جميع الأوقات، فهنا المشكلة».
لا يخاف على مستقبل المهنة: «تتبدّل من تلقائها وتُغيّر حالها، والدليل ما حدث منذ عشر سنوات إلى اليوم. التمثيل مهنة خطيرة، تحمل كمية تطوّر هائلة». لكنه يخاف على مستقبل ابنه البالغ ثماني سنوات: «أرجو أن تنصفه الحياة كما لم تفعل مع جيلي الملوّع بالحرب».
فاطمة عبدالله- الشرق الاوسط