القائد متفرّجاً: «اللهم وفّق الطرفين حتى يقضي أحدُهما على الآخر»… وعودوا إليّ!
لا يمكن أحداً أن يقنع قائد الجيش العماد جوزيف عون بأنه ليس المرشح الوحيد الجدي الذي سيضطر اللاعبون للتوافق عليه رئيساً. يقرأ الرجل الوقائع من زاويته الخاصة، منطلقاً من حسابات أساسها أنه ليس هو من تطوّع لهذه المهمة، بل شاءت الأقدار أن تضعه في موقع جعله محطّ اهتمام ومتابعة أولي الأمر الذين أجروا الفحوص وقرّروا أنه الأنسب. وفي مقدّم هؤلاء الولايات المتحدة والسعودية.
ويستند قائد الجيش إلى أن طبيعة الانقسامات القائمة ستودي بالمرشحَين سليمان فرنجية وجهاد أزعور، وهو واثق بأن أحداً لا يمكن أن يكون رئيساً من دون تغطية وطنية عامة. صحيح أنه لا يفترض أن أميركا ستكون مثل سوريا، تأمر فينزل الجميع إلى المجلس لاختيار الرئيس، لكنه يستند إلى تجربة العهدين الأخيرين، عندما حملت تسوية الدوحة العماد ميشال سليمان إلى بعبدا، وعندما انتظر العماد ميشال عون التغطية الإسلامية والمسيحية قبل انتخابه رئيساً. وهو يعتقد بأن عليه القيام ببعض الخطوات الداخلية ليرضى به المعترضون، ويرفع الداعمون له من مستوى تأييدهم.
زوار العواصم الخارجية ينقلون أخباراً عن نشاط قائد الجيش. ويؤكد هؤلاء أن كل الاتصالات بين أطراف اللقاء الخماسي لم تتجاوزه يوماً، بل أبقت عليه اسماً ثابتاً، فيما نوقشت بقية الأسماء تثبيتاً أو حذفاً من اللائحة. أكثر من ذلك، يبدو قائد الجيش مرتاحاً إلى كون الحركة الأميركية – السعودية – القطرية لا تجاري الاصطفافات القائمة بين فرنجية وأزعور، وهو متيقّن من أن هذه العواصم تنتظر أن تستهلك فرنسا فرصتها الزمنية، قبل أن تعود راضية مرضيّة، وتطالب به.
والقائد الذي يبني لنفسه قلعة معزولة عن بقية السلطات، ويعمل على تضخيم الهالة التي رافقت كل قادة الجيش الذين مروا على لبنان، يسعى إلى تعديلات في حراكه الداخلي، منطلقاً من ملاحظات قدّمها له «أصدقاء خارجيون أو داخليون»، طالبوه بأن يأخذ في الاعتبار ملاحظات من يرفضون وصوله.
وهو، لذلك، وزّع جهده، فقرّر أنه لا طائل من أي تقارب مع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، بل ينبغي العمل، من دون كلل، على القاعدة العونية التي يمثل الجيش عنواناً مركزياً في مخيالها اللبناني. ويثق القائد بأن هذه القاعدة تدعمه، وأن جبران باسيل سيواجه صعوبة كبيرة في معارضته.
إلا أن القائد، لا ينظر إلى القوات اللبنانية بالطريقة نفسها، ويتصرف على أنها مضطرة للقبول به. ويضيف على ذلك ما يصله مباشرة من كلام قائد القوات ومسؤوليه بتفضيلهم له على غيره. وهو كلام سبق لسمير جعجع أن شرحه بإسهاب، عندما قال إن قائد الجيش مجرّب لجهة الانتماء الحزبي، وهو ليس عونياً كما يفكر كثيرون، ومنع باسيل من التحكم بالجيش، وقلّص كثيراً نفوذ العماد ميشال عون في المؤسسة العسكرية. كما أنه مجرّب في مواجهة حزب الله عندما رفض طلبات الحزب داخل المؤسسة العسكرية، ولم يجاره في أي ملف أمني جدي، وأظهر حزماً في مناطق الحزب، وتصرّف بحزم يوم أحداث الطيونة المشؤومة بتصدّي عناصره لمن اعتبرهم جعجع غزاة، كما لعب دوراً كبيراً في احتواء الضغوط التي مورست على المحكمة العسكرية لمعاقبة كوادر وعناصر من القوات على خلفية ما جرى… وفوق كل ذلك، لا ترى القوات في قائد الجيش خصماً على المديين المتوسط والبعيد، أو شخصية قادرة على منافستها شعبياً أو سياسياً، بل حليفاً سيأكل من صحن التيار الوطني الحر، ومن الأجواء المؤيدة لمجموعات 17 تشرين، خصوصاً أن هذه المجموعات تحفظ للجيش أنه لم يكن عنيفاً ضدها خلال التظاهرات.
لكن ماذا يفعل عون مع جهة كحزب الله؟
ينطلق قائد الجيش من واقعة أن الحزب لا يضع فيتو عليه. صحيح أن للحزب مرشحه، لكنه ينظر إلى القائد كمرشح طبيعي، وأن العلاقة المنتظمة بينه وبين قيادة الحزب تسمح له بالقول إن الأمور جيدة. وهو يكرر أمام زواره أن الجيش لم يتعرض مرة واحدة لكل ما له علاقة برجال المقاومة أو سلاحها، وأن مديرية المخابرات تنسق مع الحزب غالبية أعمالها المتعلقة بمواجهة العدو أو حتى مواجهة حالات غير قانونية في مناطق سيطرة الحزب.
وأخيراً، أضاف قائد الجيش من الخطوات ما يعتقد أنه مناسب لعدم استثارة حزب الله. فعندما قيل له إن فريق عمله السياسي والأمني والإعلامي يثير «نقزة» لدى الحزب، بادر إلى تعديلات لطمأنة الحزب، فقال إن العميد المتقاعد طوني منصور ليس من عداد فريقه، بل «صديق كان يرغب بالترشح للانتخابات النيابية الماضية وطلب مساعدتي». وأسرّ بأن فريقه يضم شخصيات شيعية معروفة بقربها من الحزب، علماً أنه يعرف بأنّ مَن يتحدث عنهم ليسوا مكلّفين بأي دور من الحزب أو معه. حتى المدير العام السابق لوزارة الإعلام محمد عبيد، الذي تربطه علاقات قوية مع حزب الله، لم يكن ليقترب مرة من أن يكون وسيطاً بين القائد والحزب، وعبيد يعرف، كما القائد، بأن للحزب قناته الرسمية مع اليرزة ولا يحتاج إلى وسطاء أو ناقلي رسائل. مع ذلك، يعرب القائد عن استعداده لتعديلات على بعض المواقع عنده، واختيار من يعتقد أنهم يميلون إلى الحزب، ويكرر أنه رفض دوماً طلبات الأميركيين والسعوديين بإبعاد أو تسريح ضباط مقرّبين من الحزب. ولمزيد من التشويق، يسرّب معلومات بأنه في حال وصل إلى القصر الجمهوري، سيختار مدير المخابرات الحالي العميد طوني قهوجي قائداً للجيش، موحياً بأنه سيختار من يحترمه حزب الله وآخرون من خارج مناخه هو.
صحيح أن الجميع ينشط هذه الأيام، سعياً أو قطعاً للطريق على انفجار سياسي كبير في لبنان، لكن لا يجد ما يزعجه من المعركة القائمة، وشعاره: «اللهم وفّق الطرفين حتى يقضي أحدُهما على الآخر»، لأن ما في ظنه ثابتة واحدة، هي أن مآل الأمور عائد إليه حتماً.
ابراهيم الامين- الاخبار