الدراما العربية بين الحصار والتراجع والعودة… ثلاثية الأزمة: الاقتصاد والاحتكار والركاكة
يعاني الإنتاج الدرامي المحلي في الدول العربية من مشكلات عدة تختلف بين دولة وأخرى، لكن يجمع بينها ضعف النصوص، فضلاً عن سطوع نجمي الدراما المشتركة والدراما التركية المعربة اللتين تمكنتا من سحب البساط من تحت أقدامها بنسب متفاوتة بين بلد وآخر.
ففي لبنان تعاني الدراما المحلية من ضعف حاد في الإنتاج نتيجة الأزمة الاقتصادية التي تعصف به منذ نحو أربع سنوات، وفي مصر تهيمن شركة واحدة على كل الإنتاجات المحلية، أما الدراما السورية فلم تنجح باستعادة مكانتها إلا من خلال أعمال البيئة وسط غياب شبه تام للأعمال الأخرى، بينما تعاني الدراما الخليجية محدودية الانتشار واقتصار مشاهدتها على المتابع الخليجي.
فكيف ينظر بعض النقاد وصناع الدراما في مصر وسوريا ولبنان والخليج إلى واقع الدراما المحلية في بلدانهم؟
حصار درامي
الناقد المصري نادر عدلي يرى أن الدراما المصرية تأثرت إنتاجياً لأنها تعتمد على شركة واحدة هي “المتحدة” التي تحتكر الإنتاج وتسمح لبعض الشركات الصغيرة بأن تتشارك معها في بعض الأعمال، وهذا الواقع يسيطر على الدراما المصرية منذ أربع سنوات حتى إن هذه الشركة تحتضن معظم الممثلين والفنيين المصريين وتسيطر على القنوات المصرية للتسويق لأعمالها، وكان من الطبيعي أن يتغير الوضع عما كان عليه سابقاً، عندما كانت المنافسة بين مجموعة من شركات الإنتاج المحلية أو العربية.
بحسب عدلي فإن الحصار الذي تفرضه “المتحدة” لم يؤثر مباشرة في الدراما المصرية، بل على المشاهد المصري الذي وجد بدائل في قنوات أخرى وبخاصة “أم بي سي” التي تعرض أعمالاً تركية معربة يشارك فيها ممثلون من سوريا ولبنان وتحظى بنسبة مشاهدة عالية، مضيفاً “الشركة المتحدة تنتظر أشهراً عدة بعد انتهاء الموسم الرمضاني لكي تبدأ تصوير أعمال جديدة، والتعويض عندها يكون بإعادة عرض الأعمال الأكثر نجاحاً في رمضان، وهذا الأمر دفع المشاهد المصري إلى متابعة أعمال أخرى جديدة بدلاً من الأعمال التي يعرف أحداثها”.
كما يلفت عدلي إلى أن الصيغة التي يعتمدها الإنتاج المصري تحتاج إلى إعادة تقييم، مضيفاً “الدراما المصرية نجحت إلى حد ما في جذب النجوم المصريين واللبنانيين والتونسيين للمشاركة فيها، لكن الحالة الإنتاجية الموجودة بحاجة إلى إعادة صياغة لأنها تقوم على مقاييس محددة من ناحية نوعية الأعمال التي تقدمها كالأعمال الدينية والتاريخية والاجتماعية، وتكرس ورش السيناريو لخدمتها مما ينعكس سلباً على مستوى هذه الأعمال، كما أن بعض المخرجين المتميزين كـعمرو سلامة لم يتمكنوا من التوافق على صيغة للتعامل مع الشركة المتحدة فاتجهوا إلى تقديم أعمال قصيرة للمنصات”.
نصوص ركيكة
لا يتردد المخرج السعودي محمد وفا في وصف الدراما الخليجية بـ”الضعيفة”، لأن جمهورها ينحصر بفئة معينة من الخليجيين، مرجعاً السبب إلى ضعف الصناعة والإنتاج، لكن المشكلة الأساسية، على حد قوله، تكمن في النصوص الركيكة التي تقف عائقاً أمام تطورها، فـ”الكتاب البارعون نادرون جداً في الخليج، لذا أتدخل دائماً في النصوص التي أخرجها. أما المشكلة الثانية فهي تفضيل الممثل الخليجي الوجود في الأعمال المشتركة التي تنتج في أي بلد عربي، مع أن هذا الأمر ليس جديداً، فقد كان موجوداً في الخليج وخارجه”.
ويشير وفا إلى مشكلة ثالثة وهي حصر الإنتاج الدرامي في رمضان، لكنه يضيف أن المنصات رحمت المخرجين والممثلين الخليجيين وفتحت المجال أمامهم لتقديم أعمال قصيرة.
مع ذلك يرى المخرج السعودي أن هذه المشكلات لا يمكن أن تتسبب مستقبلاً بانكسار الدراما الخليجية، فـ”القائمون عليها يبذلون جهداً كبيراً لتحسينها وتطويرها، والحل من وجهة نظري يكمن باحترام المتلقي من خلال تقديم النصوص الجيدة، بخاصة أن المنافسة عالية جداً، ولا يمكن إجبار المشاهد على متابعة مسلسل، فبضغطة زر يمكنه الانتقال لمتابعة أعمال عالمية تخاطب فكره، وأنا متفائل جداً بالجيل الجديد من الفنانين الخليجيين لأنه على درجة كبيرة من الوعي ويهتم بالصناعة الدرامية بدليل أن فيلم “سطار” حقق أعلى إيرادات على مستوى العالم العربي، وهو من إنتاج شركة يملكها شباب سعودي، لأن الحركة الشبابية هي التي تصنع التغيير، وأعتقد أن السعودية هي البلد الوحيد الذي يستطيع قلب شكل الدراما في العالم العربي خلال الفترة المقبلة”.
تراجع وليس تهديداً
يرى الممثل والمخرج اللبناني جورج شلهوب أن الدراما اللبنانية تشهد حالاً من التراجع الكبير بسبب الظروف الصعبة التي يعيشها لبنان، مشيراً إلى أن هناك اتجاهاً لإنتاج أفلام سينمائية لبنانية بسبب سهولة التصوير الذي يتم عبر تقنية الفيديو العالية المستوى مما يسهل عملية الإنتاج”.
لكن الدراما المحلية ليست مهددة، بحسب رأيه، “فقد قدمت في الفترة السابقة أعمالاً جيدة وحققت نجاحاً كبيراً ويمكن أن تنجح عربياً عندما تتوافر التركيبة الجيدة، أي النص والإخراج والكاستينغ والإنتاج والتسويق الجيد. فعندما يتوافر رأسمال المال يزدهر الإنتاج، والأمر ليس مكلفاً جداً بل يقتصر على ما يحتاج إليه العمل لكي يكون مناسباً للعرض، لكن المشكلة أن الإنتاجات تخصص للعرض الرمضاني وليس لكل أشهر السنة”.
ويبرر شلهوب ابتعاد الممثلين والمنتجين الأكفاء عن الدراما المحلية بقوله إن “الممثل وجد نفسه مجبراً على الوجود في الدراما المشتركة لكي يؤمن مورد رزقه، وبإمكان شركات الإنتاج الكبيرة إنتاج أعمال محلية تسوق عربياً في حال تم تنفيذها بشكل جيد، ويفترض أن تتوافر ثلاثة عناصر أساسية في الدراما، هي وحدة المكان والزمان والحركة، كما يجب أن يكون الكاستينغ في مكانه الصحيح، وأن يكون هناك تصاعد درامي في القصة. وللأسف المنتجون الذين يعملون في الدراما اللبنانية حالياً ليسوا بمنتجين، وعندما ارتفع سقف الإنتاجات المحلية رفض الممثلون الكبار المشاركة فيها بسبب تدني الأجور، فضلاً عن أنهم كانوا يستعينون بهم في الحلقات الثلاث الأولى من المسلسل وفي الحلقات الباقية بممثلين تنقصهم الموهبة”.
عودة حميدة ولكن
بدوره، يشير الممثل السوري محمد خير الجراح إلى “عودة حميدة” للدراما السورية كماً ونوعاً، لكنه يعتبر أنها تحسنت نوعاً من ناحية التقنيات مقابل تراجع الألق للمحتوى الدرامي، فـ”في السابق كانت الدراما السورية تعمل وفق آلية معينة، لكنها اختفت وضاعت مع غياب دور المخرج كشريك في الصناعة الدرامية. فالمخرج اليوم يعيد تقديم سيناريو محبوك بشكل جيد ورؤية إخراجية مختلفة فتكون النتيجة جيدة تقنياً فقط، لأنه لم يعد يختار نصه بل يوافق على ما يقترح عليه، بينما في السابق كان الكاتب يقدم له النص فإذا أعجبه يجلسان معاً ويقومان بالتعديلات اللازمة ثم يختاران الممثلين المناسبين للأدوار وينجزان المشروع قبل عرضه على الجهة الإنتاجية المحلية، التي تعد له (فورمة) كاملة وتبيعه لإحدى المحطات لعرضه”.
ويستطرد الجراح “أما اليوم فيقصد الكاتب شركة الإنتاج مباشرة لتطلب منه تنفيذ العمل وتختار أسماء الممثلين وربما يكون له دور في بعض التفاصيل، لكن القرار النهائي يعود إليها بعد أن تكون قد حصلت على موافقة على العمل من محطات التلفزة، وبذا تحولت الدراما إلى صناعة محددة جداً، عدا عن أن توقيت العرض والضخ الإعلامي التسويقي المكثف أثرا بدرجة كبيرة على ذوق المشاهد الذي لم يعد مرهوناً بالعرض التلفزيوني التقليدي، بل اتجه إلى المنصات التي تقدم هذه الأعمال مقابل الاشتراك فيها وتتيح له مشاهدتها قبل يوم من عرضها على الشاشة الصغيرة. والنتيجة أنه لم يعد هناك إجماع على مسلسل معين كما كان يحصل سابقاً، لأسباب كثيرة أبرزها تحريض الجمهور على مشاهدة مسلسل على حساب آخر، مع أنه يمكن أن يكتفي بمشاهدة حلقة أو حلقتين منه، وعلى رغم ذلك يتم الترويج بأنه الأكثر مشاهدة من دون معرفة الطريقة التي أجريت فيها الإحصاءات ومدى صحتها، وأتمنى عودة سلطة المخرج والمنتج الفني وليس التجاري، وأن تبسط الجهات الرقابية سلطتها فنياً على مستوى الجودة والمستوى وليس من ناحية بعض المحاذير”.
يشير الجراح إلى مشكلة أخرى، فـ”الكتاب أصبحوا المسؤولين عن الدراما، الأمر الذي تسبب بإقصاء أعمال معينة وبخاصة الدراما التاريخية المهمة كالتي أنتجتها سوريا خلال الأعوام الماضية، ومن بينها “الزير سالم” و”صلاح الدين” و”التغريبة الفلسطينية” و”هجرة القلوب إلى القلوب”. فلم تعد تتم الاستعانة بقصة أو رواية من الأدب لتحويلها إلى عمل فني درامي، بل أصبحت القصص تفصل تفصيلاً ويتدخل المنتج والممثل والمخرج ويقدمون معاً توليفة لا محاذير عليها من وجهة نظرهم، وهكذا تحولت الدراما إلى قشرة فارغة لا يوجد بداخلها سوى الهواء”.
اندبندنت