ثورة تاريخية في القطاع التربوي: ١٥ حزيران… طائف تربوي!
يستعد القطاع التربوي لثورة تاريخية مع بدء العد العكسي لاطلاق المنهاج الرسمي الجديد للمدارس والذي يسابق الوقت لاعلانه قبل الخامس عشر من حزيران المقبل.
هو طائف جديد كما أسماه وزير التربية والتعليم العالي عباس الحلبي، لماذا؟ يشرح الحلبي لموقع “لبنان الكبير” الأسباب التي دفعته الى اطلاق هذا العنوان على المنهاج الجديد، فيقول: “رغبت أن تشارك في ورشة المناهج جميع مكونات العائلة التربوية مع مختلف التوجهات السياسية، وقد أعددنا أكثر من مسودة للاطار الوطني لتطوير المناهج ولم نتوصل الى اتفاق وطني الا بالمسودة الخامسة، أي مررنا على الأولى والثانية والثالثة والرابعة قبل أن نتفق كلبنانيين على مشروع موحد جسدته المسودة الخامسة، من هنا اعتبرت هذا الاطار بمثابة وفاق وطني على الصعيد التربوي وأطلقت عليه اسم طائف تربوي”.
ويضيف الحلبي: “لا للفديرالية التربوية وتوحيد المناهج هو الهدف الأساس”، مشيراً الى أنه لم يتم التوصل بعد الى الصياغة والنصوص “فقد أطلقنا عشر أوراق تحدد السياسات وتتوسع الى ما ورد في عناوين الاطار الوطني، وهذه الأوراق توضع أواخر هذا الشهر بصيغتها النهائية وتصبح قيد النقاش (أوراق السياسات العشر) بهدف التوافق عليها للانطلاق الى وضع دفتر الشروط والبدء بإعداد المناهج”.
وحول المخاوف من مواجهة الانقسام في اعداد المنهج ولا سيما عند صياغة كتابي التربية والتاريخ، يقول وزير التربية: “أنا متفائل بالتوصل الى اتفاقات ترضي كل الأطراف، وأنا رجل حوار وسنناقش كل التفاصيل على طاولة واحدة ومن السابق لأوانه أن نتحدث عن الحقبات التاريخية وكيفية صياغتها أو مقاربتها، لكن طالما استمرينا بهذه الروحية وبهذا الزخم لدي أمل كبير في أننا سنتوصل الى تصور موحد وستكون سابقة في تاريخ لبنان التربوي”. ويكشف الحلبي أن “هناك مومنتم لإنجاز هذا المشروع ولكن الخشية من أن يأتي، اذا تغيرت الحكومة وسياستها، وزير تربية جديد يغيره أو يعرقله، لذلك نحن نتسابق وفريق العمل مع الوقت لانجازه وسيعلن قبل ١٥ حزيران”.
اذاً من يصدق أن المناهج الرسمية ستتغير؟ لطالما كان هذا الأمر مطلب الأهل قبل الأساتذة، فالطلاب يعانون منذ سنوات من “حشو” داخل المنهاج الذي لم يخضع لتعديل منذ عشرات السنين حتى أن بعض الكتب تعود الى العصر الحجري بالمعنى المجازي، فقد جرى آخر تعديل له عام ١٩٩٧ علماً أن كل دول العالم تقوم بتعديل المناهج كل ٣ سنوات لمواكبة العصر والتطور والمتغيرات والأحداث المستجدة والتقدم العلمي، والقانون اللبناني بحد ذاته يفرض تحديث المنهاج الدراسي وتعديله كل ٥ سنوات ما يعني أننا خالفناه خمس مرات.
والسؤال: هل لبنان جاهز لهذه الخطوة التاريخية؟
تقول رئيسة “المركز التربوي للبحوث والانماء” البروفيسور هيام اسحق لموقع “لبنان الكبير”: “منذ ٢٠١٦ (تاريخ الحصول على قرض البنك الدولي) الى ٢٠٢١ لم تستطع وزارة التربية القيام بأي خطوة عملية على الرغم من أننا نسأل دائماً عن المحاولات المتكررة لاطلاق المناهج، وهذا صحيح. عام ٢٠٢١ عمل فريق مركز البحوث المتخصص على الأرض وأعد دراسات توصلت الى ورقة وضعت مداميك الاطار العام للمناهج، وقد واكبت معه منذ ١١ أيار من العام الماضي النسخة الرابعة التي اعترض عليها بعض الأحزاب باعتبار أنها لم تشارك فيها ولم يؤخذ برأيها علماً أنها كانت قد سمّت ممثلين لها داخل اللجنة عبر اتحاد المدارس الخاصة، لكن هذا الأمر تمت معالجته مع وزير التربية وأطلقنا ورشة حوار مع الجميع (المدارس الكاثوليكية – أمل – المهدي – المقاصد – الراهبات…) اتفقنا على اعلان دستور جديد للمناهج وتم تأليف لجنة صياغة تضم أهم أسماء ذات اختصاص في القطاع التربوي وهي معروفة وتتمتع بخبرات عالية جداً وبصمات مميزة. وشاركنا جميعاً في ورش متعددة وقد تم وضع ملاحظات أضيفت الى الاطار الوطني الذي أعلن بنسخته الخامسة التي أطلقها الرئيس نجيب ميقاتي في ١٥ كانون الأول عام ٢٠٢٢ وانتقلنا الى مرحلة السياسات التربوية الوطنية، ووضعنا عشر سياسات وحددنا معايير الأشخاص الذين سيشاركون في إعداد هذه السياسات، وأطلقنا الـapplication المخصصة على صفحة المركز واجتمعنا مع رؤساء الجامعات (خمسون جامعة) وتواصلنا مع اتحادات المدارس لترشيح من يملك المؤهلات المطلوبة للعمل بهذه السياسات، وانطلقنا في الحلقات الحوارية التي أوصلتنا الى تشكيل اللجان العشر التي أصبحت تضم حوالي ١٤٠ خبيراً منها لجنة سياسة الكفايات والتقويم وسياسة الدمج والسياسة اللغوية والعلاقة مع التعليم المهني والتقني والتعليم العالي وسوق العمل وسلم التعليم الذي نتوقع أن يحدث ثورة كبيرة لأنه يتغير بصورة جذرية (البند التعلمي والمرحلة الانتقالية والطفولة المبكرة…) هي عشر سياسات غير مسبوقة عرضنا مراحلها على الهيئة العليا لشرح ما قطعناه منها وما هو قيد الانجاز والتحضير ومتى ننتهي منها، ويفترض قبل ١٥ حزيران أن تكون كلها جاهزة، وفي الوقت نفسه يجب أن نبحث في كيفية المرور على المنهاج العام والمواد الدراسية، و١٥ حزيران هو الموعد الذي تم الاتفاق عليه مع البنك الدولي لاعلان السياسات التربوية والا سيتم التراجع عن التمويل”.
والمرحلة الثانية هي المرحلة الأدق والأصعب عند الانتقال الى المواد لوضع منهاجها وانجازها فبل شباط ٢٠٢٤ من خلال التجربة الأولىpiloting لدروس بحلقات معينة لمواد معينة، وهذه الخطوة هي الـSOP التي وضعها البنك الدولي لتنفيذ المهمة (standard operating procedure) وعليه السنة الدراسية المقبلة هي سنة مفصلية وذات أهمية قصوى في تاريخ القطاع التربوي، اذ ستؤسس لنقلة نوعية في المناهج الدراسية الموحدة لكل المدارس الرسمية، اما الخاصة ومن خلال الزامها باختبارات وطنية (تجرى داخل المدارس) فسيفرض عليها ايجاد مساحات مشتركة وتنسيق سياسات منسجمة بينها وبين الرسمي على أساس معايير خاصة تفرضها وزارة التربية وهذا هو الطريق السليم باتجاه توحيد المناهج .
وتسأل اسحاق: أين التاريخ المشترك وأين التربية المشتركة؟ فنحن نلتزم فقط الامتحانات الرسمية ولا نعرف ماذا قبلها وماذا بعدها في مكان ما، مؤكدة أنه “لم يحصل أبداً أن تم اعداد كتاب تاريخ في العصر الجديد على عكس ما كان يعتقده البعض، واقتصر الأمر على وضع فلسفته فقط حتى أنه عام ١٩٩٧ عند آخر تغيير للمنهاج طال التعديل كل المواد باستثناء كتاب التاريخ. اما كتاب التربية وفق المنهج الجديد فقد تم انجاز نسخة جديدة منه وسنعمل على الافادة منها وتعديلها بما يتماشى مع روح المنهاج الجديد”.
اذاً، نماذج الدروس ستنطلق العام المقبل وستخضع للتجارب، والمرحلة الصعبة لم تبدأ بعد اذ يفترض أن يتم عرض النماذج على الهيئة العليا التي تضم المدراء العامين ورئيس الجامعة اللبنانية ورئيس لجنة التربية النيابية ورئيس اتحاد المدارس الخاصة مع وزير التربية وعند الموافقة عليها تصبح قيد التنفيذ.
اطلاق المناهج الجديدة للمدارس يواجه تحدي الوقت، فالبنك الدولي ليس “كاريتاس” ولن يصرف قرشاً من دون خطط ومواقيت ومؤشرات ولكل مرحلة تمويلها من المبلغ المرصود ولا يصرف لأي أمر آخر (العمل لا يزال ضمن الهبة قبل البدء باستخدام القرض) .
اما لماذا يهتم البنك الدولي بتمويل تغيير مناهج، فالجواب: ابحثوا عن ملف النزوح السوري.
لبندا مشلب- لبنان الكبير