جنبلاط يتجه نحو معراب: تشكيل جبهة درزية – قواتية في الجبل لمواجهة المد الشيعي!؟

جنبلاط قرأ جيداً خطاب قاسم فاتجه نحو معراب!

في كلام الشيخ نعيم قاسم بعد محادثات الموفد الأميركي آموس هوكشتاين، الكثير من الاشارات التي تحمل في طياتها ما يرسم أكثر من علامة استفهام حيال ما يخطط له “حزب الله” في الداخل اللبناني في فترة ما بعد الحرب.

فما جاء في خطابه الأخير، أثبت في قراءات المراقبين المحليين والاقليميين، أن اهتمام “حزب الله” بالسيطرة على الداخل يكاد يتفوق على اهتمامه بالسيطرة على الجنوب، وأن الرغبة في احتكار مفاتيح السلام تكاد تتجاوز الرغبة في احتكار مفاتيح الحرب، انطلاقاً من شعار رفعته ايران في الكواليس مخيّراً الشيعة اللبنانيين بين واحد من خيارين: اما خسارة الجنوب والاحتفاظ بالداخل واما خسارة الاثنين معاً.

وليس سراً في هذا المجال أن قاسم والايرانيين باتوا مقتنعين الى حد كبير بأن الانتصار على اسرائيل في كل من غزة ولبنان ليس أمراً متاحاً، خصوصاً بعد التراجع البري في الجنوب، وبعد ترجيح كفة السلطة الفلسطينية في غزة، وطرد زعماء “حماس” من الدوحة الى أنقرة اضافة الى الضغوط الدولية المتجددة والمتصاعدة على البرنامج النووي الايراني، مؤكدين أن المطلوب الآن الانتقال الى مرحلة تعويضية، لا تلغي المقاومة الاسلامية في المعادلات الفلسطينية الجديدة، ولا تستخف بدور المقاومة الاسلامية في المعادلات اللبنانية الجديدة.

وفي معنى آخر، تحاول طهران، بعد إخفاقها في تحقيق أي انتصارات عسكرية يعتد بها لتعزيز أوراق التفاوض مع الادارة الأميركية المقبلة برئاسة دونالد ترامب، أن تربح في السياسة ما خسرته في القتال وذلك من خلال سلاحين، الأول في غزة ويعتمد على المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية وحسب، والثاني في لبنان ويعتمد على خيارين: اما استخدام ما تبقى من سلاح ومسلحين والتمركز في الداخل اللبناني وتحديداً المناطق التي لجأوا اليها في محاولة للسيطرة على الأرض وتطويق المعارضة، واما اللجوء الى “المهادنة المفخخة” من خلال اعلان العودة الى الحياة السياسية من بوابة الدستور واتفاق الطائف بعد وقف اطلاق النار في الجنوب.

وما يثير الشكوك والتساؤلات حيال الهجمة نحو الداخل اللبناني، أن “حزب الله” لم يعترف يوماً باتفاق الطائف ولا التزم منه الا ما كان يحفظ له السبيل الأساس الى الحكم سواء في البرلمان أو الحكومة أو الادارات أو الثلاثة معاً، اضافة الى ما يبرر الاحتفاظ بالسلاح وشرعنته في البيانات الوزارية المتعاقبة، وهي البيانات التي كان يتمسك بها للالتفاف على الدستور الذي يدعو الى حل الميليشيات لا الغائها في مكان وتكريسها في مكان آخر.

ويكشف مصدر قريب من البيئة الشيعية أن السوريين خلال وجودهم في لبنان، منحوا السنة سلطات كبيرة من خلال الطائف وعلى حساب المسيحيين والشيعة معاً، وأن المخرج الذي ساهمت فيه ايران وتغاضت عنه أميركا، قضى بابقاء السلاح في يد الحزب حصراً تحت شعار المقاومة ضد اسرائيل، ومنحه دوراً سياسياً وازناً في مجلس النواب، بعدما وضع الأميركيون خطاً أحمر يمنع المقاومة الاسلامية من المشاركة في السلطة التنفيذية لا من قريب ولا بعيد، الأمر الذي يفسر غيابها عن أي تمثيل حكومي قبل العام ٢٠٠٥ تاريخ الانسحاب السوري من لبنان .

وبعيداً من العرض التاريخي المسلسل في مسيرة “حزب الله” منذ العام ١٩٨٢، نعود الى خطاب نعيم قاسم ليفهم من يعنيهم الأمر أن الاخفاق في الجنوب ومقتل حسن نصر الله وجميع أركانه الكبار، لن يترجم إخفاقاً مماثلاً في الداخل مستفيداً من التقاعس الفاضح الذي مارسته المعارضة المنقسمة على نفسها وترددها في توظيف الوقت والظرف معاً لتغيير المعادلة الداخلية وفي مقدمها الاعتصام في البرلمان وانتخاب رئيس للجمهورية بمن حضر واعتبار النواب الشيعة المختبئين في مكاتب المجلس جزءاً من الميثاقية ومن النصاب المطلوب لاطلاق عملية الاقتراع.

ويقول مرجع قانوني انطلاقاً من الضروريات التي تبيح المحظورات، ان من الممكن اعتبار حرمة المجلس جزءاً من القاعة الرئيسة واجراء العملية الانتخابية في شكل دستوري ولو لمرة واحدة وأخيرة، مشيراً الى أن الخوف من احتمال اندلاع حرب أهلية في تلك الظروف كان وهماً أكثر منه واقعاً خصوصاً أن الجيش كان جاهزاً للحؤول دون ذلك، وأن أميركا كانت جاهزة لتأمين الغطاء الديبلوماسي العربي والغربي معاً.

وليس من قبيل المصادفة أن تعلو لهجة نعيم قاسم بعد شهر ونصف الشهر من القتال والصدمات، ليضع المعارضة ومن يهمه الأمر أمام الحقيقة التي تقول ان الأمر والنهي لا يزال في قبضة “حزب الله”، وان لا رئيس للجمهورية ينتخب في لبنان من دونه، متسلحاً باتفاق الطائف لقطع الطريق على أي حملة مضادة قد تتعرض لسلاحه المنتقل من الجنوب الى الداخل.

والسؤال هنا، هل ينجح الحزب المنهك والجريح على كل المستويات، في العودة الى ما قبل “الثامن من أكتوبر” بالسهولة التي يوحي بها؟

الجواب جاء أولاً عبر وليد جنبلاط الذي رفض كل ما يتسلح به قاسم داعياً الى فصل الساحات، وانهاء الدور اللبناني الدامي والمزمن والمكلف في سبيل القضية الفلسطينية، والى تطبيق القرار ١٥٥٩ الذي يدعو الى نزع سلاح الميليشيات، كاشفاً في خطوة لافتة أنه سيتوجه الى معراب لمقابلة سمير جعجع، وطارحاً أكثر من سؤال حيال الأسباب التي تدفعه الى التنسيق مع قائد “القوات اللبنانية” بعد مرحلة طويلة من العلاقات المتأرجحة بين التقارب والتباعد.

مصادر قريبة من الطرفين، ترجح أن يكون جنبلاط أمام خطوتين أساسيتين، الأولى التلويح مع جعجع لتمرير بند اللامركزية الادارية الوارد في اتفاق الطائف، وهو خطوة تمثل نوعاً من الاستقلالية الادارية والمالية والشعبية التي تعزل “حزب الله”، وتحد من نفوذه السياسي وروافده المالية، والثانية تشكيل جبهة درزية – قواتية في الجبل لمواجهة المد الشيعي الذي بدأ يتغلغل في القرى والبلدات المحسوبة سياسياً وشعبياً على جنبلاط محاولاً تحويل المنطقة الى طريق قسري لنقل السلاح من البقاع الى بيروت والجنوب بعد فضح الطريق الممتدة من البقاع نحو العاصمة عبر الكحالة وعاريا.

وتكشف مصادر قريبة من المختارة أن جنبلاط الذي قرأ جيداً خطاب نعيم قاسم أدرك خطورة ما يضمره، فسحب من ترسانته أكثر ما يزعج “حزب الله” أي الادارة المركزية والتحالف مع جعجع، وتأييد القرار ١٥٥٩ محاولاً أن يضع المقاومة الاسلامية أمام الحقيقة التي تؤكد أن ما كان قائماً قبل الثامن من أكتوبر لم يعد قائماً اليوم على الرغم من المكابرة التي يمارسها “حزب الله”، وأن لكل فريق في لبنان سلاحه ورجاله وخياراته وتحالفاته، معتبراً أن صداقته مع الرئيس نبيه بري شيء وحرصه على الجبل شيء آخر.

وتذهب المصادر بعيداً الى حد القول ان جنبلاط لن يمانع في تسويق جعجع في البازار الرئاسي نكاية بمحور الممانعة على الرغم من اقتناعه بأن فرصه ليست مضمونة ما دامت الدول العربية تقف على الحياد، وما دام السنة يتمسكون بمسافة واسعة بينهم وبين جعجع، وما دام الأميركيون أقرب الى قائد الجيش منه الى أي مرشح آخر.

وتنفي المصادر عينها أن يكون الموفد الأميركي هوكشتاين قد بحث مع جنبلاط في موضوع الرئاسة والمرشحين، مؤكدة أن الرجل يمثل الآن ادارة أميركية محتضرة لا تملك ما كان يملكه الرئيس رونالد ريغان يوم سمّى بشير الجميل رئيساً للجمهورية ولا ما يمكن أن يملكه دونالد ترامب بعد العشرين من كانون الثاني المقبل.

في اختصار، يمكن القول ان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو مقتنع بأنه سينال ما سعى اليه في كل من غزة ولبنان وقد ينال أيضاً ما يسعى اليه في ايران أي القضاء على برنامجها النووي، وان واشنطن مقتنعة بأن شرق أوسط جديداً سيخرج الى العلن بعد انتهاء الحرب، وان ايران تدرك أن ما تبقى من سلاحها في ساحات الممانعة لا يسمح لها بمزيد من التحديات والمغامرات وان زمن التنازلات الجوهرية قد حان اذا أرادت فعلاً الاحتفاظ بالسلطة والثورة والثروة معاً.

وفي اختصار أيضاً، يحتاج “حزب الله” الى قراءة منطقية جديدة تجعله شريكاً في لبنان وليس سيداً مطلقاً، وأن يقتنع بأن السلاح الذي تفرد به لم يقده الى الانتحار فحسب بل قاد معه لبنان الى الدمار، وايران الى الانكفاء والممانعة الى التشرذم، وجلّ ما حصده لا يتجاوز قراراً من المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتنياهو أينما وجد، وهو قرار لن يكون أفضل من قرار محكمة العدل الدولية التي عجزت عن اعتقال رجل عادي يدعى سليم عياش.

انطوني جعجع- لبنان الكبير

مقالات ذات صلة