الفقر ينتشر بسرعة في لبنان.. وهذا هو ترتيبه بين الدول

حروب متعددة يواجهها اللبناني على الجبهات كافة، فالحرب العدوانية من قبل العدو الإسرائيلي المستمرة منذ شهرين تقريبا على لبنان، تلقي بظلالها على الشعب اللبناني الذي يعيش في ضائقة مالية وترد اجتماعي كبير، انعكست على المستوى المعيشي منذ أواخر العام 2019 بسبب أزمة اقتصادية، صنفت ضمن أسوأ ثلاث أزمات عالمية منذ منتصف القرن التاسع عشر، دون أن نغفل عن ازمة كورونا والنزوح من بلاد الجوار، إضافة إلى كارثة انفجار مرفأ بيروت.

فمع بداية الازمة الاقتصادية في لبنان تراجع مستوى معيشة اللبناني ولم يعد الفقر محصوراً ضمن الطبقات التي تعيش على الحد الأدنى من الأجور، أو تلك التي تتقاضى راتبها بالليرة اللبنانية، بل بات الفقر يشمل جميع الطبقات الاجتماعية، فالفقير بات أكثر فقرا ومن كان يصنف ضمن الطبقة الوسطى بات فقيرا، أما الطبقة الغنية فتعيش في عالم آخر وتستحوذ على نصف ثروة لبنان.

ووفق بيانات البنك الدولي، فان 70% من المواطنين يعانون من الفقر مع نزوح أكثر من مليون شخص يعانون من تداعيات الحرب القائمة ونتائجها الكارثية على مستوى حياتهم ومعيشتهم، فبعد الانهيار في سعر صرف الليرة مقابل الدولار تراجعت قيمة الرواتب والأجور بالليرة اللبنانية التي يتقاضاها العاملون في لبنان، وهم الأكثرية، وأصبحت هذه الرواتب من بين الأدنى في العالم وباتت شبيهة برواتب موظفي أفقر الدول، وذلك بحسب “الدولية للمعلومات”، وتزداد المطالبات بإصلاح الأجور والأوضاع الوظيفية في لبنان الذي تصدر قائمة نشرتها مجلة “فوربس” لأضعف 10 عملات في العالم.

الأسواق تشهد موجة غير مسبوقة من ارتفاع الأسعار

فتدهور سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي وفقدان قدرتها الشرائية، أضعف قدرة المواطنين على تأمين مقومات حياتهم اليومية في ظل غياب للرقابة، مما أرهق الفئات الاجتماعية الأكثر فقرا، وأثر في التوازن الاجتماعي فنسبة الطبقة الوسطى تقلصت والفقراء إلى ازدياد، والجدير بالذكر أن الطبقة الوسطى تعتبرها لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (إسكوا) “فئة اجتماعية ذات دور مؤثر في ما يتحقق من نتائج على صعيد التنمية الاقتصادية والاجتماعية”، وتحول جزء كبير من هؤلاء إلى الطبقة الفقيرة التي باتت تشكل معظم السكان، بحسب البنك الدولي.

الخبير الاقتصادي الدكتور جاسم عجاقة أكد أن الطبقة الوسطى في المجتمع العصري “صحيح أن الفقراء هم الفئة الأكبر عددا في المجتمع لكن قدرتهم الشرائية منخفضة، أما الأغنياء فعددهم قليل، لذلك تؤدي الطبقة الوسطى الدور الأساسي في تحريك الاقتصاد لأنها الأكثر استهلاكا، وبمجرد القضاء على هذه الطبقة حتماً سيتم القضاء على مالية الدولة”، مشدداً على أنه بالعادة تحاول المجتمعات زيادة حجم الطبقة الوسطى، لأن اختفاءها هو مؤشر يدل على فشل السياسات الاقتصادية في أي بلد.

فيما تشهد الأسواق اللبنانية موجة غير مسبوقة من ارتفاع الأسعار أظهرت بيانات استطلاع أن تسعة من كل عشرة أشخاص تقريباً ، وجدوا أنه من الصعب تأمين الموارد المالية لتغطية نفقاتهم ، فيما ستة من كل عشرة أشخاص وجدوا أنه “من الصعب جداً” تغطية نفقاتهم بدخلهم الشهري.

مواطنون يشكون

ليلى ربة منزل لاسرة مؤلفة من أربعة اشخاص تؤكد للديار أن “الوضع اليوم بات مزريا جداً، فزوجي يتقاضى اليوم 600 دولار وهي لا تكفي لتغطية ابسط مقومات الحياة” مشيرة إلى أن عائلتها “تخلت عن الكثير من الأمور بسبب انخفاض الدخل وارتفاع الأسعار، ولا حسيب ولا رقيب”.

بينما يقول العم سعيد المتقاعد بعد 30 سنة خدمة في الجيش اللبناني، أن راتبه لا يتجاوز 220 دولارا وهو لا يكفي حتى لسد حاجته اليومية من خبز وماء ويضيف “الله يحمي ولادي يلي انحرمت منهم بسبب الغربة، لولاهم كنت متّ من الجوع وتبهدلت”.

وتعيش آلاف العائلات على التحويلات التي شكلت خط الحماية الاجتماعية الأول للشعب اللبناني منذ الانهيار المالي عام 2019 وبحسب تقديرات البنك الدولي، حجم التحويلات من الخارج وصلت إلى 6.4 مليار دولار.

شركات اغلقت ابوابها

يبدو لبنان في وضع أكثر هشاشة، حيث اضطرت مجموعة كبيرة من المؤسسات التجارية، وخاصة الشركات الصغرى والصغيرة ومتوسطة الحجم، إلى إغلاق أبوابها أو تعليق نشاطاتها بسبب الحرب الهمجية من قبل العدو الإسرائيلي، مما أدى إلى فقدان العديد من طاقات القوى العاملة وظائفهم ليزيد من نسبة البطالة المرتفعة أصلا، مما زاد في معدل هجرة آلاف الشباب المتخرج في الجامعات إضافة الى الأطباء والمهندسين والخبراء التقنيين الذين هم عماد الطبقة الوسطى والازدهار بحثاً عن حياة كريمة.

زياد وهو عامل في أحد معامل الذهب لم يخف قلقه الدائم من أن يقوم صاحب المعمل بإقفاله، مؤكداً أنه اليوم يراسل أصحاب المعامل خارج لبنان من أجل تأمين فرصة عمل للحفاظ على حياة كريمة لاسرته قبل أن تقع المصيبة ويصبح عاطلا من العمل، مستذكراً ما حدث في بداية الأزمة المالية عام 2019 حيث اقفل المعمل وبات رقم من ارقام الإحصاءات لمعدل البطالة.

وتشير تقديرات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى أن ارتفاع معدلات البطالة سيؤثر في حوالى 1.2 مليون عامل في جميع أنحاء البلاد، ومن المتوقع أن يرتفع معدل البطالة ليبلغ رقمًا قياسيا قدره 32.6% بحلول نهاية العام.

الطبقة الوسطى

مصدر اقتصادي يؤكد، ان الوضع سيئ جداً، فتدمير الطبقة الوسطى بفعل الحرب وسياسات ما بعدها على مدى 49 عاماً هو أمر خطر على المجتمع، فما جرى انفاقه على ايدي الحكومات من العام 1991 الى العام 2019 وصل الى 240 مليار دولار، ذهب 88 ملياراً منها الى جيوب الأثرياء والنافذين كفوائد للدين العام، وما أنفقته حكومة واحدة هي حكومة الدكتور حسان دياب كان 12 مليار دولار على دعم عدد من السلع ذهب 74% منها الى المحتكرين والتجار والمهربين، حسب تقرير للأمم المتحدة، ناهيك بالهدر في وزارة الطاقة الذي وصل إلى ما يعادل قيمة الدين العام 41 مليار دولار، وغيرها من الصفقات على مدار الأعوام.

وإذا أخذنا بتقارير الأمم المتحدة، فإن “نصف سكان العالم أصبحوا من الطبقة الوسطى” لكن لبنان أصبح خارج هذا التصنيف وفي آخر سلم البلدان البائسة، فماذا ينتظر الشعب اللبناني قي ظل غياب أي تحرك ينقذ البلاد، في مقدمتها انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة تعيد الانتظام في جميع الإدارات والمؤسسات العامة المعطلة، إضافة إلى تنفيذ إصلاحات تشريعية واقتصادية ومالية وتطبيق سياسات على قياس الطبقة الوسطى بحيث تستعيد الزخم والقوة الحقيقية في لبنان، ذلك أن نهضة لبنان قامت على سواعد الطبقة الوسطى وعقولها وقمة المؤامرة هي تحويل بلد الطبقة الوسطى الى بلد فقراء.

وتجدر الإشارة إلى أن الطبقة الوسطى هي الفئة التي تكسب رزقها من العمل ولا ترث ثروات طائلة، كانت تعرف باسم “البرجوازية” في أوروبا خلال أوائل القرن التاسع عشر، وهي تأتي بين طبقة الأرستقراطيين أي الأغنياء، وطبقة الفلاحين أي الفقراء.

ربى أبو فاضل- الديار

 

مقالات ذات صلة