في لبنان.. مدارس خاصة غير آمنة

لم يكن سهلاً على المدارس الخاصة الواقعة على خط النار أن تبدأ عامها الدراسي، فالتعليم لم يكن مع بداية الحرب أولوية لدى تلامذتها وأساتذتها، وبعض الإدارات آثرت التريث إلى حين انتهاء الحرب. إلا أن إصرار وزير التربية عباس الحلبي على موعد رسمي للانطلاقة ترك شعوراً لدى الأهالي بأن أبناءهم سيبقون بلا تعليم، وحشر المديرين الذين وجدوا أنفسهم مضطرّين إلى البدء بالتعليم، بغضّ النظر عن الجاهزية الأكاديمية واللوجستية والنفسية. وراح هؤلاء يبحثون عن خيارات تناسب أوضاع تلامذة كل مدرسة وأساتذتها، وخصوصاً أن هؤلاء نازحون بغالبيتهم ويعانون من مشاكل التنقل الدائم وعدم توافر البيئة الملائمة للتعلم وغياب التجهيزات المطلوبة، فضلاً عن الآثار النفسية للحرب على الأساتذة والتلامذة وأهاليهم.

وتختلف ظروف المدارس الإفرادية عن المدارس التابعة لمرجعيات دينية أو سياسية لجهة توافر الإمكانات اللوجستية لمساعدة التلامذة والمعلمين. فمدرسة السراج في بلدة صدّيقين الجنوبية، مثلاً، والتي تضم 1200 تلميذ كانت من بين المدارس التي قررت عدم بدء العام الدراسي حتى تضع الحرب أوزارها، ورفضت فكرة التعليم «أونلاين» بناءً على استفتاء الأهالي الذين قال 80% منهم إنهم غير مستعدين لأيّ نوع من التعليم، لوجودهم في مراكز إيواء. إلا أن المدرسة عادت، بحسب مديرتها سمر عماشة، إلى التعليم في 11 الجاري، لأن «لا شيء في الأفق يشير إلى مصير الحرب، والأهالي أنفسهم باتوا يطالبون بالعودة». مع ذلك، اعتمدت الإدارة التعليم غير المتزامن (أوفلاين) لمعظم السنوات الدراسية لثلاثة أيام فقط في الأسبوع، وبدأت قبل أيام التعليم «أونلاين» لصفوف الشهادات بمشاركة 70 في المئة من التلامذة.

وضع مدرسة البرج الدولية في الضاحية الجنوبية لبيروت أفضل حالاً، لكون الطلاب بغالبيتهم موجودين في منازل ولدى الأقارب، وكان التحوّل إلى التعليم «أونلاين»، بحسب مديرها مفيد الخليل، متاحاً. إذ إن نسبة التجاوب تخطت 80% لكون التجهيزات متوفرة لدى التلامذة منذ كورونا، «وقد بدأنا مع المواد الأساسية أي مواد اللغات والعلوم والرياضيات لمدة أربع ساعات في اليوم، على أن يرتفع عدد الحصص التعليمية بدءاً من هذا الأسبوع مع إدخال مواد أخرى مثل التربية والتاريخ والجغرافيا. ويشير الخليل إلى أن أضراراً كبيرة لحقت بمبنى المدرسة بسبب الغارات الإسرائيلية، وكان هناك توجّه لاستئجار مبنى آخر في بيروت واعتماد التعليم الحضوري، إلا أن إحصاء التلامذة أظهر أن 70% منهم موجودون في منطقة الجبل وليس في بيروت، «لذا اعتمدنا التعليم أونلاين وأوفلاين في الوقت نفسه».

للمدارس الإنجيلية فرعان في النبطية وصور، وبحسب الأمين العام للمدارس نبيل القسطا، سعت الأمانة العامة بصورة أساسية إلى استيعاب التلامذة النازحين من هذين الفرعين حضورياً في فروعها، بحسب أماكن نزوحهم، ومن دون إخضاعهم لأي امتحانات دخول أو فرض شروط قاسية عليهم، مع إتاحة خيار التعليم «أونلاين» في الوقت نفسه لكل المراحل التعليمية، لافتاً إلى «أن 75 في المئة من تلامذتنا يدرسون حضورياً و25 في المئة أونلاين، وقد وفرنا لهم كل المقوّمات من منصة تعليمية وتدريب للأساتذة، مع تأمين تابليت لبعض المعلمين الذين غادروا منازلهم بلا أجهزة».

تختلف ظروف المدارس الإفرادية عن المدارس التابعة لمرجعيات دينية أو سياسية لجهة توافر الإمكانات اللوجستية

جمعية المبرات اعتمدت ثلاثة مسارات للتعليم: الحضوري في مدرستين في جبيل ودوحة الحص، و«أوفلاين»، والتعليم «أونلاين» الذي تبلور في الأسبوعين الأخيرين، بحسب منسق مديرية التربية والتعليم فايز جلول، لافتاً إلى أن نسبة حضور التلامذة بشكل متزامن على المنصة فاق التوقعات، وإن كان يختلف بين فئة عمرية وأخرى ومدرسة وأخرى، مشيراً إلى أن نسبة التجاوب في بيروت تفوق 75%. ولفت إلى أن لمدارس الجمعية «لامركزية وكل مدرسة تدرس واقعها، وقد بدأنا بمسار تصاعدي مع مواد العلوم واللغات والرياضيات ثم أدخلنا مواد الاجتماعيات تدريجياً». وأشار إلى أن «هناك نسبة ضئيلة من التلامذة منقطعون عن التعليم نهائياً بعدما نزحوا إلى سوريا، وقد تابعنا وضعهم وتعهدنا بالتعويض عليهم بعد الحرب».

جلول تمنى «لو أن وزارة التربية التفتت الى تلامذة القطاع الخاص المتضررين من الحرب ووفرت لهم بطاقة إنترنت مجاني، على غرار أقرانهم في التعليم الرسمي، علماً أن إدارات المدارس أمنت الإنترنت وبعض التجهيزات لمعلميها، لكن كانت هناك صعوبة أن تؤمنها لـ 26 ألف تلميذ مثلاً في شبكة مدرسية واحدة».

في مدارس المهدي، سارت العودة إلى التعليم بوتيرة هادئة «من دون توترات إضافية»، وبشكل تصاعدي وفقاً لأولويات أهالي التلامذة، وبدأت بمرحلة أولى سمّيت بالإشغال التربوي وتتضمن بعض المراجعات والأنشطة من خلال تعليم «غير متزامن» لمدة 5 أسابيع، بمعدل 5 حصص تغطي أقل من ثلث البرنامج. وقد صممت الموارد التعليمية في مقررات مركزية على المنصة لكل الصفوف من مختلف المدارس لتخفيف العبء عن المعلمين وتوحيد الجهود. وحرصت في هذه المرحلة على أن تترك خيار المتابعة للأهل من دون أي ضغوط، وهو ما أتى ثماره من خلال الانخراط التدريجي للأهل حيث وصلت نسبة مشاهدة الموارد وحلّ التقويمات الذاتية إلى 80% بين مختلف الحلقات.

ومع نهاية الشهر الجاري، باشرت المدارس بالمرحلة الثانية من «التعليم المخفف» بالصفوف الوجاهية «أونلاين»، تدريجياً مع صفوف الشهادات الرسمية، ثم المرحلة الثانوية بما لا يزيد على 5 ساعات، على أن يخصّص التعليم «أونلاين» لشرح الموارد التي ترسل إلى التلامذة «أوفلاين»، أي أنها صفوف دعم واجابة عن أسئلة التلامذة وليست صفوفاً جديدة. وأشار نائب رئيس المؤسسة الإسلامية للتربية والتعليم فضل الموسوي إلى أن الجمعية «تأخذ في الاعتبار ظروف الأهالي كأولوية وستنظّم برامجها على هذا الأساس، بحيث لا تكون هناك صفوف متقاطعة بين السنوات الدراسية كي يتسنى لأولياء الأمور متابعة دروس أبنائهم، فلا يضطرّ الإخوة إلى اسنخدام أكثر من جهاز في الوقت نفسه». ولفت الموسوي إلى أن الجمعية ضمّنت برامجها أنشطة دعم نفسي، مشيراً إلى «أننا نراهن على أننا لم نصل بعد إلى المنطقة الحمراء ولم يدهمنا الوقت لإنجاز الخطط التعليميّة، إذ لا تزال إمكانية تعويض التلامذة متاحة فيما لو عدنا في وقت قريب، أو فيما لو أردنا تكثيف البرامج، ونسب التجاوب من الأهالي فاقت توقعاتنا رغم ظروفهم الصعبة وأوجاعهم».

في خطة مؤسسات أمل التربوية، الانتقال التدريجي من الـ«أوفلاين» الذي يتضمن محتويات تعليمية إلى الـ«أونلاين» الذي انطلق بالتوازي الأسبوع الماضي، مع صفوف الشهادات الرسمية، ولكن وفق برنامج دراسي مخفف. وقال المدير التربوي محمود عيسى إن ما ساعد المدارس هو أن تلامذتها موجودون في منازل مستقلة وليس في مراكز إيواء، وقد «ساهمنا في توفير بدل الإنترنت وقدّمنا بعض اللابتوبات. ويتباين تجاوب التلامذة بين بيروت والأطراف، إذ تراوح نسبة المشاركة بين 65% و85%»، مشيراً إلى أن الحصص التعليمية اليومية لا تتجاوز 4 ساعات.

فاتن الحاج- الأخبار

مقالات ذات صلة