«كذبة كبيرة» يسقط القناع عن أوهام «السوشيال ميديا»

الذين اخترعوا الـ«سوشيال ميديا استطاعوا إقناعكم بأنكم تحققون منجزات كبيرة هي في الواقع وهمية. فهم يدفعونكم إلى التلهي بأفكار غريبة فتجذبكم، ولا تنفكون تتحدثون عنها. لكنكم فعلياً تصرفون وقتكم بالأوهام، وكل ما أنجزتموه هو كلام في كلام».

بهذه الكلمات يختتم فيلم «كذبة كبيرة» أحداث قصته المستوحاة من الواقع. فيروي حكايات حقيقية عن حالات الإدمان على استخدام جهاز الـ«موبايل». وكيف أن الناس تركت كل شيء في حياتها ولحقت به. فصار بدل أن يشم الشخص عطر الوردة يكتفي بتصويرها. والأمر نفسه بالنسبة لغروب الشمس أو شروقها وغيرها من الأمور اليومية. فبدل أن يتمتع بها على أرض الواقع يحولها إلى صورة بهدف الفوز بأكبر عدد من الـ«لايكات».

مخرج الفيلم نديم مهنا صنع من هوس السوشيال ميديا حبكة سينمائية شيقة. وكي يوصل رسالته بشكل واضح وصريح استنبط أحداثه من الواقع. واستعان بفريق من الممثلين الذين استطاعوا ترجمة فكرته بإتقان. فجسدت هبة نور دور الصحافية التي تساهم في الكشف عمن يديرون أسواقاً وهمية بهذا العالم. أما ساندي فرح فاستطاعت أن توصل الفكرة للمشاهد من خلال أداء عفوي وطبيعي. وقدمت نموذجاً حياً عن الأهل الذين يورثون أولادهم هوسهم هذا. أما فؤاد يمين كاتب قصة الفيلم وبطله فجاء اختياره لشخصية «فوكسي» التي يجسدها بمكانها. إذ لبسها من رأسها حتى أخمص قدميها باحتراف. وعرف كيف يصور قذارة مهمته كبائع أوهام بالشكل وبالمضمون. فمهمته تقضي بتأمين «فولويرز» و«لايكات» وهمية لزبائنه، فيستطيعون إحراز النصر وراء الآخر على زملائهم، فيعيشون الكذبة ويستمتعون بها.

أدخل مهنا عناصر مختلفة على الفيلم ترتبط ارتباطاً مباشراً بعالم الـ«سوشيال ميديا». وحاول بذلك ألا ينسى أي تفصيل صغير يسهم في التعريف بانعكاسات الإدمان السلبية.

يعالج الفيلم الذي بدأت عروضه في الصالات اللبنانية مواضيع التنمّر. والفرق بين الشهرة الحقيقية والشهرة المزيفة. وينقل غوص البشر في العالم الافتراضي وانفصالهم عن الحقيقة، بطريقة تراجي-كوميديّة مليئة بالأحداث الشيّقة والآسرة.

حالة الأم الهستيرية الغارقة في هذا العالم لبستها ساندي فرح إلى حد يدفعك إلى تصديقها. وعندما يوصلها هوسها إلى المستشفى محاولة التخلص من جهازها المحمول الملتصق بيدها كما يخيل لها. تنفض بيدك لاشعورياً محاولاً مساعدتها لشدة إتقانها الدور. وهبة نور قدمت دور الصحافية الجريئة التي ورغم معاناتها أماً لطفلة مشلولة فإنها لم تستسلم، فهجمت حيث لا يجرؤ الآخرون. وجاءت مشاركة «جوكر» الأفلام اللبنانية فؤاد يمين لتؤكد مرة أخرى أنه صاحب موهبة تمثيلية لا تضاهى. وبقي على وتيرة الأداء نفسها منذ بداية الفيلم حتى نهايته.

ويكتمل المشهد مع باقي الممثلين المشاركين في «كذبة كبيرة» كمجدي مشموشي، ولورا خباز، وأسعد رشدان، وشربل زيادة، وألكو داود وغيرهم. وكذلك يطل المغني نجم «آراب أيدول» يعقوب شاهين، لأول مرة ممثلاً، فيؤدي دور المنغمس في الـ«سوشيال ميديا» إلى حد ملاقاة حتفه بسببها.

أحداث سريعة تقطع الأنفاس تارة وتصيبك بالانزعاج مرة أخرى لملامستها واقعاً مريراً، فتشدك لمتابعة الفيلم من دون ملل وتغرف منه كميات من الحقيقة المرة.

ولم يغب عن بال مهنا تعريف المشاهد بأسرار خطيرة حول هذا العالم. وكيف تمارس القرصنة على حساب هذا المشترك أو ذاك. وكذلك كيف تتم عملية اختراق حساب شخص معين والدخول إلى حياته الشخصية بتفاصيلها من دون علمه.

الانتقاد يطال كل من يعيشون في هذا العالم، من «فاشينيستا» و«بلوغرز» و«انفلوينسر». ويتوقف عند الـ«إنستغرام» بشكل أوسع. فهو يشكل واحداً من التطبيقات الإلكترونية الأكثر رواجاً. ويدفعك المخرج مهنا وبأسلوب تصاعدي اتبعه، للشعور بالقرف من حالات الإدمان هذه. وتأتي النهاية لتتوج ثمرة هذا الـ«الشو» عندما يدمر فؤاد يمين (فوكسي) الأجهزة الإلكترونية المرتبطة بعالم التواصل الاجتماعي واضعاً نهاية لهذه الحالات من الإدمان. ويرفقها بترداد عبارات يحذر فيها العالقين بهذه الآفة من عواقب لا تحمد عقباها، ويركز على الدور الخطير الذي يسهم فيه كل من يتابع نجوم السوشيال ميديا. ويعتبرهم المسؤولين عن تكبير وتوسيع الوهم والهوس عند هؤلاء.

واللافت وأنت تغادر صالة السينما بعد انتهاء الفيلم سماعك التعليقات حوله. إحداهن تخبر صديقتها بأنها تعرف شخصاً توفي بحادث سيارة بسبب انشغاله بالـ«موبايل». فيما آخر كان يروي كيف أن إحدى المدارس اضطرت إلى إقفال أبوابها بسبب مشكلات صادفتها مع التلامذة وأولياء أمورهم تتعلق بالجهاز المحمول. فتدرك أن مهنا وضع الإصبع على جرح بالغ كثيرون يعانون من آثاره ولا يجدون الدواء الشافي.

إنه عالم السوشيال ميديا وهو سيف ذو حدين. فيمكن أن يستعمل بذكاء ويرتقي بك، كما يمكنه أن يتحول إلى إدمان، ويضعك في الحضيض.

فيفيان حداد- الشرق الاوسط

مقالات ذات صلة