هل يكشف “الحاكم” أوراقه ويهدم الهيكل فوق رؤوس الجميع: “”عليّ وعلى أعدائي ؟
حتى وقت قريب جدّاً كان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة فوق الشّبهات والإتهامات وتحميله مسؤوليات إنهيار العملة الوطنية والإنهيار الإقتصادي الشّامل الذي أغرق البلد في أزمات لا عدّ لها ولا حصر، فالرّجل الذي جاء به الرئيس الراحل رفيق الحريري وعيّنه حاكماً لمصرف لبنان في الأول من آب عام 1993، أمضى قرابة 30 عاماً في منصبه، متربّعاً عليه من غير أن يرميه أحد ولو بـ”وردة” إتّهام مهما كانت.
طيلة العقود الثلاثة الماضية كان سلامة حاكماً بأمره وليس حاكماً لمصرف لبنان فقط، إلى حدّ أنّ الجوائز العالمية التي كان ينالها سنوياً إنْ لكفاءته من ناحية، وكونه الأصغر سنّاً بين نظرائه حكّام المصارف المركزية في المنطقة والعالم من ناحية أخرى، تشير بوضوح إلى أنّ الرجل يحظى بدعم داخلي وخارجي منقطع النظير، لم يسبقه إليه أيّ حاكم للمصرف المركزي في لبنان من قبل.
خلال هذه الفترة الطويلة من تربّع سلامة على سدّة حاكمية المصرف المركزي، كانت الإنتقادات والتهم التي توجّه إليه لا تلقى أيّ اهتمام، خصوصاً من الطبقة السياسية التي أحكمت قبضتها على البلد بالتضامن والتكافل معه طيلة السّنوات الـ30 السّابقة، إلى حدّ أن “اختراع” مسألة “الهندسة المالية” التي ابتكرها سلامة قبل سنوات، تحت حجّة أنّها ضمانة لاستقرار لبنان المالي، وتطورّه، لم تكن في الحقيقة سوى “ترتيب” منه لمساعدة أقطاب الطبقة السّياسية والمالية على الخروج من مشاكلهم التي كانوا يعانون منها، وهي لم تكن في الأساس سوى مقدمة للإنهيار المالي الذي بدأت ملامحه بالظّهور بالتزامن مع الحَراك الشّعبي الذي اندلع في 17 تشرين الأوّل عام 2019.
في السّنوات التي تلت إندلاع شرارة الحَراك بدأت فضائح الحاكم والطبقة السّياسية والمالية بالظهور تباعاً، خصوصاً بعدما بدأ المركب اللبناني يغرق، وبات الهمّ الأكبر لمن يقودونه، سياسياً ومالياً، القفز منه قبل غرقه، فكانت عمليات تهريب الودائع إلى الخارج هي الفضيحة المدوية، ذلك أنّه في مقابل تهريب ودائع كبار المودعين، كان المودعون الصغار يعجزون عن الحصول على جنى عمرهم الذي احتجزته المصارف لتأمين لقمة عيشهم، أو تعليم أبنائهم، أو الدخول إلى مستشفى.
شيئاً فشيئاً بدا أنّ الطبقة السّياسية والمالية التي استفادت من خدمات سلامة، وخدمته هي بالمقابل، تتخلى عنه بعدما طلب رأسه كثيرون، وصولاً إلى رفع دعاوى قضائية ضدّه في فرنسا، وبعدها في المانيا، تتهمه بالفساد وتهريب وتبييض الأموال، وأصدر الأنتربول الدولي مذكرة بتوقيفه، ما عنى أنّ أيّام الحاكم إنتهت عملياً، برغم أن فترة ولايته تنتهي أواخر شهر تمّوز المقبل.
الأيّام القليلة المقبلة التي سيمضيها سلامة على رأس حاكمية المصرف تبدو قياساً بالأسئلة الكثيرة المطروحة حولها توازي الـ30 عاماً السّابقة. من هذه الأسئلة: ماذا سيفعل سلامة للدّفاع عن نفسه، هل يكشف أوراقه ويهدم الهيكل فوق رؤوس الجميع على قاعدة عليّ وعلى أعدائي يا ربّ، أم هل يخرج بهدوء بعد أن يلقى ضمانات بعدم التعرّض له ولفلفة الدعاوى ضده، أم يقوم الذين خدمهم طيلة العقود الثلاثة الماضية، سياسياً ومالياً، بالهجوم عليه والضغط عليه وصولاً إلى التخلّص منه بطريقة ما، كي يبقي إرتكاباتهم ومعاصيهم بحق البلد ومؤسساته ومستقبله واقتصاده وشعبه طيّ الكتمان، بعدما بات مصيره ومصيرهم واحد ومشترك؟..
عبد الكافي الصمد