«متحف سرسق» يعود بعد 3 سنوات من الغياب!

بعد ثلاث سنوات من الإغلاق القسري، يعود «متحف سرسق» يوم الجمعة المقبل 26 مايو (أيار)، إلى محبيه، بلوحاته ومجموعاته الفنية، ومعماره الساحر وزجاجه الملون الذي يضفي عليه سحراً خاصاً، وحدائقه الغنّاء. وسيتمكن الزوار الذين تفتح أمامهم الأبواب عند السابعة والنصف مساء، من اكتشاف 5 معارض إضافة إلى جزء من مقتنيات المتحف التي ألفوها.

القصر البديع بمبناه، الذي يعود إلى عام 1912، وبدأ العمل فيه متحفاً عام 1961 خرج كلياً من الخدمة بعد إصابته البالغة في انفجار بيروت يوم 4 أغسطس (آب) 2020، حيث لا يبعد عن موقع المرفأ سوى 800 متر، مما دمر 70 في المائة من المتحف. وهي ليست المرة الأولى التي يغلق فيها المكان. فقد أوصى صاحب قصر سرسق الرجل المحب للفن نقولا سرسق، قبل وفاته، بأن يُوهب لبلدية بيروت، وأن يقام فيه متحف يشرف عليه رئيس البلدية، وتديره نخبة بيروتية. لكن القصر تحول إلى مضافة للملوك والرؤساء، قبل أن يُحوّل بالفعل إلى متحف، بعرض القطع التي كانت موجودة فيه.

ومنذ عام 1961 وقصر سرسق متحف، ومركز ثقافي وموقع لاستقبال المعارض، لكنه أغلق أكثر من مرة، بسبب الأوضاع المضطربة التي يمر بها لبنان، أو بهدف تحسينه. فقد علّق عمله عام 2008 لتجديده وتوسعته، حيث ازدادت مساحته أكثر من 5 مرات، وأضيفت إليه طوابق سفلية مع الحفاظ على مهابته وطرازه القوطي المطعم بالعثماني، كما أُضيفت عدة قاعات ومطعم. أما الإقفال القسري الأخير فكان بسبب انفجار مرفأ بيروت.

وبفضل مليوني دولار أمنها شركاء المتحف ومحبوه، في أحلك الظروف، أمكن تحقيق هذا الإنقاذ السريع واستبدال جميع النوافذ الملونة الشهيرة التي تحطمت، وأصلحت الأبواب المشلّعة والمصاعد المعطّلة، كما ركّب نظام كهروميكانيكي جديد، ورُمم الصالون الشرقي الذي يثير إعجاب كل من يدخله. وأدخل نظام الطاقة الشمسية إلى المبنى للمرة الأولى، حيث سيوفر ربع احتياجات المبنى. وتمكن المتحف من استعادة 50 عملاً من مجموع أعماله التي تعرضت جميعها للتلف، بينها لوحتان لبول غيراغوسيان وأخرى هي بورتريه لصاحب القصر نقولا سرسق، رُمّمت في مركز «جورج بومبيدو» في باريس، وستعرض خلال الافتتاح. أما المعارض الخمسة التي سيتمكن الجمهور من رؤيتها والتمتع بها بدءاً من يوم الافتتاح، فهي: «أنا جاهل»، وهو يلقي الضوء على أهمية صالون الخريف الذي كان له دور رئيسي في إطلاق العديد من الأسماء الفنية والمواهب، والقيمان عليه ناتاشا كسبريان وزياد قبلاوي. والمعرض الثاني الذي سيشاهده الزوار بمناسبة العودة «موجات الزمن»، وهو من تقييم مديرة المتحف كارينا الحلو، وهو عبارة عن إعادة تأريخ للمراحل التي مرّ بها المتحف ولمعارضه والأحداث الموازية للإنتاج الفني في لبنان. والمعرض الثالث هو «طريق الأرض» الذي يضم أعمالاً لمروة أرسانيوس، وأحمد غصين وسابين سابا… والقيّمة عليه هي ماري – نور حشيمه. المعرض الرابع يحمل اسم «إيجيكتا» لزاد ملتقى، وهو من دعم «غاليري تانيت»، فيما الخامس هو «رؤى بيروت» ويتكون من فيديو رقمي، من دعم يونيسكو – لي بيروت.

وتتحدث كارينا الحلو مديرة المتحف لـ«الشرق الأوسط» عن خطتها لجعل المتحف موقعاً لتفعيل الحياة الثقافية والفنية في لبنان. وهي الآتية من فرنسا، متسلّمة منصبها منذ 6 أشهر، تُعدّ «متحف سرسق» ليس مجرد مكان للعرض، وإنما هو بالنسبة لها «جوهرة» بفضل مجموعاته القيمة، ومبناه العريق، وموقعه الأثير، وتاريخه المهم. تصفه بأنه عبارة عن «منصة حوارية تفاعلية» وهو ما بدأ بالفعل، بعد أن افتتحت الحديقة الخاصة بالمتحف منذ مدة، وانطلقت فيها النشاطات وعروض الأفلام، والمحاضرات. نشطة كارينا الحلو مندفعة: «اتصلنا بالجامعات والمدارس، ونحضّر لورشات عمل وتدريب لطلاب في فنون السياحة».

دبت الحياة في المتحف، تقول الحلو، عندما أعيد ترميمه. «لكن النبض الحقيقي عاد برجعة اللوحات إلى أماكنها، وتسري الدماء في المكان مع دخول الزوار إلى متحفهم. علينا ألا ننسى أن متحف سرسق، هو أحد أقدم متاحف المنطقة للفن الحديث والمعاصر. عندما بدأ العمل به كان رائداً في التأريخ لمجاله. وأعتقد أن له دوراً تربوياً لا بدّ أن يلعبه في التعريف بالفن وبأسمائه الرئيسية ونجومه، وبالدور الذي لعبه الفن في حياة الناس».

متحف سرسق يمتد على مساحة 8 آلاف متر مربع، يمتلك نحو 5 آلاف قطعة، بينها 1600 لوحة تشكيلية، ولديه مجموعة لـ150 فناناً لبنانياً لأكبر وأهم الفنانين بينهم جورج وداوود قرم، وشفيق عبود، وسلوى روضة شقير والرسام سعيد عقل، وعارف الريس، وعمر أنسي، كما بول غيراغوسيان وغيرهم. وبالتالي فهو قبلة من يريدون التعرف إلى الفن اللبناني الحديث في غياب متحف آخر متخصص في هذه الحقبة الفنية، مع وفرة الأعمال اللبنانية التي تعود إلى القرنين التاسع عشر والعشرين بشكل خاص.

الجهات الرئيسية التي دعمت إعادة الترميم هي ثلاث عملياً، التحالف الدولي لحماية التراث في مناطق النزاع «ألف» قدمت نصف مليون دولار، ووزارة الثقافة الفرنسية تقدمت بنصف آخر، واليونيسكو من ساعدت بمنحة سخية قدمتها الوكالة الإيطالية للتعاون التنموي وصلت إلى مليون دولار. غير أنه لا يمكن إغفال دور المساعدات العديدة الأخرى، التي جاءت مساندة وتنمّ عن حب كبير للفن وتعاطف مع المأساة التي يمر بها لبنان. من هؤلاء شركات وأفراد ومؤسسات. وجمعت الشيخة مي بنت محمد آل خليفة، مثلاً، وكانت حينها رئيسة هيئة البحرين للثقافة والآثار، أكثر من 98 ألف دولار أميركي، لصالح المتحف، نيابة عن المركز الإقليمي العربي للتراث العالمي. تحت رعاية اليونيسكو.

مسألة تمويل المتحف، لم تنته، والعمل جارٍ على سدّ الحاجات التشغيلية، في غياب أي قدرة للدولة على دعم مؤسساتها الثقافية، بعد أن أعيد تشكيل هيئة العمل، وهو أمر يسير على قدم وساق.


الشرق الاوسط

مقالات ذات صلة