“انفتاح” باسيل على العرب لا يُعوّض ما أفسده: التاريخ لا يرحم!
خطف موقف رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل الأنظار في الأيام الماضية وتحديداً في الشق المرتبط بالعالم العربي، اذ أكد ضرورة الانفتاح عليه “ومراجعة الأخطاء التي وقعنا بها حيال العرب عموماً كذلك”. واذا أردنا القيام بجردة حساب لباسيل خلال عهد عمه الرئيس السابق ميشال عون ولا سيما حين ترأس وزارة الخارجية والمغتربين فان ديبلوماسيته الفاشلة ومواقفه السلبية كانت هي الطاغية، وبالتالي بات من الضروري إعادة التذكير بملفه الأسود السابق مع العرب، من خلال شريط بسيط لأبرز مواقفه.
كان الوزير باسيل تلميذاً مجتهداً من حصة “حزب الله” يطبق مبادئه وأوامره أفضل تطبيق، يحارب الجميع وينأى بالنفس لخدمة مصالح محوره الممانع، فمن ينسى عندما إمتنع كوزير للخارجية عن التصويت على بيان الجامعة العربية الذي أدان يومها الأعمال العدائية والاستفزازية الايرانية تجاه البلدان العربية، وبالتالي إمتناعه عن التصويت لم يكن سوى شكل من أشكال الخروج عن الاجماع العربي؟
لم يستطع باسيل إدانة الهجوم الحوثي على منشآت “آرامكو” في جدة الى جانب بعض المنشآت الحيوية الأخرى في السعودية، معتبراً أنه ملتزم بمبدأ النأي بالنفس وهو نفسه من وصف اغتيال قائد “فيلق القدس” قاسم سليماني بأنه بمثابة انتهاك لسيادة العراق وهاجم الولايات المتحدة. ومن ينسى الانزعاج السعودي والمصري من موقف “النأي بالنفس” الذي استخدمه باسيل تجاه “عاصفة الحزم”، وفي الوقت نفسه لم يُدن الاغتيالات التي حصلت في لبنان من جهة ولا الخلايا الارهابية التابعة لـ “حزب الله” في الامارات والكويت والبحرين وأبرزها “خلية العبدلي” من جهة أخرى، بحيث كان مدافعاً شرساً عن الحزب وتغافل عن الفيديوهات الانتحارية والتهديدات التي كان ينشرها عناصره؟
وملف باسيل حافل بانعدام الديبلوماسية تجاه الدول العربية، اذ أمّن مع عمه الغطاء لدور حليفه العسكري والأمني خارج حدود لبنان، معتبراً أنه لولا الحزب لكانت “داعش” في جونيه. واعتبرا يومها أن الحزب يشكل الحماية المطلوبة للمسيحيين، وكررها عمه عدّة مرات أن سلاح الحزب حاجة داخلية أساسية وقطعا بذلك جسر التواصل بين لبنان والخليج.
ولم يكن واضحاً أن عهد جهنم كان يريد مراجعة حساباته وتصحيح أخطائه التي ارتكبها بحق الأشقاء الخليجيين والعرب، وهذا ما ظهر في جملة المواقف الرعناء التي صدرت عن وزير الخارجية والمغتربين السابق شربل وهبه المحسوب عليه، والذي يُفترض به أن يراعي مصالح لبنان وشعبه قبل غيره، كونه رأساً للديبلوماسية اللبنانية لكنه تنطح ليصف السعوديين بـ “البدو”، قائلاً: “أنا بلبنان ويهينني واحد من أهل البدو”.
وكان لبنان في ذاك الوقت بأمس الحاجة الى دعم عربي ودولي لانقاذه من إنهياره، لكن كلام الوزير العوني صب الزيت على النار وتسبب بأزمة ديبلوماسية جديدة بين لبنان والسعودية ودول الخليج. ثم جاء وزير الاعلام السابق جورج قرداحي ليزيد الطين بلّة بتصريحه أنه مع الحوثيين المدعومين من ايران الذين يدافعون عن أنفسهم في وجه اعتداء خارجي من السعودية والامارات، ولاقى هجوماً كبيراً وتقصّد لفترة طويلة ألا يعتذر ويقدم إستقالته ما رفع من وتيرة التشجنات بين المملكة ولبنان وساهم في عزله عن محيطه العربي وتدهورت العلاقات أكثر فأكثر.
ومع استمرار تهريب وضبط كميات كبيرة من المخدرات والكبتاغون من لبنان الى السعودية، حظرت الأخيرة استيراد المنتجات الزراعية اللبنانية وكسدت معظم مواسمنا، ولم تتوقف هنا مهزلة وزراء الخارجية المسؤولون عن حماية الديبلوماسية، اذ كشفت يومها تسريبات صوتية لوزير الخارجية عبد الله بو حبيب أضافت المزيد من الوقود الى النيران المشتعلة، محمّلاً ضمناً السعودية المسؤولية عن حركة تهريب المخدرات المتزايدة، بقوله: “لو لم يكن هناك سوق مخدرات في المملكة لما كان فيه تهريب”. كما قلل من حجم المساعدات السعودية وتأثيرها على لبنان، مشيراً الى أنها أعطيت في الانتخابات ولم تعلم الدولة عنها شيئاً، وبالتالي الدعم الأكبر للبنان متمثل بالقروض والهبات التي جاءت من الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي، متناسياً كل ما قدمه العرب الى لبنان منذ القدم حتى يومنا هذا.
ومن ينسى أسلوب باسيل الطائفي والعنصري المقيت وتصاريحه المثيرة للجدل والعنصرية التي لا تزال حتى اليوم تشغل الرأي العام وتسبب المزيد من المشكلات، ومنها تغريدته عندما كان وزيراً للخارجية بأن “من الطبيعي أن ندافع عن اليد العاملة اللبنانية بوجه أي يد عاملة أخرى أكانت سورية، فلسطينية، فرنسية، سعودية أو أميركية لأن اللبناني قبل الكل”، ما أزعج السعودية، وذكره الكثيرون بأن هناك 300 ألف مواطن لبناني تركوا وطنهم طمعاً بالعيش داخل السعودية ولم تبخل عليهم بأية فرصة، وإحتضنت العديد من الأيادي العاملة اللبنانية ووفرت لهم أرضاً خصبة للعمل عوضاً عن المشاريع السعودية التي أقامتها في لبنان.
وتناسى رئيس “التيار الوطني الحر” صورته وهو يحمل قذيفة مستعملة مع مسؤولين في “حزب الله” كهدية من العيار الثقيل كتب عليها “تحية تقدير ومحبة لمعالي الوزير المقاوم جبران باسيل”. كل ذلك فعله عندما كان وزيراً للخارجية وبدلاً من أن يتميز أسلوبه بالرصانة والعقلانية وعدم استفزاز الجهات الداعمة للبنان أراد التمحور داخل الممانعة علها توصله الى سدّة الرئاسة ولو بعد حين.
ونتيجة فساده المستشري في الوزارات عوقب بـ “قانون ماغنتسكي” العالمي للمساءلة وفرضت عليه عقوبات أميركية للمرة الأولى في لبنان. فوصمة العار لا يمكن ازالتها عن ملف باسيل خصوصاً وأنه كان جزءاً من المشروع المعادي للدول العربية، لكنه اليوم يُقدم نفسه على أنه الوجه المقبول لاعادة هذه العلاقات، الا أن الوثائق والأدلة المثبتة لا تبرئ والتاريخ لا يرحم.
لبنان الكبير