الجريمة في أعلى نسبها… والسبب تخزين الأموال في المنازل واقتصاد “الكاش”!
الأزمة الاقتصادية والمالية أصبحت في نصف عامها الخامس، وبعيداً عن تبعاتها من كل الجوانب، هناك جانب خطير، بات يتهدد أمن المواطن، وهو تخزين الأموال في المنازل. فبعد انهيار القطاع المصرفي، وانعدام الثقة به، لجأ العديد من المواطنين إلى سبل جديدة لتخبئة أموالهم، فالبعض يضعها في “القرض الحسن” الذي يحظى بحماية من عناصر “حزب الله” نفسه، ولا خطر من خسارة الأموال فيه، لأنه لا يتعامل مثل المصارف العادية بل إن كل اقتراض يكون مقابله ضمانة إما بالذهب أو “الكاش”. أما البعض الآخر فاشترى خزنات ووضعها في منزله ليخبئ فيها أمواله، ومن لم يشترِ خزنة، إما وضع أمواله في مكان ما من المنزل، أو اشترى ذهباً وخزنه أيضاً فيه، كي يخفف من كمية الأوراق النقدية. وتقدر كميات الأموال المخزنة في المنازل لدى اللبنانيين بأكثر من 4 مليارات دولار وفق ما أعلن سابقاً حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، بينما تقول أوساط اقتصادية ان المبلغ يتخطى الـ 10 مليارات دولار.
هذا الأمر أصبح يشكل خطورة على المواطنين، تحديداً في ظل معاناة الكثيرين، الذين بالكاد يحصّلون قوت يومهم، ما دفع العديد منهم إلى امتهان الجريمة والسرقة، عدا عن وجود أكثر من مليون ونصف المليون لاجئ، عدد كبير منهم، في حالة عوز أيضاً.
مصدر أمني أكد لموقع “لبنان الكبير” أن الجريمة في أعلى نسبها، تحديداً عمليات السرقة والتشليح، ولا يستبعد أن يكون اقتصاد “الكاش” سبباً لهذا الأمر، فالمواطنون يحملون معهم أموالاً طائلة، ويتوجهون الى شراء بعض المواد أو الأغراض الباهظة الثمن، كالذهب والسيارات والأدوات الكهربائة وغيرها.
خبير المخاطر المصرفية محمد فحيلي رأى في حديث لموقع “لبنان الكبير” أن “السرقات ليست نتيجة توافر المال لدى المواطنين، بل هي نتيجة وضع البلد، فهناك انتشار للفلتان الأمني، وغياب للعدالة، والقضايا الأمنية متراكمة لدى القضاء، الذي كان معطلاً لفترة طويلة”.
وقال فحيلي: “عندما تكون هناك مشكلة على صعيد الوطن، لا يمكن للحلول أن تكون على صعيد كل مواطن على حدة، واللبنانيون اليوم يلجؤون الى الأمن الذاتي، وقد ارتفعت مبيعات الخزنات، وأصبح المواطنون يتفنون في تخبئة المال”. وأوضح أن “وجود 4 مليارات دولار سيولة لا يتم استخدامها في الاقتصاد هذا يشكل خطراً، لا سيما أن حجم الاقتصاد اللبناني هو حوالي 18 مليار دولار”.
أضاف: “المواطن خائف اليوم من أن تفقد الأموال التي يخزنها قيمتها، إن كان بسبب التلف، أو تبدل المتغيرات الاقتصادية العالمية، فقد سألني أحد المواطنين عن الحرب الاقتصادية التي تشنها الصين على أميركا، وإن كان هذا الأمر سيؤثر في قيمة الدولار الذي يخزنه، وهذا القلق لا يمكن تبديده إلا بإعادة الدور الى القطاع المصرفي، فهو الوحيد الذي يمكنه ضمان الأموال للناس، ولكن طبعاً يجب أن يحظى بالثقة، وهذا غير متوافر في لبنان اليوم، لذلك نجد أن العديد من المواطنين، يلجؤون الى اقتصاد الظل، الذي تؤمنه شركات خاصة، حصلت على رخصها من مصرف لبنان بعد الأزمة، وأًصبحت تعيش في ظل القطاع المصرفي”.
الأزمة بدأت تشكل خطراً أمنياً على المواطن، الذي يخشى أن يودع أمواله في المصارف التقليدية في لبنان، خشية أن يعود ويخسر مدخراته، كما حصل في العام 2019، ولذلك يلجأ إلى الأمن الذاتي حفاظاً عليها، علماً أن هناك خطورة كبيرة في هذا الأمر، فالتخزين غير الصحيح، قد يؤدي إلى تلف الأموال، عدا عن أننا كل فترة نشهد عمليات سطو مسلح في المناطق اللبنانية، وقد بدأت الشركات بتعيين حراس مسلحين لنقل أموالها، كون “الكاش” هو ما يسيطر على الاقتصاد حالياً، ولا يمكن تجاوز ذلك إلا من خلال خطوات جذرية، تعيد الاقتصاد إلى سكته الطبيعية، وهذا الأمر لا يزال ينتظر توافق القوى السياسية، التي تدخل في دوامة من الخلافات، كلما أرادت أن تضع قشة في مكان ما، وبالتالي هي عاجزة عن انجاز الاستحقاقات الدستورية، فكيف يمكنها إنجاز الاستحقاقات الاقتصادية؟
محمد شمس الدين- لبنان الكبير