زواج القاصرات وإنتهاك الطفولة: ما هي الآثار الصحية على القاصر وطفلها؟
لا يزال زواج القاصرات من أكثر القضايا التي تثير القلق في المجتمع، وتخيف الفتيات اللواتي يتعرضن لها في المجتمعات الفقيرة أو تلك التي تتبع عقيدة معينة، ونرى ذلك في عدد من الدول العربية. وهنا، يأتي تزويج الأهل لبناتهم في الدرجة الأولى بسبب الخوف من التعرض لشرفها، أو لمجرد أنّها وصلت الى مرحلة البلوغ وباتت جاهزة لخوض علاقة زوجية، لا سيما أنّ الرجل بالنسبة اليهم هو أفضل من يحميها حتى أكثر منهم، من دون أن ننسى أن المال والفقر لهما دور أساس في هذه العملية.
في غالبية الحالات، لا تنتج عن زواج القاصرات نهاية سعيدة بل دائماً ما تتعرض هذه الطفلة للاذلال والتعنيف أو للإخضاع لزوجها وأهله كونها صغيرة ولا تعرف كيف تتصرف ولا تملك سلاحاً في يدها من علم أو عمل يجعلها تتمرد، فقد اختار أهلها هذه الحياة عنها وبما أنّها عاشت تلك السنوات خاضعة لهم ولقرارهم فستبقى كذلك في بيت الزوجية.
التفسير الاجتماعي
تشرح أستاذة علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية ماريز يونس لـ”لبنان الكبير” أنّ “هناك عدة أسباب اقتصادية وثقافية واجتماعية تدفع إلى تزويج القاصرات، فالأسباب الاقتصادية مرتبطة بالفقر، يعني نلاحظ أنّ معدلات تزويج القاصرات ترتفع في المناطق المهمشة والفقيرة وفي الريف أيضاً، بينما تنخفض في المناطق ذات الطبقة المتوسطة أو الغنية”، مشيرة الى أن “هناك أسباباً ترتبط بالحروب والنزاعات وهذا ما شهدناه في سوريا واليمن حيث ارتفعت معدلات تزويج القاصرات مع الأزمتين السورية واليمنية بسبب النزاعات المسلحة والانفلات الأمني ورغبة الأهل في تأمين الحماية لبناتهم”. وتعرب عن اعتقادها أن “هناك سبباً ثقافياً من أهم الأسباب لتزويج القاصرات وقد يرتبط أيضاً بالجانب الاقتصادي، وهنا نتحدّث عن الذهنية الذكورية التي تدفع الأهل إلى تزويج بناتهم في عمر صغير أي تحت سن الـ18 بسبب اقتناعهم بأنّ هذا يؤمن الحماية والستر والاطمئنان للفتاة، وهي ثقافة مستمدة من العادات والتقاليد والأعراف ومن الدين باعتبار أنّ الخوف على الفتاة أيضاً مرتبط بقيم عربية وذكورية معينة مثل قيم الخوف أو المس بالشرف وأهمية المحافظة على شرف البنت. فالثقافة التي يتبعونها في بعض الدول العربية هي ثقافة ذكورية محافظة وثقافة تقليدية تعتبر أنّ الهدف والانجاز الأساس الذي يمكن أن يقدمه الأهل للفتاة هو تأمين العريس لها، فيما وصول الفتاة الى عمر الـ18 من دون زواج يشكل قلقاً دائماً لهم”.
وتقول يونس: “هذه الثقافة لا يمكن أن ترتقي إلى الحداثة على الرغم من امكان مواكبتها للحداثة إلا أنّها بمفاهيمها والموروثات تبقى متمسكة بهذه القيم التي تقدس شرف الفتاة وانّه لا يمكن أن يصان إلا بتزويجها. كل ما حصل من انفتاح وتطور حصل على المستوى التقني والمادي ومستوى الآلة بصورة أكبر وأسرع، لهذا شهدنا انفتاحاً وتطوراً كاملاً على المستوى التكنولوجي والاقتصادي ولا يزال يتسارع في التطور. لكن عندما نتحدث عن المستوى الثقافي يصبح الأمر معقداً جداً لأنه في الثقافة نتكلم عن ذهنية ولن نستطيع بكبسة زر أن نغيّر عقول الناس التي تشكلت عبر أزمنة طويلة جداً وتحتاج إلى أزمنة لتتغير”.
وتضيف: “التغيير على المستوى الثقافي لا يمكن أن يحصل بصورة مباشرة وسريعة إنما يحتاج إلى تغيير تدريجي من خلال مؤسسات عديدة منها مؤسسات التنشئة الاجتماعية كالأسرة، مؤسسة التعليم، مؤسسات المجتمع المدني، والمؤسسات الدينية وهذه الأخيرة قد تساهم في الكشف عن خطورة هذه الظاهرة وخطورة تزويج القاصرات وتساهم ايجابياً في ردع الأهل عن تزويجه ابنتهم لأنّها تعتبر طفلة ولا تمتلك الوعي الكامل لأخذ القرار بصورة ناضجة إنما تحتاج الى مساحة من أجل أن تعيش طفولتها وتكوّن شخصيتها وتحصل على فرصها في الحياة من تعليم وعمل وتحقيق الاستقلالية، حتى ينضج قرارها بالنسبة الى ارتباطها بالشريك. وهذا ما لا يحصل مع القاصرات ما يؤدي إلى مشكلات كبيرة جداً تعاني منها هذه الطفلة منها الحرمان من الطفولة والتعليم والتبعية الدائمة لزوجها، عدا عن أنّها إذا لم توفق في الزواج فستواجه الطلاق من دون أي تأمين مقابل أي الخبرات التي تحتاجها لتواجه الحياة أو حتى اذا توفى الزوج، فكل هذا يحرمها استقلاليتها كحقها الانساني”.
الآثار الصحية على القاصر وطفلها
وبالطبع لتزويج القاصرات آثار سلبية من الناحية الصحية، فالبعض يعتقد أنّه يمكن للفتاة ممارسة العلاقة الجنسية والحمل بمجرد بلوغها الدورة الشهرية التي تخوّلها لذلك، لكن في الواقع تواجه القاصرة مشكلات صحية تتمثل في اضطرابات الدورة الشهرية وتأخر الحمل أو الولادة المبكرة أو الاجهاض وذلك بسبب خلل في الهرمونات الأنثوية أو لعدم تأقلم الرحم مع عملية حدوث الحمل ما يؤدي إلى حدوث انقباضات رحمية متكررة تؤدي الى نزيف مهبلي وارتفاع حاد في ضغط الدم، ما ينتج عنه فشل كلوي ونزيف وحدوث تشنجات وزيادة العمليات القيصرية نتيجة تعسر الولادات في عمر مبكر، وارتفاع نسبة الوفيات نتيجة المضاعفات المختلفة مع الحمل وظهور التشوهات العظمية في الحوض والعمود الفقري بسبب الحمل المبكر. فقد أظهرت الاحصاءات أن هناك 70 ألف حالة وفاة سنوياً بسبب الزواج المبكر، بين عمر 15 و19 عاماً، إضافة إلى ازدياد نسبة الاصابة بمرض هشاشة العظام في سن مبكرة نتيجة نقص الكلس.
وبالنسبة الى الطفل المولود فقد يتعرض الجنين داخل رحم الأم إلى الاختناق نتيجة القصور الحاد في الدورة الدموية المغذية له والولادة المبكرة وما يصاحبها من مضاعفات مثل القصور في الجهاز التنفسي لعدم اكتمال نمو الرئتين واعتلالات الجهاز الهضمي وتأخر النمو الجسدي والعقلي وزيادة الاصابة بالشلل الدماغي والإصابة بالعمى والإعاقات السمعية والوفاة بسبب الالتهابات، بحسب تقرير لجنة طبية.
تقرير “اليونسيف”
وفي تقرير لـ “اليونسيف” صدر مؤخراً، حذّر من بطء تراجع معدلات زواج الأطفال في العالم، إذ إنّ القضاء على هذه الظاهرة سيستغرق أكثر من 300 سنة إذا ظلّت الأمور على حالها. فاليوم هناك 640 مليون امرأة على قيد الحياة تزوّجن أثناء طفولتهن أو 12 مليون بنت سنوياً، كما أنّ نسبة الشابات اللاتي تزوّجن في مرحلة الطفولة تراجعت من 21% إلى 19% منذ إصدار آخر تقديرات قبل خمس سنوات.
وفي تقريرها قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة إنّه “على الرغم من التراجع المستمرّ في معدّلات زواج الأطفال في العقد الأخير، ثمّة أزمات عديدة تهدّد بتراجع المكتسبات التي تحقّقت بشقّ الأنفس في هذا المجال، بما في ذلك النزاعات والصدمات المناخية والتأثيرات الجارية لجائحة كورونا. يتعيّن أن يكون التراجع العالمي أسرع بـ20 ضعفاً لتحقيق هدف التنمية المستدامة بإنهاء زواج الأطفال بحلول العام 2030”.
كما حذّر التقرير من أنّ “الأزمتين الصحية والاقتصادية، وتصاعد النزاعات المسلّحة، والتأثيرات المدمّرة لتغيّر المناخ، تجبر الأسر على السعي إلى ملاذ زائف من خلال زواج الأطفال، بينما تداعيات جائحة كورونا أدّت إلى تقليص عدد الحالات التي كان يمكن تجنّبها في مجال زواج الأطفال بمقدار الرُبع منذ العام 2020”.
تالا الحريري- لبنان الكبير