1 أيار: عمال لبنان “فقراء”: 60 في المئة منهم باتوا “عاطلين عن العمل”!
بات الحديث عن أوضاع العمال في لبنان والبحث في قضاياهم حصراً، والاحتفال بعيدهم بالأول من شهر أيار، شكل من أشكال النفاق تحت مظلة شعارات تافهة لا أساس لها ولا جدوى. فعمال لبنان انتقلوا من خانة العاملين إلى خانة الفقراء والمعوزين، حتى عملية إحصاء أعدادهم في سياق احتساب العاملين في لبنان لم تعد دقيقة، فالعمال اليوم عاجزون عن تأمين معيشتهم وسد حاجاتهم الأساسية وعائلاتهم.
وكيف بالعامل الذي يتقاضى 9 ملايين ليرة أو 90 دولاراً شهرياً (فيما لو سلّمنا أن المؤسسات وأرباب العمل سيلتزمون بالمرسوم الحكومي الأخير)، أن يؤمن معيشته وعائلته بمعدل 300 ألف ليرة باليوم، في وقت يفوق فيه كيلو اللحم المليون ليرة، وصفيحة البنزين على مشارف المليوني ليرة، وسعر ربطة الخيز تُباع بـ60 ألف ليرة، والتكلفة الشهرية للكهرباء (سواء اشتراك خاص أو كهرباء لبنان) لا تقل عن 100 دولار اميركي.
وليس راتب الـ9 ملايين ليرة المذكور ثابت بالنسبة إلى الدولار، فاليوم يوازي 90 دولاراً لكنه قد يتقلّص غداً لما دون ذلك، مع ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء. وبالتالي، ستتقلّص قدرته الشرائية أكثر فأكثر. يُثبت لنا هذا الواقع أن الغالبية الساحقة من عمال لبنان باتت بحكم العاطلة عن العمل، هي البطالة المقنعة التي يعجز فيها العمال عن تأمين مأكلهم وطبابتهم وسكنهم وأدنى مقومات الحياة.
عمال عاطلون عن العمل
لا أرقام دقيقة لحجم العاطلين عن العمل منذ بداية العام 2022 وحتى اليوم، فآخر الأرقام الرسمية شملت المرحلة ما بين 2018 ومطلع العام 2022، وبيّنت معدّلات كارثية من البطالة والعمالة غير المنّظمة، وبالنظر إلى تدهور الأوضاع المعيشية بشكل دراماتيكي في العام الأخير، يمكن الاستنتاج أن الأرقام الرسمية للبطالة لم تعد تحاكي الواقع اليوم. فنسب العاطلين عن العمل بتزايد وشريحة العمال غير المؤمّنين معيشياً إلى اتساع.
وبالعودة إلى الأرقام الرسمية الصادرة عن مديرية الإحصاء المركزي ومنظمة العمل الدولية، تبيّن أن معدّل البطالة في لبنان ارتفع بين عامي 2018 ومطلع العام 2022 من نسبة 11.4 في المئة إلى 29.6 في المئة. ومن بين 29.6 في المئة هناك نسبة 47.8 في المئة من الشباب والشابات، تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاماً. في حين قدّرت “الدولية للمعلومات” نسبة البطالة في لبنان بنحو 38 في المئة.
قد يؤخذ الفارق بين الرقمين بالاعتبار، فيما لو كان العاملون مكتفين معيشياً او أقله يمكن وضعهم في عداد العاملين فعلياً ومحدودي المداخيل، لكن في حالة لبنان لم يعد لمسألة الدقة بأرقام البطالة أهمية تُذكر، إذ انزلق عماله وموظفوه إلى خط الفقر، وباتوا بحكم العاطلين عن العمل. فالجميع فقراء غير مؤمّنين معيشياً وصحياً وتعليمياً.
وليست تلك استنتاجات وتحليلات، إنما هي حقائق وردت في التقرير الإحصائي نفسه العائد لمديرية الإحصاء المركزي ومنظمة العمل الدولية، ومفادها أن العمالة غير المنظمة، وهي العمالة التي لا تغطيها بشكل كاف الترتيبات الرسمية ونظم الحماية، تمثل أكثر من 60 في المئة من مجموع العمالة في لبنان. وهذا يعني أن 60 في المئة من عمال لبنان باتوا “عاطلين عن العمل”.
أحدث تعديلات الأجور
قبل نحو 10 أيام أصدر مجلس الوزراء مرسوماً يتضمّن رفعاً للحد الأدنى الرسمي للأجر الشهري إلى 9 ملايين ليرة، كما حدّد المرسوم عينه الحد الأدنى للأجر اليومي بمبلغ 410 آلاف ليرة. وحسب المرسوم، يعطى جميع المستخدمين والعمال الخاضعين لقانون العمل زيادة غلاء معيشة بقيمة 4 ملايين و500 ألف ليرة.
هذه الزيادة المقطوعة لا تسمن ولن تغني عن جوع. فالـ9 ملايين ليرة التي توازي اليوم ما يقارب 90 دولاراً فقط قد تقل عن ذلك في الأيام المقبلة مع ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة. كما أن الـ90 دولاراً اليوم، بالنظر إلى ارتفاع نسبة التضخم لا يمكن ان تؤمن معيشة فرد واحد على مدار أسبوع.
زيادة الحد الأدنى للأجور لا تتعدى كونها زيادة شكلية لا قيمة لها ولا مفعول، وهو ما يخالف المادة 44 من قانون العمل، التي تنص على ضرورة أن يكفي الحد الأدنى للأجور لسد حاجات الأجير وعائلته. كما يخالف أيضاً القانون الذي ينص على تصحيح الأجور وفق “نسبة غلاء المعيشة”، وهو ما لم يحصل.
أما زيادة رواتب العاملين بالقطاع العام والمتقاعدين، والتي تراوحت بين 3 و4 أضعاف رواتبهم الأساس، فليست أفضل حالاً من زيادة رواتب الخاضعين لقانون العمل. إذ رغم الزيادة التي أقرت مؤخراً للقطاع العام، تبقى الرواتب بأفضل حالاتها عاجزة عن تأمين معيشة أسرة صغيرة لبضعة أيام، كما لا تزيد الرواتب الشهرية عن 140 دولاراً فقط.
عزة الحاج حسن- المدن