التحريض ضد النّازحين السّوريين.. عفوي أم مُخطّط؟
منذ أيّام، يكاد لا يمر يوم في أيّ منطقة لبنانية من دون وقوع إشكالات بين مواطنين مع نازحين سوريين مقيمين فيها، ويسبق ويرافق ويعقب هذه الإشكالات حملات واسعة جدّاً من التحريض ضد النّازحين، وتصويرهم خطراً يهدّد مختلف المناطق اللبنانية إجتماعياً وإقتصادياً وأمنياً، مع مطالبات بإخراجهم من هذه المناطق في مرحلة أولى، على أن يعقب ذلك إخراجهم من لبنان وإعادتهم إلى بلدهم في مرحلة ثانية.
ومع أنّ الشكاوى من أزمة وجود النّازحين السّوريين في لبنان وُلدت منذ اليوم الأوّل لوجودهم فيه بعد اندلاع شرارة الحرب في سوريا عام 2011، بعد تحوّلهم إلى عبء كبير على البنى التحتية الضعيفة في لبنان وعدم قدرتها على تحمّل المزيد، وفي تأثير وجود النّازحين سلبياً على فرص عمل اللبنانيين، واستنزاف هؤلاء النّازحين موارد الدولة من كهرباء وطحين ومحروقات وأدوية وغيرها بشكل يفوق قدرة الدولة على التحمّل، وغير ذلك من إتهامات شتّى توجّه إليهم وتحمّلهم وزر ما يشهده ويعيشه لبنان من أزمات، فإنّ آخر الإتهامات التي توجّه إلى النّازحين السّوريين الآن هو “الإحتلال الديموغرافي”، في إشارة إلى تزايد أعداد النّازحين بشكل كبير في السّنوات الأخيرة نتيجة النسبة المرتفعة بينهم لمعدل الولادات، ودخولهم إلى لبنان بطريقة غير قانونية عبر معابر غير شرعية.
وللمفارقة، فإنّ أغلب الأصوات المرتفعة اليوم من عبء النّازحين السّوريين في لبنان يأتي من جهات وأشخاص أبدوا ترحيبهم بدخولهم إلى لبنان منذ الأيّام الأولى لخروجهم من سوريا فراراً من الحرب التي كانت دائرة هناك، وسط آمال علّقها هؤلاء الأطراف الذين بأغلبهم من المعارضين والمعادين للنظام في سوريا، بأن لا تطول الحرب هناك، وأن يعودوا جميعاً إلى سوريا إحتفالاً بإسقاط النظام كما توهموا.
لم تتوقف مغامرة هؤلاء عند هذا الحدّ، فعندما طرح البعض في لبنان والخارج إعادة النّازحين السّوريين إلى بلدهم، خصوصاً من ليس بحقّه أيّ ملف أمني أو مخالفة معينة تستدعي توقيفه، وجرت هذه العملية بوتيرة بطيئة نسبياً أيّام المدير العام السّابق للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، خرجت أطراف وشخصيات لبنانية ترفض هذه العودة وتعتبرها “غير آمنة” لهؤلاء النّازحين، وصولاً إلى حدّ تهديد البعض بأنّ “النّازحين السّوريين لن يعودوا إلى بلدهم ولو على جثثنا”، كما هدّدت يوماً الوزيرة السّابقة مي شدياق المحسوبة على حزب القوات اللبنانية.
لكنّ الحملة الأخيرة من التحريض ضد النّازحين السّوريين حملت أبعاداً أخطر، حيث ذهب بعض حامليها إلى حدّ التحذير من أن يتسبب هؤلاء النّازحين بحرب أهلية جديدة، إذا جرى تسليحهم أو استخدامهم في الصراعات الدّاخلية اللبنانية، شبيهة بحرب العام 1975 التي يحمّلون اللاجئين الفلسطينيين وزرها.
ويتجاهل هؤلاء بأنّ أفضل وسيلة لقطع الطريق على هكذا أخطار تهدّد لبنان هي التواصل بين الحكومة اللبنانية والحكومة السورية لتسهيل عودة النازحين إلى ديارهم، لكنّهم يرفضون أيّ تواصل مع الحكومة السّورية، ما يثير شكوك وهواجس حول أن يكونوا مشاركين، بشكل أو بآخر، في “مخطط” يستهدف لبنان والنّازحين السّوريين معاً.
عبد الكافي الصمد