كتاب دراما ومخرجون: أزمة النصوص “عالمية”!
لا يخفى على كثير من النقاد والمهتمين بالفن والأدب ما تمر به الدراما العربية من أزمة كبيرة في النصوص تحديداً، شهد عليها عدد كبير من الأعمال الدرامية التي عرضت في رمضان الماضي وكان ينقصها الجودة، سواء كانت بإنتاج سوري لبناني أم سورية بحتة.
معظم الأعمال لم تهتم بتوصيل رسالة جيدة للمتلقي، بل على العكس تركت تأثيراً سلبياً على رغم تحقيقها نسبة مشاهدة عالية. فأعمال مثل “وأخيراً” بطولة نادين نسيب نجيم وقصي خولي، و”للموت 3″ لماغي بو غصن ودانيلا رحمة وورد الخال، اللذين غاصا في تجارة المخدرات والدعارة والمافيات وغرقا في القتل والانتقام، تعرضا لانتقادات عدة بسبب تكرار مواضيعهما.
أما مسلسل “النار بالنار” بطولة عابد فهد وكاريس بشار وجورج خباز فتميز بمناقشة موضوع جريء تمركز حول علاقة الشعب اللبناني بالنازحين السوريين، لكن النص انحرف في الحلقات الأخيرة إلى مسارات أخرى أفقدت الحكاية رونقها وجديتها.
ولجهة الأعمال السورية فهناك عدد كبير من الأعمال التي قدمت في رمضان الماضي، وأبرزها “الزند ذئب العاصي” بطولة تيم حسن دانا مارديني و”زقاق الجن” لأيمن زيدان، و”العربجي” لباسم ياخور وديما قندلفت و”مربى العز” لمحمود نصر، وغيرها من المسلسلات التلفزيونية التي عرضت على شاشات محلية وعربية، إلا أنه شابها كثير من الخلل الدرامي في سياق النصوص، وبدت في كثير من الأحيان ضعيفة غير متماسكة الخطوط، ونالها كثير من النقد على مواقع التواصل الاجتماعي.
النص الرمضاني
المخرج والمؤلف السوري محمد عبدالعزيز الذي قدم مسلسل “النار بالنار” وأثار كاتبه رامي كوسا بلبلة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي اعتراضا على تغيير حواراته، يقول لـ”اندبندنت عربية” إنه “من حق مخرج أي عمل فني أن يتدخل في النص إذا وجد أنه لا يتلاءم مع الرؤية البصرية من دون تغيير البنية الأساسية للعمل”.
ويضيف “في مسلسل (النار بالنار) حصل تباين بيني وبين الكاتب رامي كوسا أدى إلى اعتذار الأخير، فذهب النص إلى ورشة كتابة تحت إشرافي وشركة الإنتاج (صباح إخوان)، ولم نرد عليه منعاً للتشويش على العمل الذي حقق نجاحاً كبيراً”.
وعن أزمة النصوص بشكل عام قال إن “هذه الأزمة ليست وليدة الساعة، بل هي موجودة في سوريا قبل اندلاع الحرب، وكانت شركات الإنتاج تقدم عشرات الأعمال الدرامية، لكن عدداً قليلاً منها كان يلقى حظه بالانتشار والنجاح، وهناك نحو خمسة مؤلفين ومخرجين فقط كرسوا هوية الدراما السورية، أما الباقون فلم يحققوا النجاح المرجو”.
وتابع “لا شك أن الأزمة كبيرة في العالم العربي أيضاً، وأظن أن المشكلة الأكبر تتمحور في النص الرمضاني، أي المسلسلات المؤلفة من 30 حلقة، فالمؤلف يجد صعوبة بإبراز إبداعه في أشهر قليلة مع كم هائل من الخطوط الدرامية، لذا على شركات الإنتاج أن تعطي الكاتب الوقت الكافي لإنجاز نصه، وبالنسبة إلى الكتاب الذين يستطيعون أن يحولوا مخزونهم الفكري إلى مشهد بصري فهم قليلون جداً”.
يرى عبدالعزيز أن الخبرة والموهبة أهم بكثير من الدراسة في المعاهد، لكنه يشير إلى أن “النص الدرامي التلفزيوني مختلف عن السينمائي والمسرحي، وفي سوريا ليس لدينا اختصاص كتابة النص الدرامي التلفزيوني، لذا يجب افتتاح هذا القسم في المعاهد”. وعن ورش الكتابة السائدة أخيراً يقول “أعتقد أن هذه الورش نجحت سواء في سوريا ولبنان وحتى مصر في المسلسلات القصيرة وليست الطويلة، وفي النهاية لا يوجد عمل متكامل مطلقاً. ويشير إلى أنه “بسبب سرعة التنفيذ للحاق بوقت العرض في رمضان نفاجأ بالأخطاء على الشاشة، وهذا يتم تحت الضغط الشديد وهنا تكمن المشكلة الكبرى”.
أزمة عالمية
الكاتبة اللبنانية كلوديا مرشليان صاحبة الباع الطويل في الدراما اللبنانية المحلية والعربية المشتركة، تعلق على “أزمة النص” قائلة إنها “متفشية في العالم بأسره لأن نسبة الكتاب المبدعين قليلة جداً، فالكاتب كي يبدع في مجاله عليه أن يسخر حياته لعمله، فالنص ثمين ولا يوجد بسهولة”.
أما عن ورش الكتابة فتراها “أمراً جيداً ومفيداً لكن الشباب الجدد الذين يكتبون يجب أن يتمتعوا بالموهبة ويعملوا تحت إشراف كاتب متمرس ليقود السيناريو والحوار إلى الطريق الصحيح لأن الخبرة هي أساس النجاح، فإبداع الشخصيات ليس أمراً سهلاً وتوزيع الأدوار يحتاج إلى مايسترو، وهو الكاتب الذي يتعاون مع المخرج صاحب الرؤية البصرية في تنفيذ العمل بالتعاون مع شركة الإنتاج التي تعرف لعبة التسويق لدى المحطات التلفزيونية”.
وتضيف “في أميركا يوجد أزمة نصوص ويديرها 10 مؤلفين مع وجود عشرات المخرجين، إذاً المشكلة عالمية. وقد بدأنا نرى كتاباً محترفين ومنهم ريم مشهدي يتجهون إلى تعريب المسلسلات التركية من أجل لقمة العيش”.
الكاتبة السورية ريم حنا التي كان آخر أعمالها مسلسل “الكاتب” عام 2019 ومسلسل قصير بعنوان “DNA” غابت لتعود قريباً بعمل جديد مع شركة “إيغل فيلمز”، يحمل اسم “عباد الشمس” وتقول إن “أزمة النصوص عالمية وليست محلية، فهناك كتاب كثر لكن النص الجيد قليل وغير متوفر باستمرار، والكاتب الحقيقي يحتاج إلى تراكم بخبراته. كما أن شركات الإنتاج تخضع باستمرار إلى إرادة المحطات التلفزيونية التي تحدد أولوياتها في المسلسلات التي تعرضها”.
أما الكاتبة نادين جابر التي بدأت مسيرتها في عام 2014 بالأعمال الدرامية اللبنانية المحلية، فانتقلت إلى عالم الدراما المشتركة من خلال أعمال عدة، منها “لا حكم عليه” 2020، وصولاً إلى “للموت” بأجزائه الثلاثة، تقول “طورت نفسي ككاتبة من خلال قراءاتي الواسعة ومشاهدتي لأعمال عالمية، وتحديداً الإسبانية”.
وعن الفرق بين الدراما اللبنانية البحتة والعربية المشتركة توضح أن الأولى تعاني قلة الإنتاج والتسويق، مما يدفع المنتج إلى الاستعانة بمؤلفين غير موهوبين، بينما الإنتاج العربي المشترك يعطي المجال للكاتب لاختلاق مشاهد كبيرة تنفذ بإنتاج سخي.
أما عن ورشة الكتابة فتقول إنه “من الجيد الاستعانة بمواهب شابة لكن يجب أن يكونوا تحت رعاية وإشراف الكاتب الذي يحق له مع المخرج وضع تفاصيل العمل لأنهما يملكان الخبرة. وعلى شركات الإنتاج أن تخبر الكاتب في حال تغيير أي شيء بنصه، لأن هناك بعض الزملاء يفاجأون على الهواء بتغيير نصوصهم من دون إعلامهم، مما يصيب العمل بضعف البنية الدرامية”.