خاص: ما بين توقيتين .. لبنان على أبواب أزمة طائفية “مصلحجية”!
وكأنه لا يكفي اللبنانيين أزمات حتى تُضاف أزمة جديدة تتخذ منحى طائفياً وتقسم البلد “الجنازة حامية والميت كلب”، ففارق التوقيت مهما كان مهماً وضرورياً، إلا أنه ليس سبباً لسير البلد وقف توقيتين، وانشطاره بين “مسلم ومسيحي” على قاعدة “شرقية و غربية”.
وفيما يلتزم لبنان سنوياً العمل بالتوقيت الصيفي العالمي، الذي يبدأ هذا العام اليوم الأحد في 26 آذار/ مارس، لكن حكومة تصريف الأعمال أجّلته استثنائياً حتى ليل 20-21 نيسان/ أبريل المقبل، وهو قرار إعتباطي أتخذ في جلسة دردشة بين ميقاتي وبري، رأفة بالصائمين من المسلمين (كما قيل)، كون حلول التوقيت الصيفي ترافق مع بداية شهر رمضان المبارك.
حالة ضياع
جاء القرار الحكومي ليتصدر أزمة الدولار وارتفاع الأسعار، مع انشغال السياسيين بالتحليل والاستنتاج وفحوصات الدم الوطنية، وتحليل وضع البلد من باب المصالح ليس أكثر، فإن شركات الاتصالات والطيران سارعت إلى رأب الحالة، والمدارس استدركت الوضع، رغم حالة الضياع، ليبقى اللاعبون في المياه العكرة يتصّيدون الموقف علّهم يسجلون مكاسب آنية.
“الاتصالات” و”الطيران”
فقد أعلنت شركة طيران الشرق الأوسط “ميدل ايست” عن تقديم مواعيد إقلاع كل الرحلات المغادرة من مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت ساعة واحدة، بعدما كانت قد أصدرت بطاقات سفرها بحسب مواعيد التوقيت الصيفي العالمي.
فيما وجّهت شركتا الاتصالات في لبنان “تاتش” و”ألفا” رسائل إلى المواطنين، بضرورة تغيير إعدادات هواتفهم وتحويلها من الأوتوماتيكي إلى الضبط اليدوي، وهو ما تسبب بالكثير من البلبلة بين كبار السن، ومنهم العم “زكريا الطويل”، الذي أخبرنا حفيده أحمد بأن راح “يتمتم” ويتململ، لأنه أضاع صلاة الفجر، وهي المرة الأولى في سياق عمره الطويل.
ولفت أحمد إلى أن جدّه أيقظه من سباته ليحل له معضلة منبّه الهاتف، وإعادة ضبطه لأن أكثر ما يأسف له في حياته هو إضاعة “فرض صلاة”، وكيف إذا كان خلال شهر الصوم، فانصاع أحمد لرغبة جدّه، كما عدّل إعدادات هاتفه هو الآخر، كي لا يتأخر في اليوم الأحد على دوام عمله في أحد المولات الكبرى في بيروت.
ما بين إمساك وسحور
ومن العم “زكريا” إلى كاتب هذه السطور، الذي أيقظ زوجته من أجل صلاة قيام الليل، ثم السحور، مستغرباً كيف أن مولّد البناية حيث يسكن لم يجر تشغيله بعد، وهو المعتاد على أن التشغيل يكون عند الساعة الثالثة فجراً، فاتصل بناطور العمارة، الذي كان بدوره نائماً، وردَّ عليه بأنّ الوقت لا يزال الساعة 2:00 فجراً، مذكراً باستمرار التوقيت الشتوي.
“غروب الماميز”
أما السيدة سيليا عليوي فأشارت إلى أن الوالدات في مدرسة ابنتيها، ضمن “غروب الماميز” على تطبيق “الواتساب”، أيّدن القرار وأشدن به، كونه يمنحهن ساعة إضافية للراحة من “صراع الأبناء”، والأزمات الصباحية المدرسية، كما يسهل عليها عند المساء، أن يسبق الإفطار مباشرة خلود ابنتيها إلى النوم، ما يساعدها على ترتيب السفرة، والعمل دون ضوضاء.
ثورة محلية
وإذ أدى القرار – بكثير من السخرية – إلى “ثورة محلية”، اتخذت منحى طائفياً رافضاً، قادته البطريركية المارونية في لبنان، وإصرارها على بدء العمل بالتوقيت الصيفي، سارت على نفس الاتجاه “مدرسة الجمهور”، التابعة لجمعية الآباء اليسوعيين في لبنان، على نفس المنوال وإعلان عدم التزامها بالقرار الحكومي.
بدورها، أعلنت مؤسّسات إعلامية عدّة عدم التزامها بالقرار، على غرار قناتي “mtv” والمؤسسة اللبنانية للإرسال انترناسيونال “LBCI”، اللتان أشارتا إلى أن عدم الإلتزام بالساعة العالمية سيؤثر على أعمالهما، لذلك عدّلتا التوقيت إلى الصيفي، كما اعترض الحزبان المسيحيان البارزان “التيار الوطني الحر” و”حزب القوات اللبنانية، على القرار ما أسفر عن موجة واسعة من السخرية على مواقع التواصل الاجتماعي.
موجة سخرية افتراضية
وكعادتهم سخّر اللبنانيون الأزمة المستجدة لتكون مادة دسمة للسخرية والانتقاد، من باب أن اللبنانيين لا هموم لديهم إلا فرق التوقيت، الذي غزّى المنحى الطائفي، ولا مبرر لهذا الانقسام الجديد في بلد أنهكته الأزمات.
واعتبر أحدهم أنه بعيداً عن تفاهة قرار التوقيت الصيفي، لا بد من رد فعل مبالغ وحجة “للاستفراغ الطائفي”، ليسأل آخر: “يا هل ترى غداً حين يدرس أولادنا التاريخ (سيجدون) أن الحرب الاهلية اندلعت في لبنان العام 2023 بسبب عدم تقديم الساعة؟”.
كما اعتبر آخرون أن القرار لن يغير شيئاً في حياة الصائم في شهر رمضان كون عدد ساعات الصوم لن يتغير.. ليتهكم أحدهم بعبارة: “الفكرة أن تفطر باكراً علماً أنه ليس لديك (المال) لتفطر به”.
مصطفى شريف – مدير التحرير