“النار بالنار”.. دراما توثق حياة المجتمعين السوري واللبناني

يقدم مسلسل “النار بالنار” دراما من تغيرات آنية تتطرق إلى موضوع العلاقات الاجتماعية التي تجمع بين أشخاص من سوريا ولبنان، وعلى مسرح أحداث في بيروت حيث تنتشر العنصرية الاجتماعية. وتجري أحداث المسلسل في حي شعبي في بيروت، يسكنه لبنانيون، لكن أحداث الحرب في سوريا تأتي بالكثير من السوريين كلاجئين، ليعيشوا في الحي بجوار أهله من اللبنانيين. يعيش الجميع حياة مشتركة لكنها مليئة بالمتغيرات منها العنصرية وقصص الحب المعقدة وغيرها.

“النار بالنار”، يلغي موضوع اللهجة ووجودها بشكل نافر وغير مبرر، فمن أهم نقاط النقد التي توجه للمسلسلات العربية المشتركة هي وجود أكثر من لهجة واحدة في المسلسل الواحد، دون وجود مبرر درامي منطقي، الأمر الذي تجاوزه مسلسل “النار بالنار” كون مسرح الأحداث فيه حقيقي في لبنان وشخوص الأحداث لبنانيون وسوريون.

في عقدة الصراع الدرامي، يقدم المسلسل موضوع العنصرية خلال عام 2022، وهو موضوع منتشر في كل المجتمعات الإنسانية، ويظهر إلى العلن بمجرد أن تتاح له فرصة وظروف مناسبة. ولا شك أن الوضع الإنساني الجديد الذي أرخى بظلاله على المجتمع اللبناني من خلال الظرف الاقتصادي بالغ السوء الذي يعيشه المواطن اللبناني، ومن ثم الظروف المعيشية اليومية التي أحدثها وجود لاجئين سوريين، شكل مادة خصبة للبعض للتعبير بل وتنفيذ بعض التصرفات العنصرية تجاه حالة اللجوء برمتها، وهي الأحداث التي رفضها معظم المجتمع اللبناني نفسه، الذي يقوم في بنيته أساسا على التعدد الطائفي والديني.

تدور أحداث مسلسل “النار بالنار” حول شخصية مريم (كاريس بشار) المدرسة التي اضطرت بسبب الحرب إلى مغادرة بلادها سوريا واللجوء إلى لبنان وهي لا تمتلك أوراقا ثبوتية تعرف بنفسها في مكان إقامتها الجديد، لتبدأ رحلة الأحداث اليومية بمحاصرتها والتضييق عليها يوما بعد آخر.

شكسبير في الأجواء

تظهر في شخصية مريم مواضع قوة تتمتع بها، لكن الظروف القاهرة التي عاشتها وتحاصرها تضعفها، فهي تعيش يوميا هاجس مقاومتها والتغلّب عليها، وسط حضور شخصيات فاعلة في محيطها، منهم عمران (عابد فهد) المرابي الذي يعيش على استثمار الأزمات المعيشية للناس لتحصيل أكبر كسب مالي، وكذلك عزيز (جورج خباز) الذي يمثل التطرف والعنصرية في المجتمع اللبناني، الذي يعيش حياة متناقضة مع أناس لا يشبهونه حتى في مجتمعه.

تظهر في المسلسل شخصية عمران (عابد فهد) المرابي الذي لا يتردد في القيام بأي شيء في سبيل تحقيق منافع مالية، وهو شره للمال يوازي شخصية مسرحية شهيرة قدمها الكاتب المسرحي الإنجليزي الشهير وليم شكسبير في مسرحية “تاجر البندقية”، هي شخصية المرابي شايلوك الذي يمثل فيها قيم الجشع وشهوة المال والاستغلال. وهي الشخصية التي شدت عابد فهد إليها وعمل عليها مع كاتب المسلسل رامي كوسا لكي يقدما من خلالها مجموعة من الأحداث التي توضح خباياها ومدى تأثيرها في مجتمع إنساني ما.

ويرى رامي كوسا كاتب المسلسل أن “النار بالنار” يطرح موضوعا هاما وهو العنصرية وما يمكن أن تخلقه من ظروف قاسية على من يعانون منها. والعمل كما يراه، يحاول البحث في أسباب وجود العنصرية، البيئية والتاريخية، وهو لا يكتفي بعرضها بل يحاول تقديم رؤية ما في سبيل حلها، مقدما شبكة من العلاقات الإنسانية التي تتعلق بمهجّرين ومرابين وعنصريين على خلفية وضع اقتصادي متهالك يعاني منه الجميع، مستعرضا مجموعة من الانحرافات الأخلاقية التي تظهر والمتشكلة بعدد من الجرائم والتجاوزات المالية والشخصية كالاتجار غير المشروع والاستغلال المالي.

كذلك يقدم المسلسل في الجانب الآخر قصص حب وعلاقات دافئة تجمع بعض شخوصه.

ويمثل الكاتب رامي كوسا حالة خاصة في الدراما السورية، فهو من الكتاب الشباب الذين يبشرون بوجود خط يحمل حضورا خاصا في الدراما التلفزيونية السورية. تخصص في علم بعيد عن الفن والأدب، لكنه أثبت لنفسه حضورا هاما في كتابة الأغاني، حيث تعامل مع العديد من مشاهير الغناء في سوريا منهم لينا شماميان وليندا بيطار، وهو كاتب يجيد تقديم الأعمال المختلفة والعميقة، قدم أعمالا في السينما، منها “روزنامة” و”غربة” مع المؤسسة العامة للسينما التي كانت من إخراج الفنانة نادين تحسين بك، كما قدم مع المخرج الشهير الليث حجو فيلم “الحبل السري” وحاز به على مجموعة جوائز عالمية وهو فيلم روائي قصير، كذلك تعاون مع جود سعيد في كتابة فيلم “درب السما”.

حجو وعبدالعزيز

وفي مجال دراما التلفزيون قدم كوسا أول أعماله باسم “القربان” الذي أخرجه الراحل علاءالدين كوكش ثم مسلسل “أولاد آدم” مع الليث حجو في لبنان. وهو بمسلسل “النار بالنار” يقدم ثالث أعماله التلفزيونية الدرامية الطويلة.

دارت عجلة إنتاج مسلسل “النار بالنار” منذ فترة، وكان يفترض أن يقوم بإخراجه الليث حجو، لكن ظروف العمل لم تسمح له بالقيام بذلك، فلجأت شركة “صباح إخوان” المنتجة إلى الاتفاق مع المخرج الشهير محمد عبدالعزيز صاحب “ترجمان الأشواق” و”شارع شيكاغو” لإخراج مسلسل النار بالنار، وكان يعد لإخراج مسلسل “ليالي دمشق” لصالح شركة سورية، وسويّ الأمر بأن يؤجل مسلسل “ليالي دمشق” ويباشر بتنفيذ مسلسل “النار بالنار”.

والمسلسل نفذ بشكل كامل في لبنان وهو من إنتاج لبناني بينما النص والإخراج سوري. والتاريخ يثبت أن حالة المشاركة الفنية بين سوريا ولبنان لم تغب عن المشهد الفني منذ نشوئها في كلا البلدين. ففي عام 1948 قدم السينمائي السوري نزيه الشهبندر فيلم “نور وظلام” وشاركت ببطولته ممثلة من لبنان هي إيفيت فغالي، كما قدمت السينما في سوريا عام 1963 فيلم “عقد اللولو” بمشاركة المخرج اللبناني يوسف معلوف والمطربة الراحلة صباح.

كذلك أنتج أحد كبار أقطاب الإنتاج السينمائي في سوريا والوطن العربي، وهو نادر الأتاسي، كل أفلام الرحابنة “سفربرلك” و”بنت الحارس” و”بياع الخواتم” وأخيرا “سيلينا”. كما أخرج اللبناني نقولا أبي سمح وأنطوان س. ريمي مسلسلات للنجمين نهاد قلعي ودريد لحام في أستوديوهات لبنان والمشرق.

العرب

مقالات ذات صلة