رحيل سمير خوري… مخرج “ذئاب لا تأكل اللحم”

توفي المخرج اللبناني سمير خوري، صاحب الأفلام العديدة في فترة السبعينيات والثمانينات والتي إتسم معظمها بالجرأة. ومن أبرز أعماله “سيدة الأقمار السوداء”(1971)، و”ذئاب لا تأكل اللحم”(1973)، وقد عُرضا قبل سنوات طويلة في لبنان وأحدثا حينها ضجة وإنقلاباً بسبب مشاهد الإباحية التي احتوياها…

وأفلام خوري لا تزال حتى الآن مضرب مثل في الجرأة والتعري، إذ كان من النادر أن نرى امرأة عارية بشكل كامل على شاشة، ورغم مرور سنوات على تصويرها، ظلت أفلامه موضع اهتمام هواة البصبصة وتأمل الجسد العربي… يروي المخرج والكاتب محمّد سويد أنه على شاشات “أمبير” و”سيتي بالاس” و”اديسون” و”ستراند”، أُطلق “سيّدة الأقمار السوداء” في 1 أيار 1972، وأصرّت دائرة مراقبة المطبوعات والتسجيلات الفنية في المديرية العامة للأمن العام، آنذاك، على حصر مشاهدته في الراشدين، ما زاد زخمه التجاري ولم يحل قرار المراقبة دون تسلل أعداد وافرة من القاصرين الى داخل دور العرض، وبخاصة صالتي “أمبير” و”سيتي بالاس” الكائنتين في محيط ساحة البرج. وذلك لمتابعة مأساة السيدة عايدة (ناهد يسري) والارتواء بعطشها الى الجنس مع حبيبها (حسين فهمي) والنظر الى عري جسدها العاجز عن تلبية رغبات الجمهور الجامح بشبقه وشهواته، والخطوة الثانية للتعري كانت في .. الكويت: بعد سنتين فقط من الفيلم السابق “سيدة الأقمار السوداء”، قرر المخرج خوض تجربة ثانية! فاختار المخرج التصوير في الكويت بسبب الانفتاح الاجتماعي فيها آنذاك.

في “ذئاب لا تأكل اللحم”، استعار سمير خوري ناهد أُخرى من السينما المصرية، وهي ناهد شريف، وأسند الى الممثلة اللبنانية سيلفانا بدرخان دور شريرة غاوية تستغل جسدها للوصول الى مآربها، عشاقها هم قتلاها وبطل الفيلم عزّت العلايلي ضحيتها الوحيدة الباقية على قيد الحياة. والفيلم بمشاركة محسن سرحان من مصر، محمد المنصور، وخالد الصقعبي، وعلي المفيدي من الكويت، وتم منع الفيلم من العرض وقد ذيل الأفيش بعبارة: “شردته حروب الإبادة، خانته امرأة فتحول ذئبًا”.

يقول محمد سويد في مقالة نشرها في “ملحق النهار”: “على وجه الدقة والتحديد، نسيت متى شاهدت “ذئاب لا تأكل اللحم” وكم كان عدد دور عرضه. أذكر فحسب أنّي شاهدته عام 1974 في سينما “روكسي”، ولم أكن في حاجة الى مساعدتك يا رشيد، ليس لأنّك كنت موظفاً في صالة أخرى، بل لأن دائرة المراقبة سمحت لمن هم دون الثامنة عشرة برؤية الفيلم. بشيء من الثقة، حملت خوفي وإصراري على شراء تذكرة الدخول، وكانت دهشتي كبيرة حين فاجأني حلاّقي الأرمني نوبار بوقوفه خلفي أمام شبّاك التذاكر. ربّت على كتفي ولم ينبس بكلمة. نظرت إليه. أرسل ابتسامة خبيثة واحمر وجهي خجلاً”. يضيف سويد “من يرى الفيلمين اليوم، يلفته تحرر الممثلة المصرية من المحرمات، ورخاوة العيش في بيروت والكويت في سبعينات القرن العشرين، وعدم أخذ المخرج من الهموم المحلية ما يتجاوز انحطاط البورجوازية وخوف عمّ الستّ عايدة وأنور على مصير البشرية من حروب الإبادة. في وسع سمير أ. خوري المزايدة في الثناء على “ذئاب لا تأكل اللحم” وإضافة جملة الى وصفه الآنف له بأنه ليس “فيلم الغضب ضد العنف” وإنّما كذلك نبوءة الحرب اللبنانية قبل عام من نشوبها”…

ثم ما لبث أن غادر سمير خوري لبنان إلى فرنسا، “خصوصاً انه من بيت فني فوالده صاحب عدد من دور العرض وأبرزها سينما capitol”، ليقينه من أن السينما لم تتطور تبقى مجرد صورة مكانك راوح.. وبعض من شارك في أفلامه تبرأ منها، وعلى رأسهم الممثل المصري حسين فهمي الذي أكد في أكثر من حوار أنه لم يصور أية لقطة إباحية وانه إختلف مع سمير خوري الذي أدخل لعبة المونتاج للفيلم. وفي أحد الحوارات قال: “ضربت سمير خوري لأنه أظهرني عارياً”، ورد خوري “يا عيب الشوم. ما عاد حدا عندو حتى اخلاق مهنية. كيف يتجرأ فنان جماهيري وبيقول هالكلام دون المستوى. انا ما رح اسكت ورح أعمل اللي بيحفظ كرامتي”.

وعن الاوضاع الجنسية للفنانات قال خوري، ناهد يُسري إرتدت string شفافاً وناهد شريف تعرت تماماً.

بقي ظهور ناهد شريف عارية موضع تساؤل على مدى سنوات، وقالت الناقدة ماجدة خيرالله في مقال لها نشرته في صحيفة “القاهرة”: “إن ناهد كانت تعيش أكثر من مأساة خاصة، كانت العائل الوحيد لشقيقتها التي تعاني الشلل، وتحتاج لرعاية دائمة، ومع ذلك لم تكن ناهد من هذا النوع الذي يتاجر بمأساته أو يشكو حاله لينال عطف الآخرين”، تضيف: “إن سوء الحظ كان يتربص بناهد شريف، فبعدما بدأت تحقق تواجداً سينمائياً ملحوظاً، أطلت واحدة من أزمات السينما المصرية أطاحت أحلامها وكادت تهدد صناعة السينما المصرية بالتوقف نهائياً، فبعد هزيمة يونيه 1967، أصاب الكساد استوديوهات ومعامل السينما المصرية، وكانت الهجرة الجماعية لكل العاملين في الصناعة الذين وجدوا في استديوهات بيروت ودمشق واسطنبول الملاذ، وطال بهم المقام لأكثر من ثلاث سنوات، قدموا خلالها عشرات الافلام اللبنانية والسورية والتركية، هذه الأفلام كان مستواها يقل كثيراً عن مستوى أردأ الافلام المصرية ولكن ضروريات الحياة أجبرت نجوم السينما وصناعها علي البحث عن فرص عمل بدلاً من البطالة والانتظار اليائس…”.

المدن

مقالات ذات صلة