بري وضع فيتو على “القائد”: “لا لجوزف عون” …لهذه الأسباب!!
لماذا يُعارِض رئيس مجلس النواب نبيه برّي وصول قائد الجيش العماد جوزف عون إلى رئاسة الجمهوريّة؟
لم يعد سرّاً أنّ رئيس مجلس النواب وضع فيتو على “القائد”. في كلامه الأخير إلى الزميلة “الأخبار” وجّه برّي رسالة حاسمة بهذا الاتّجاه تتجاوز بأهمّيتها كشفه علناً وللمرّة الأولى تمسّك عين التينة، واستطراداً الثنائي الشيعي، بورقة سليمان فرنجية في معركة الوصول إلى قصر بعبدا “مع المحاولات المستمرّة لتوفير أوسع تأييد له”.
في الآونة الأخيرة دأب برّي على اعتماد “التسريبات” التي تحدّثت عن تسليم رئيس المجلس بصعوبة انتخاب العماد عون “الذي يحتاج إلى تعديل دستوري” إلى أن تولّى بنفسه حَسم الأمر: لا لجوزف عون.
مُحاصَرة عون!
يرى كثيرون أنّ موقف الرئيس برّي هو الواجهة أيضاً لما لا يريد “حزب الله” المجاهرة به بعدما آثر الأخير التأكيد، على لسان بعض قياديّيه، أن “لا فيتو على أيّ مرشّح، ونسير بمن يتمّ التوافق عليه”.
بالطبع لا يهدف برّي إلى تقديم “خدمة” سياسية للنائب جبران باسيل عبر تثبيت العوائق القانونية المانعة لانتخاب قائد الجيش رئيساً، ولو ساعدته الظروف لفعل عكس ذلك تماماً. لكنّ موقف الثنائي الشيعي وتعنّت باسيل فرضا محاصرة المرشّح لرئاسة الجمهورية، وربّما التضييق على أيّ محاولة خارجية لانتخابه.
برّي وعون: علاقة جيّدة
يصف مصدر مطّلع علاقة برّي بقائد الجيش بـ”الجيّدة انطلاقاً من حرص رئيس المجلس على عدم الاصطدام مع أيّ قائد جيش”.
على الرغم من اعتماد عون حين تعيينه استراتيجية تقوم على “التحرّر” من التدخّلات و”الطلبات” الحزبية في المؤسسة العسكرية، وخصوصاً في ما يتعلّق بالتشكيلات، ومع أنّه مثلاً لم يراجع عين التينة أو مسؤولي الحزب في المناقلات المرتبطة بالضبّاط الشيعة، لم يتصرّف بطريقة كيديّة ولم يُقصِ بعض الضبّاط المحسوبين بالكامل على الرئيس برّي والمعروفين بالأسماء من مواقعهم.
كما لم يتمكّن قائد الجيش من اقناع الرئيس بري بحل أزمة ترقية الضبّاط من رتبة عقيد إلى رتبة عميد حيث بقي الخلاف بين بري وباسيل أقوى من أي مسعى لرفع الظلم عن أي مسعى لرفع الظلم عن هؤلاء الضبّاط.
فرنجيّة… المشكلة!
باختصار، يجزم المطّلعون أنّ “مشكلة برّي مع قائد الجيش هي سليمان فرنجية” لناحية تبنّي ترشيح الأخير واعتباره رجل المرحلة وارتياح “بيئة برّي” للتعاطي السياسي مع رئيس تيار المردة أكثر بكثير من قائد الجيش فيما لو انتُخب رئيساً. والأهمّ هو كونه خياراً استراتيجياً يتشارك فيه مع الحزب من دون أن يعني برّي ما يتردّد من اتّهامات تعتبر “قائد الجيش أميركياً”. وبالتأكيد في الحرب المفتوحة بين جوزف عون وجبران باسيل يقف برّي إلى جانب “القائد”.
“تخريجة” 2008
في حديثه الأخير قال برّي: “انتخاب قائد الجيش يتطلّب تعديلاً دستورياً أعتقد أنّ حصوله في الوقت الحاضر متعذّر، إن لم يكن أكثر. الظروف الحالية لا تتيح حصوله، إضافة إلى عقبة تعديل الدستور في ظلّ حكومة مستقيلة”.
لم يغيّر برّي رأيه بين ما أدلى به في جلسة انتخاب سليمان في 24 أيار 2008 وما أدلى به اليوم. آنذاك اعترض النواب حسين الحسيني، بطرس حرب، نايلة معوض وجورج عدوان على السير بالانتخاب من دون تعديل الدستور الذي يمنع في المادّة 49 منه “انتخاب القضاة وموظّفي الفئة الاولى مدّة قيامهم بوظيفتهم وخلال السنتين اللتين تليان تاريخ استقالتهم وانقطاعهم فعليّاً”. يومها تخوّف هؤلاء من حصول سابقة قد تتكرّر عند أيّ استحقاق.
لكنّ “تخريجة” برّي، بناءً على رأي قانوني مدعّم من الوزير بهيج طبارة، كانت أقوى من أيّ نصّ دستوري بفعل ما سمّاه وهج اتفاق الدوحة و”إجماع النواب” على مرشّح اليرزة وسقوط المهل بقوّة واقع الفراغ الرئاسي الذي استمرّ 8 أشهر.
أدار برّي ظهره لـ”أبي الطائف” الرئيس الحسيني حين اقترح “اجتماع الحكومة في قاعة جانبية ووضع مشروع يعلّق الأحكام التي تحول دون انتخاب قائد الجيش المنصوص عليها في المادة 49 من الدستور ثمّ اعتماد المادة 73 منه”.
جاء ردّ برّي حاسماً: “المادة 74 هي المرعيّة الإجراء لا الـ 73، وبالتالي تسقط المهل”، قائلاً للحسيني: “أنا لا أخالف الدستور، وإنّما كنّا سنخالفه لو سِرنا على رأيك”.
نظريّة الفراغ وقائد الجيش
في الكلام المُعلن لبرّي اليوم أنّ مرحلة 2008 تشبّعت باستثناءات لا يوجد شيء منها في مرحلة ما بعد ميشال عون. لا توافق وطنيّاً على قائد الجيش، ولا تسوية خارجية شاملة كاتفاق الدوحة تشمل الحكومة وقانون الانتخاب، ولا إجماع شبيه بتصويت 118 نائباً لسليمان، ولا حكومة أصيلة في السراي. والأساس: فرنجية هو مرشّح الثنائي.
يوجد قاسم مشترك واحد بين المرحلتين لا يعيره برّي اهتماماً. وهو وجود فراغ رئاسي مماثل لعام 2008، قد يطول لأكثر من عام.
مع ذلك، يحسم برّي عدم إمكان تجاوز المهلة الدستورية التي نصّت عليها المادّة 73 المتعلّقة بالمهل الملزِمة للانتخاب، كما حصل عند انتخاب ميشال سليمان، والذهاب نحو تطبيق المادة 74 التي تنصّ على الآتي: “إذا خلت سدّة الرئاسة بسبب وفاة الرئيس أو استقالته أو سبب آخر، فلأجل انتخاب الخلف يجتمع المجلس فوراً بحكم القانون”، بوصفها مادّة مسقِطة لكلّ المهل بسبب الفراغ الرئاسي.
يعترف برّي في حديثه الأخير: “قوّة التسوية حَمَت قرار الانتخاب فلجأنا إلى تطبيق المادة 74 لا المادة 73 لانتخاب الرئيس”.
لم تأخذ الغالبية العظمى من الدستوريين يومها بـ”اجتهاد” عين التينة، وعلى رأسهم الرئيس الراحل حسين الحسيني، لكنّ برّي طوّع الدستور بما يخدم “تسوية الدوحة” وملحقاتها المُعلنة والسرّيّة.
يقول نائب عايش تلك المرحلة: “إذا لم أخطئ الظنّ قام برّي أو طلب من أحد النواب وضع ورقة يتيمة باسم صديقه النائب الراحل جان عبيد. وهكذا حصل”.
عون ليس قهوجي
راهناً، لا يبدو برّي بوارد القيام بأمرين:
– التذرّع بقوّة الفراغ، حتى في ظلّ أزمة هي الأخطر في تاريخ لبنان الحديث وتلامس خطّ الفوضى، للذهاب إلى انتخاب قائد الجيش من دون تعديل دستوري.
– الذهاب نحو تعديل دستوري يتيح انتخاب قائد الجيش رئيساً للجمهورية، على غرار انتخاب قائد الجيش الأسبق إميل لحود رئيساً للجمهورية، إذ يسلّم بأنّ هذا الأمر غير وارد في ظلّ حكومة مستقيلة تصرِّف الأعمال ومن المفترض أن ترفع اقتراحاً بهذا الشأن إلى مجلس نواب مكبّل أصلاً بالفيتو المسيحي المانع لالتئامه.
مَن واكب مرحلة الانتقال الرئاسي بين ميشال سليمان وميشال عون يقرّ بأنّ الرئيس برّي كان مستعدّاً لفعل عكس ما يُكبِّل به نَفسه اليوم: تعديل الدستور من أجل وصول قائد الجيش السابق جان قهوجي إلى قصر بعبدا بعدما ضغط باتجاه انتخابه في وجه تبنّي حزب الله ترشيح ميشال عون لرئاسة الجمهورية بدعم من رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع.
ملاك عقيل- اساس