المراهنة على تسوية حول فرنجية أم بديله: هل طهران مستعدة للتخلي عن “منصتها” لبنان؟
بين السعي للخروج من المأزق المرشح لإطالة أمد الفراغ الرئاسي، الذي حذّر منه البطريرك الماروني مرة جديدة في عظته الأحد الماضي، عبر تمسك «حزب الله» وحلفائه بترشيح رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية، وبين السعي إلى تسوية مع الخصوم عبر «الحوار والتوافق» كما يردد قادة «الحزب» يومياً، تبقى مساعي إنهاء الشغور الذي ينسحب على المستويات كافة، معلقة على بروباغندا ومناورات لا طائل منها.
حتى ما قبل ساعات لا يرى المطلعون على التحرك الذي يقوم به رئيس البرلمان نبيه بري بعيداً من الأضواء من أجل إحداث اختراق ما برافعة محلية وإقليمية، أنّ تقدماً ما قد حصل. وقد يكون حديث بعض الحلقات الضيقة عن هذه الجهود مبكراً ويبقى بحدود التمنيات أكثر مما يستند إلى خطوات عملية يمكن أن تتحقق. فبري يسعى منذ أشهر من دون نتائج. ولذلك أخذ بعض الأوساط يتوقع أن يسعى إلى تسوية إقليمية، لا تقتصر على القوى المحلية.
الخيار الأول أي التمسك بترشيح فرنجية الذي يرفضه السياديون والتغييريون والمستقلون، ومعهم «التيار الوطني الحر»، ينطلق من حسابات لدى حلفاء «الحزب» بالارتياح إلى القدرة على تأمين أكثرية الـ65 صوتاً وفق التعداد الذي قام به «الحزب» والحلفاء. أوساط هؤلاء والمقربين من فرنجية أيضاً يعتقدون أنّه ينطلق من قاعدة 56 نائباً مضمونين، من ضمنهم نواب حزب «الطاشناق» الثلاثة، والنائب محمد يحيى من تكتل «لبنان القوي» برئاسة النائب جبران باسيل، وأن العمل جارٍ على تأمين 9 أصوات وصولاً إلى أكثرية النصف زائداً واحداً، وهذا ليس صعباً في اعتقادهم.
ومن ضمن المراهنات أن «الحزب» بعلاقاته مع نواب من «التيار الحر» قادر على اجتذاب عدد منهم ممن لا يتناغمون مع سياسة باسيل ويريدون تجنب اتساع شقة الخلاف مع «حزب الله»، إلى درجة احتمال تصويتهم لمصلحة فرنجية، بذريعة الخلاص من الفراغ في الموقع الماروني الأول. كما أنّ أوساط حلفاء «الحزب» ما زالت تراهن على اجتذاب أصوات كتلة «اللقاء الديموقراطي» عبر اتفاق بين بري ورئيس «الحزب الاشتراكي» وليد جنبلاط، على رغم أن الأخير سبق أن أبلغ بري و»الحزب» بأنّ ترشيح فرنجية تحدٍ لفريق واسع ولا سيما للكتلتين المسيحيتين الكبريين، ولا بد من البحث عن مرشح توافقي، ما يجعل المراهنة على جذب أصوات من كتلة «الاشتراكي» مستبعدة.
سواء صحت هذه الحسابات أم تأكد خطأها مجدداً، وتبين أنّها أقرب إلى التمنيات، فإنّها تنطلق من معادلة «الحزب» بأن يكون فرنجية رئيساً أو لا أحد، مهما استمر الفراغ، وأن «لا خطة ب» لديه، في وقت تعتبر أوساط السياديين ومنهم حزب «القوات اللبنانية» أنه مع أضرار الشغور على البلد فإنّه أفضل من انتخاب رئيس ممانع، ما يعني الحؤول دون تأمين نصاب الثلثين كي تنعقد جلسة الانتخاب، من دون نواب «القوات» و»الكتائب» وبعض حلفائهما.
وهذا يعيد خيار فرنجية إلى الحلقة المفرغة نفسها. والترويج للأرقام المذكورة أعلاه لا يعدو كونه مضيعة للوقت. لكن رغم ذلك يعول محيط فرنجية على مؤشرات التقارب السعودي – السوري، لعله يقود إلى اتفاق بين الدولتين يغطي اسمه، انطلاقاً من إبلاغه من يلزم بأنه ليس مستعداً لتبوؤ الرئاسة من دون توافق مع المملكة وقبولها به، حتى لو تأمنت له أكثرية النصف +1. وهذا بذاته يعني أن هناك مراهنة على أن تنتج التسوية الإقليمية توافقاً على اسمه. لكن انتظار التسوية الإقليمية، إذا حصلت، سيأخذ وقتاً، لأن بين دمشق والرياض ملفات كثيرة مفتوحة غير لبنان، فضلاً عن أنّ لطهران كلمتها في التقارب السعودي – السوري المحتمل، والذي لا تحبذه إذا لم يأخذ مصالحها في الاعتبار…
أما الخيار الثاني، أي التوصل إلى تسوية على اسم آخر غير فرنجية ومرشح السياديين النائب ميشال معوض، الذي يعول البعض على أن يأتي نتيجة تسوية إقليمية، لكن بين السعودية وإيران، فأمامه تحديات كثيرة. هل أن طهران مستعدة للتخلي عن اعتبار لبنان منصة لها في تحركاتها ضد المملكة في اليمن، وضد سائر دول الخليج عبر أدواتها؟ فمن دون ضمان خروج لبنان الرسمي والسياسي من دائرة الصراع الذي تخوضه طهران مع الرياض على مستوى الإقليم، يستحيل على الأخيرة أن تخاطر بالموافقة على رئيس مطواع للأولى، التي تسببت هيمنتها على السلطة السياسية بعزلته وحصاره، من دون أن تتمكن لا هي ولا «حزب الله» من إنقاذه أو التخفيف من مآسيه.
وليد شقير- نداء الوطن