ما هي خلفيّة و”كلمة السر” في الإصرار على تمديد ولاية “عباس ابراهيم”؟

يئن كوكب الأرض من عودة “سباق التسلّح” ويرتعد الجنس البشري من تفلّت الرؤوس النووية من الاتفاقيات التي تحد من انتشارها، وتتكسّر سوريا وتركيا تحت ضربات الزلازل والهزّات الأرضيّة المتكرّرة، ويعاني لبنان الأمرّين من إسقاطه في جحيم لا تنطفئ ناره السياسية والمالية والاقتصادية والاجتماعية والحياتية، ومع ذلك فإنّ لا كلام في لبنان يعلو على اجتراح الخطط الرامية لتمديد ولاية المدير العام للأمن العام اللواء عبّاس إبراهيم، قبل انتهائها في الثاني من آذار (مارس) المقبل.

لماذا هذه الأهميّة التي تعطيها المنظومة السياسّة الحاكمة للواء إبراهيم، خصوصاً أنّ المديرية التي يتربّع على رأس هرمها لا تتميّز كثيراً عن سقطات غيرها من إدارات لبنان العامة، وهي العاجزة عن تأدية وظائفها الحصريّة، كتقصيرها، مثلاً، في توفير جوازات السفر للبنانيّين “غير المدعومين”، بتوقيت معقول؟

في الواقع، إنّ اللواء إبراهيم الذي كان قد أبقي في منصبه، بصفة مدنيّة، بعد انتهاء خدمته العسكريّة، ليس مجرّد مدير عام في الدولة، بل هو أكثر من ذلك بكثير، إذ إنّه يلعب دور الجسر بين “حزب الله” ومنظومة الدول التي ترفض التواصل المباشر مع الحزب، بسبب إدراجه في لوائح الإرهاب، تتقدّمها بطبيعة الحال الولايات المتحدة الأميركية.

وبهذا المعنى، فإنّ “حزب الله”، كلّما أراد إيصال رسالة إلى الدول التي تقاطعه توسّل إبراهيم والعكس صحيح.

ويثق “حزب الله” بإبراهيم كما تثق به الولايات المتحدة الأميركية، الأمر الذي يحوّله إلى حاجة للطرفين.

وقد لعب إبراهيم أدواراً عدّة بين الدولة العميقة التي يقودها “حزب الله”، والمجتمع الدولي عموماً وواشنطن خصوصاً.

وفي هذا السياق، كانت له صولات وجولات مع الوسيط الأميركي آموس هوكستاين، ما أوصل اتفاق ترسيم الحدود البحريّة إلى خواتيمها المعروفة.

ولم يكن هوكستاين يبدأ مهماته وينهيها إلا ويمر، إياباً وذهاباً، بإبراهيم، على اعتبار أنّ “حزب الله”، بصفته القوة الحقيقية المسيطرة على لبنان، يودعه “كلمة السر”.

وقد لعب المدير العام للأمن العام اللبناني، على سبيل المثال لا الحصر، دوراً رائداً في توفير ظروف مغادرة المدعى عليه في ملف انفجار مرفأ بيروت محمّد زياد العوف إلى الولايات المتحدة الأميركية، بمجرّد أن أطلق سراحه، في صراع فجّر التحقيقات المتعثّرة، النائب العام التمييزي القاضي غسّان عويدات.

ويتحرّك اللواء عبّاس إبراهيم في كثير من الملفات السياسية، انطلاقاً من ثقة “حزب الله” به وبدوره.

والمجتمع السياسي اللبناني مقتنع إلى حدّ اليقين بأنّ اللواء إبراهيم هو خليفة رئيس مجلس النواب نبيه برّي، بعد عمر طويل.

وعليه، فإنّ “حزب الله” يصرّ على استمرار إبراهيم في وظيفته، في وقت لا تمانع في ذلك أغلبية الطبقة السياسية اللبنانية التي نجح المدير العام للأمن العام في عقد صداقات معها، موفّراً لها ما تحتاجه من خدمات.

وثمّة من يظن بأنّ “حزب الله”، وتقديراً منه لجهود إبراهيم وخدماته، يريد أن يبقي عليه الحصانة الإداريّة في وجه التحقيقات في ملف انفجار مرفأ بيروت، خصوصاً أنّ المحقق العدلي طارق البيطار سبق أن ادّعى عليه.

لكنّ الأوساط السياسيّة اللبنانيّة تذهب إلى أبعد من ذلك، وتعرب عن اعتقادها بأنّ بقاء إبراهيم في منصبه ليس مطلب “حزب الله” فحسب بل هو مطلب الولايات المتحدة الأميركية أيضاً، لأن المسؤولين الأميركيين عن ملف الشرق الأوسط عموماً والملف اللبناني خصوصاً، يرتاحون إلى الدور الذي يلعبه إبراهيم، وهم سوف يعانون، قبل العثور على شخصية لبنانية موثوق بها، قادرة على لعب الأدوار الحاسمة التي يلعبها المدير الحالي للأمن العام.

ولكل هذه الأسباب، فإنّ غالبية الطبقة السياسية اللبنانية تختلف على كلّ شيء ولكنّها تتّفق على استمراريّة إبراهيم في منصبه.

المشكلة التي يعانيها الراغبون بالتمديد لإبراهيم تكمن في أنّ المقترحات التي من شأنها أن توصلهم إلى غاياتهم هذه تكبّدهم أثماناً باهظة، فتعديل القانون الخاص به في المجلس النيابي لا يحمل “صفة الضرورة الملحّة” التي يصر عليها كثيرون من أجل تأمين نصاب جلسة تشريعية، في ظل الفراغ الرئاسي، وما يصح على مجلس النواب يصح أيضاً على مجلس الوزراء، فيما المخارج الإدارية المقترحة مشوبة بعيوب كثيرة.

ثمّة من يعتقد بأنّ الجدال القانوني حول التمديد لإبراهيم يأتي في الوقت الضائع، لأنّ قرار بقائه في منصبه قد اتُّخذ، والإخراج المناسب، قانونياً كان أو غير قانوني، سوف يأتي في اللحظة الحاسمة!

فارس خشان- النهار العربي

مقالات ذات صلة