الشيخ الرفاعي واللغز الكبير.. هل لحزب الله علاقة باختفائه أم أن جهازاً أمنياً أوقفه؟
ما هو مصير الشيخ أحمد شعيب الرفاعي؟ هل هو مختطف أم متوار عن الأنظار؟ هل لحزب الله علاقة باختفائه؟ أم أن جهازاً أمنياً أوقفه وأخفى الامر عن المرجعيّات السياسية؟ هل هناك مجموعة أمنية غير لبنانية توّلت عملية الخطف؟
اسئلة متضاربة لا يمكن لأحد الإجابة عنها لكنّ الخوف الكبير، كما تقول مرجعية عكارية، من أن يستيقظ الجميع على خبر لا يسرّ أحداً، وهنا الفتنة الكبرى.
شاهد عيان
المعلومات الجديّة الوحيدة المتوافرة هي لشاهد عيان صودف مروره في المنطقة، فرأى سيارات ترجلت منها مجموعة ملثمّين مسلّحين ليقتادوا رجلاً ما، وما لبثوا أن صرخوا بالشاهد وهدّدوه، فسارع الى ترك المكان. العملية لم تستغرق سوى ثوان معدودة. بيد أنّ الشاهد عاد في اليوم التالي الى المكان، فلاحظ في ضوء الشمس وجود آثار القليل من الدماء على الأسفلت، ليقوم على الفور بإبلاغ الجهات الأمنية التي كانت وردتها شكوى عن اختفاء الشيخ الرفاعي.
وبمقارنة توقيت انقطاع الاتصال بالرفاعي مع توقيت حصول الاختطاف، تثبّت فرع المعلومات من أنّ المخطوف لم يكن سوى الشيخ الشاب. ومع شيوع الخبر ساد الاحتقان في بلدة القرقف وعموم عكّار. في البدء ظنّت عائلة الرفاعي ورجال الدين في دار الفتوى بعكّار أنّ جهازاً أمنياً يقف خلف الحادثة، فانهالت الاتّصالات من مفتي عكار وعلمائها ومفتي الجمهورية على الأجهزة الأمنية وقياداتها. “لكنّ الأجهزة الأمنية أجمعت أنّه ليس عندها، وأنْ لا علم لها بما حصل”، وفق قول الشيخ خالد إسماعيل مدير مكتب مفتي عكّار لـ”أساس”. دارت الشكوك حول مسؤولية مخابرات الجيش بالاستناد الى “عادة” القوّة الضاربة فيها بإبقاء بعض الموقوفين لمدة 72 ساعة قبل الإعلان عن وجودهم لديها. “لكن العميد طوني قهوجي، مدير استخبارات الجيش، أكّد لي في اتّصال على هاتف المفتي زكريا مساء الثلاثاء أنّ الرفاعي ليس لديها ولا تعرف عنه شيئاً، وطلب مني إبلاغ المفتي بذلك”، وفق إسماعيل.
عصر الإثنين الماضي خرج الرفاعي من منزله، بعد أنْ أبلغ عائلته أنّ لديه اجتماع مع أناس في طرابلس، من دون أنْ يذكر من هم هؤلاء الأشخاص وما هي صفتهم. بعدها توقّف في البدّاوي وأدّى صلاة المغرب في مسجد البركة، ثمّ دخل الى محطّة محروقات للتزوّد بالبنزين. وفي 6:45 انقطع الاتصال به، حيث أظهرت حركة هاتفه آخر إشارة بمنطقة خلف الجامعة العربية قرب الأتوستراد الذي يربط الشمال ببيروت، وهي منطقة خالية في هذا الوقت من العابرين.
مرجعية عكارية أشارت لـ”أساس” أنّه كلما طالت فترة غياب الشيخ الرفاعي كلما تعقّدت الأمور. وأبدى خشيته من أن تكون قضية الشيخ الرافعي كقضية الشيخ عرفان المعربوني الذي خرج يوم 3 آذار 2013 من بلدته بر الياس البقاعية ولم يعد حتى الساعة.
وحسب المعلومات فإنّ الاستخبارات السورية اختطفت الشيخ عرفان من داخل الأراضي اللبنانية واقتادته الى فرع فلسطين في دمشق. ومذاك ومصير الشيخ عرفان مجهول وابنته ذات الخمس سنوات كبرت وصار عمرها 14 عاماً وهي محرومة من رؤية والدها فقط، لأنّه كان معارضاً لنظام “تفوّق في إجرامه على التتار والمغول”، كما قال في آخر خطبة له.
هل يختفي الشيخ أحمد شعيب الرفاعي أيضاً كما اختفى الشيخ عرفان؟
غموض وحزن
يتحمل مفتي عكّار الشيخ زيد بكار زكريا العبء الأكبر في القضية. فمنذ اللحظات الأولى لانتشار الخبر وهو يعمل على مواجهة حالة الاحتقان في الشارع العكاري، والتخفيف من الأجواء المشحونة. وفي الوقت عينه يتابع ملابسات القضية مع مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان والقيادات الأمنية.
يؤكّد المفتي زكريا على عدم وجود دليل يشير الى الجهة التي تقف خلف اختفاء الشيخ الرفاعي، داعياً الى التروّي، ورافضاً أيّ اتّهامات مسبقة، ويتساءل في حديث لـ”أساس” بصوت يبدو الحزن واضحاً عليه عن سبب اختطاف الرفاعي الذي “ليس رئيس حزب أو تنظيم”. نافياً أنْ يكون السبب بعض الخلافات العائلية كما روّج البعض. “لو كان ذلك صحيحاً لما استُخدم هذا الأسلوب، إذ كانوا أطلقوا عليه النار مباشرة في ظلّ الفوضى السائدة وتفلّت السلاح، كما أنّهم لم يكونوا بحاجة الى استدراجه الى طرابلس. هناك علامة استفهام كبيرة حول ما جرى. والخطف عمل ثقيل ومربك ويحمل الجميع أعباء وأثقالاً عظيمة”.
وعن الخطوات التي سيتّم القيام بها في الأيّام المقبلة في حال عدم تبيّن مصير الشيخ الرفاعي يقول زكريا: “ليس لدينا أيّ حلّ سوى الضغط على الأجهزة الأمنية لمتابعة القضية حتّى خواتيمها. فنحن مرجعيتنا الدولة فقط”. وينوّه بعائلة الشيخ المخطوف التي تتحلّى “بوعي كبير وتتمسك بالهدوء، وترفض الانجرار خلف بعض الدعوات الغاضبة”.
ويشدد زكريا على ضرورة الهدوء وإعمال لغة العقل، “وهذا ما أجمع عليه مفتي الجمهورية ومفتي المناطق والسادة المطارنة”، ولا سيّما أنّ الدافع الى الخطف قد يكون إثارة فتنة طائفية ومذهبية، مشيراً في هذا الإطار الى العبوة التي ضبطتها الأجهزة الأمنية على باب كنيسة في بعلبك، في رسالة واضحة الى البطريرك الراعي. ويختم زكريا حديثه بـ”الدعوة والتضرع الى الله بعودة الشيخ أحمد شعيب الرفاعي سالماً”.
مرجعية سياسية رسمية أشارت لـ”أساس” أنّ كافة الاجهزة الامنية الرسمية أكدت عدم وجود الشيخ رفاع يلديها وهي صادقة بما تقول. ولكن في السياسة يستوقفنا مؤشران:
– رئيس القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع كان أول المتصلين بسماحة المفتي لمتابعة القضية.
– الكم الضخم من الاشاعات والاتهامات المباشرة لأحد الاجهزة الامنية بالوقوف خلف الحادث.
من هو الشيخ الرفاعي؟
الشيخ أحمد شعيب الرفاعي، رجل دين شاب، حاصل على دكتوراه في الشريعة الإسلامية من جامعة طرابلس. وهو سليل أسرة تعود بنسبها الى آل البيت النبوي الشريف، وإمام وخطيب مسجد ببلدة القرقف في عكّار، ويحمل اسم الجد الأكبر للأسرة والقطب الكبير أحمد الرفاعي.
اللافت أنّ الشيخ الرفاعي وقبل اختفائه كتب ثلاث تعليقات متتالية في اليوم نفسه تتحدث عن الموت وعلاقة الانسان بالرحيل حيث قال: “هنيئاً لمن يخرج من هذه الدنيا نظيفاً طاهراً غير ظالم ولا غفلان”.
وفي الثانية كتب: “مخطئٌ وغافلٌ وجاهلٌ من يظن أنّ الموت بعيد عنه مهما كان بصحة جيدة وعمر صغير يجب عليك ان تكون مستعداً للقاء ربك كل يوم وبأيّ وقت فالموت بين ضلوعك”.
أما في الثالثة كتب: “ليس الغريب ان يتعطل جسد الانسان ويموت بل الغريب ان يستمر هذا الجسد بهذه التعقيدات بالاستمرار بالعمل سنين مديدة لولا قدرة الله وألطافه”.
سامر زريق – اساس