لقاء بين جنبلاط وارسلان على وقع تطورات استثنائيّة: ماذا يجري بين كبار المرجعيات الدينية الدرزية؟
ما يجري بين كبار المرجعيات الدينية الدرزية من انقسامات، وخروج عن طاعة ومشورة القيادات السياسية الدرزية من وليد جنبلاط وطلال ارسلان ووئام وهاب، شكل حدثا بارزا، وخلف قلقا فعليا وصدمة لهذه القيادات، ادت الى سقوط كل الاعتراضات “والفيتوات” التي كانت تحول دون عقد لقاء بين جنبلاط وارسلان منذ الانتخابات النيابية، وخروج ارسلان من الندوة البرلمانية وسقوط مرشحه مروان خير الدين في حاصبيا، فيما معركة رئيس “تيار التوحيد” وئام وهاب كانت مع جنبلاط مباشرة، وزج فيها كل ما يملك لاسقاطه… فيما اتهمت الماكينات الارسلانية يومذاك جنبلاط بالانقلاب على التفاهمات في عاليه وحاصبيا .
وحسب المتابعين لاوضاع الطائفة الدرزية، عقد اللقاء بين جنبلاط وارسلان منذ ايام في منزل صديق مشترك، وهو الاول منذ الانتخابات النيابية، وعلى وقع تطورات داخلية درزية لافتة ونادرة تحدث للمرة الاولى في الطائفة الدرزية، تمثلت بقرار استثنائي من المرجعية الدرزية الدينية الاولى الشيخ ابو يوسف امين الصايغ الباس “العمامة المكولسة” للمشايخ: ابو يوسف امين العريضي، ابو داود منير القضماني، ابو سعيد انور الصايغ وابو طاهر منير بركة، دون اي تشاور مع القيادات السياسية الدرزية، واعتبار هذا الامر شأنا دينيا لا علاقة لرجال السياسة فيه، رغم ان ارسلان قام بمباركة الخطوة.
اشارة هنا، الى ان العمامة المكولسة “المدورة” هي اعلى رتبة دينية عند الدروز، ولبسها المشايخ التقاة ابرزهم: ابو حسن عارف حلاوي، ابو محمد جواد ولي الدين، ابو سليمان حسيب الصايغ، ابو صالح محمد العنداري، امين ظريف في فلسطين المحتلة وابو سعيد امين ابو غنام وغيرهم .
الانتفاضة الدينية على القيادات الدرزية الذي يقودها الشيخ امين الصايغ، سبقها انتفاضة سياسية في الانتخابات النيابية، ادت الى خروج زعامة تاريخية من الندوة النيابية على يد مارك ضو وفراس حمدان، وسقوط وهاب، وتراجع كبير في اصوات جنبلاط لمصلحة المجتمع المدني الذي نال اكبر نسبة من الاصوات بين الشباب الدروز، وتحديدا في المغتربات ومناطق عاليه والشوف وحاصبيا .
وحسب مصادر درزية، فان الخلاف وقع بين جنبلاط والشيخ امين الصايغ على اثر قيام رئيس “الاشتراكي” بتعيين الشيخ سامي ابي المنى شيخ عقل للطائفة الدرزية، ورغم ان ابي المنى يتمتع فعليا بكل المواصفات المؤهلة لهذا المركز، فان التعيين تمّ دون موافقة وبركة الشيخ الصايغ، وعدم الاخذ باللائحة التي قدمها وازعجت حينها جنبلاط، كما انه تم تعيين ابي المنى من قبل المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز، الذي يدين بالولاء الكامل لجنبلاط بنسبة تفوق المجالس الديموقراطية في الانظمة الشمولية ٩٩,٩٩٪ . ويجب الاشارة هنا الى ان ارسلان ووهاب تدهورت علاقتهما بالشيخ الصايغ .
وتضيف المصادر الدرزية، ان الشيخ ابي المنى لم ينل بركة الشيخ الصايغ، ومعه عدد لا بأس به من المشايخ، وفشلت كل المحاولات لترتيب زيارة لشيخ العقل الى الشيخ امين الصايغ، رغم قيام ابي المنى بخطوات جريئة، تمثلت بزيارة وهاب بمنزله في الجاهلية، ونسج خيوط ودية مع شيخ عقل الدروز الذي عينه ارسلان الشيخ نصر الدين الغريب .
وتتابع المصادر الدرزية، تم تجميد الخلافات لكن النار بقيت تحت الرماد، وانفجرت مجددا اثر قيام الشيخ ابو صالح محمد العنداري، وهو من المرجعيات الدينية العليا، بالباس العمامة المدورة للشيخ ابو فايز امين مكارم بدعم من جنبلاط ومباركة شيخ العقل يومذاك نعيم حسن، دون علم الشيخ الصايغ وكبار المشايخ، مما اثار غضبهم ورفضوا القرار في اجتماعات حاشدة، واتخذ الشيخ الصايغ قرارا بعدم ارتداء العمامة المكولسة . وقد نجح الشيخ ناصر الدين الغربب والشيخ ابو سهيل غالب قيس في اقناع الشيخ الصايغ ارتداء العمامة المكولسة مجددا، وانضم المشايخ ابو محمود سعيد فرج وابو مسعود هاني جابر وابو علي سليمان ابو ذياب الى جهود ترتيب البيت الديني،وقاموا مع الشيخ العنداري بزيارة الشيخ الصايغ في شارون، لكنه لم يسقط اعتراضاته، و رد بمقابلة صحافية حمّل فيها جنبلاط مسؤولية الازمة داخل الطائفة الدرزية، واتهمه بالاستئثار والسيطرة على موقع مشيخة العقل وتجاهل المشايخ، مؤكدا عدم القبول بذلك، ودعا الشيخ الغريب الى التنحي الذي بدوره رد بكلام عنيف اثناء استقباله وهاب بمنزله في كفرمتى.
ومنذ عدة ايام قام الشيخ الصايغ بالباس العمامة المكولسة لـ ٤ مشايخ مشهود لهم على الصعيد الديني، وسط مباركة دينية واسعة ستشكل حتما مسارا جديدا، ونهجا يؤشر الى تبدلات في المزاج الدرزي يجب ان تأخذه القيادات بعين الاعتبار، وتقول المصادر الدرزية ان الاوضاع داخل البيت الدرزي تفاقمت جراء الاوضاع الصعبة والغياب الشامل للخدمات وتحديدا الصحية، وعدم الحصول عليها الا بعد جواز مرور سياسي، بالاضافة الى البطالة في اوساط الشباب والهجرة الى بلاد الله الواسعة وخسارة كل المواقع الاساسية، والانكى ان النائبين مارك ضو وفراس حمدان غائبين عن الوعي درزيا، ومن الطبيعي ان يؤدي ذلك الى هذه النتائج.
واشارت المصادر الدرزية الى ان عدم رؤية هذه الحقائق يشكل كارثة بحد ذاتها تؤدي الى تفاقم الخسائر . علما ان الراحلين كمال جنبلاط ومجيد ارسلان تحكما بالامور الدينية للدروز على الصعيد الرسمي، لكنهما تركا هامشا واسعا للمشايخ دينيا، فيما العلاقات مع جنبلاط وارسلان شهدت محطات خلافية، وتحديدا مع المرحوم الشيخ بهجت غيث، وتباينات احيانا مع المرحوم الشيخ محمد ابو شقرا، صاحب العقل المؤسساتي الذي وضع حجر الاساس لمستشفى عين وزين بدعم من الشيخ غيث، كما بنى دار الدروز في فردان .
رضوان الذيب- الديار