الأفق مسدود تماماً سياسياً واقتصادياً: هل يحتاج لبنان دكتاتوراً؟

بات واضحاً أن الأمل مفقود بقيامة لبنان بتركيبته السياسية الحالية التي تشمل النظام السياسي القائم بقواه وأحزابه وأشخاصه ونصوصه. هذه المنظومة انتهت فترة صلاحيتها ولم تعد تنفع لشيء، الأزمة أكبر منها وأعقد من أن يدركها عقلها وتحلها نصوصها. وتأتي الأزمات الدولية المتلاحقة والمعقدة لتزيد الوضع اللبناني تعقيداً.

على المستوى الداخلي الأفق مسدود تماماً سياسياً واقتصادياً، ولم يعد سراً أن البلد يعاني أزمة نظام رغم كل محاولات عدم الاعتراف بها. ليس اللبنانيون متفقين على النظام السياسي رغم التأكيدات اللفظية للتمسك باتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية ووضع قاعدة للدستور الجديد قائمة على المناصفة الطائفية بين المسيحيين والمسلمين في مؤسسات الدولة الدستورية ومناصب إداراتها المهمة. لكن الطائف لم ينفذ بكل بنوده، لا سيما لجهة إلغاء الطائفية السياسية وإقامة مجلسين، واحد للنواب خارج القيد الطائفي وواحد طائفي للشيوخ، وبالتأكيد لن تنفذ هذه البنود من الاتفاق لا اليوم ولا غداً ولا بعده. ما نفذ منه هو مبدأ المناصفة الذي انسحب من المناصب المهمة الى كل وظائف الدولة فوضع كل البلد في أيدي حفنة من “الزعماء” الذين، باسم الطوائف، استأثروا بكل شيء لأتباعهم بغض النظر عن امتلاكهم الكفاءة من عدمها.

البلد مأزوم ومفلس ومنهار تماماً، لم يعد هناك سوى إعلان المجاعة رسمياً، والسياسة تدور وتدور، جعجعة بلا طحين والكل متمترس خلف طائفته.

وفي هذا الوضع لا أحد يبادر بخطوة الى الأمام. وكأن الفرقاء السياسيين قد أعياهم التفكير ويكادون ينفضون يدهم من هذا النظام.

ليس سراً الخلاف القائم حول البلد والنظام والهوية. انتخاب رئيس جديد للجمهورية ثم تأليف حكومة وتعيين الموظفين، هي صلب هذا الخلاف.

يتداول مسيحيون فكرة قديمة جديدة، نشأت في الحرب الأهلية وعاد الحديث عنها مجدداً، تقول الفكرة إن لبنان القديم المركزي لم يعد قابلاً للحياة فتعالوا نفكر بصيغة أخرى: الفيدرالية هي الحل المنشود. نستطيع أن نعيش معاً، لكننا لن نستطيع أن نحكم معاً، فلنتوزع البلد ولتحكم كل طائفة مناطق تواجدها الأكثري لا مركزياً. طبعاً هذه الفكرة تجد صدى، حتى عند بعض المسلمين الذين يئسوا هم أيضاً من إمكان قدرة النظام على إدارة البلد.

المسلمون في مكان آخر، السنّة العروبيون تقليدياً، انكفأوا الى حدود الكيان، لكنهم غير مستعدين للانكفاء أكثر الى داخل بيروت وطرابلس وبعض عكار. والدروز لن يستطيعوا العيش وحدهم في الجبال بين كانتونات الشيعة والمسيحيين والسنّة. الشيعة يجدون الكيان كله أصغر من طموحهم، “حزب الله” أخذهم الى الإقليم فباتوا جزءاً من أزمته وعاملاً مؤثراً في أحداثه. ليس لبنان همهم الوحيد ولا الأول ربما. أساساً هناك إشكالية هوياتية كبيرة في ايديولوجيا الحزب العابر للعالم. الشيعة الآخرون المؤمنون بلبنان بلداً نهائياً ليس الزمن زمن البوح بما يكتمونه من رؤية للكيان والنظام، فما يجري حول لبنان أكبر من لبنان واللبنانيين.

المسيحيون جبهة واحدة رغم تفرقهم وصراعاتهم الداخلية. كلهم ضد سليمان فرنجية مرشح “حزب الله” للرئاسة وضد أي مس بما يعتبرونه مناصب مسيحية وصلاحيات رئاسية وميثاقية وضد جلسات نيابية وحكومية، يلتقي في ذلك جبران باسيل وسمير جعجع وسامي الجميل وغيرهم. و”حزب الله” ومن معه جبهة لا تتزحزح تريد رئيساً مؤيداً لها تحت شعار “نريد رئيساً لا يطعن المقاومة” وهو شعار يشير الى سليمان فرنجية الذي هو من محور الممانعة بكل وضوح. الباقون لا يقدمون ولا يؤخرون يجذبهم التيار.

وبين ما يريده المسيحيون، سراً وعلانية، وبين ما يريده “حزب الله”، تصريحاً وتلميحاً، هوّة واسعة جداً، لا أحد قادراً على ردمها حالياً. تحتاج دكتاتوراً ربما، وحتى هذا لم يعد متاحاً.

تأتي حرب أوكرانيا، ثم زلزال تركيا وسوريا ليزيدا وضع لبنان تعقيداً، العالم مشغول بما هو أهم بكثير من لبنان الذي لم يجرِ بعد مراجعة ذاتية لما حل به، ولم يتخذ إجراء تصحيحياً حقيقياً واحداً ولم يطرد فاسداً كبيراً ولم يعاقب سياسياً. حرب اوكرانيا تستنزف الغرب والشرق وعليها يتوقف مصير العالم، وكلفتها أصبحت بالتريليونات. فولودومير زيلينسكي هو محور العالم اليوم وليس بلوكات النفط المحتمل قبالة الشواطئ اللبنانية. لقد أوجد الغرب بدائله ولم يعد نفط لبنان المحتمل حاجة عالمية.

زلزال تركيا وسوريا استقطب أموال المساعدات من كل حدب وصوب، المخازن فتحت للبلدين المنكوبين، لبنان ليس منكوباً بالزلزال، بل منكوب بأهله وعليهم تدبر أمرهم. مسكين إيمانويل ماكرون يصارع وحده من أجل لبنان لكن الاستجابة معدومة ومشروطة بأن يتغير اللبنانيون، وسبحان من بيده أمر التغيير.

راغب جابر -النهار العربي

مقالات ذات صلة