مهرجان “بيروت للأفلام الفنية” يحتفي بذكرى أنسي الحاج
لطالما شكّل أنسي الحاج حالةً نادرةً في تاريخ الشّعر العربي، ونجح من دون منازع في ان يكون أهم أعمدة قصيدة النثر والحداثة بدءاً بديوانه الأوّل “لن” الذي أحدث ضجّةً وانقلاباً هزّ عالم الشعر بفرادته وجرأته ومفرداته غير المعهودة.
اليوم تحلّ الذكرى السنوية التاسعة لغيابه، هو الذي ترك مكانةً لم يستطع ملئها سواه. صنع الاختلاف وكتب وحكى بلغةٍ لا تشبه غيره. الشاعر المتمرِّد على الماضي المندثر والقِيَم الثابتة، عرف كيف يكون خير وارث للمدرسة الجمالية التي كانت نشأت في المقلب الأخير لعصر النهضة. وعرف أيضاً كيف يجمع بين المخيِّلة الخلَّاقة والتناغم الخفيّ.
وتزامناً مع هذه الذكرى، صدرت عن “دار المتوسط” الأعمال الكاملة للراحل تحت إشراف ابنته ندى الحاج. ويتضمّن المجلد الأول مجموعاته الشعرية الست: “لن”، “الرأس المقطوع”، “ماضي الأيام الآتية”، “ماذا صنعت بالذهب ماذا فعلت بالوردة”، “الرسولة بشعرها الطويل حتى الينابيع” و”الوليمة”.
كما ضمّ المجلّد أيضاً، سيرة ذاتية مطوّلة عن الشاعر بعنوان “أنسي الحاج شاعراً وناثراً”.
واحتفالاً بالمناسبتين، نظم مهرجان “بيروت للأفلام الفنية” BAFF أمسيةً تكريميةً أمس حملت عنوان “قولوا هذا موعدي” على مسرح ليلى تركي في المكتبة الشرقية التابعة لـ”جامعة القديس يوسف”، الذي ضجّ بالحضور ولم يتّسع للاعداد التي توافدت للمشاركة بالحدث.
وعلى مدخل المسرح، افترشت المكان الطبعات الأولى من مجموعة انسي الشعرية التي ستنطلق نحو الأجيال الجديدة لتخبرها عن جمالية الشعر وقوانين النثر بقلم أستاذ عرف كيف يجعل منها مدخلاً إلى أسرار الحياة والإنسان وإلى المجتمعات بمختلف أطيافها.
وفي لوحة موسيقية شعرية فنية متناغمة، قدّمها كل من الشاعر عبدو وازن، الفنان المسرحي رفعت طربيه، الممثلة جوليا قصار، علي مطر، الشاعرة والكاتبة ندى أنسي الحاج، الفنانة رانيا غصن الحاج وعازف الكمان فريد نصر وبتوقيع المخرجة المبدعة لينا أبيض، انتقل الحضور إلى عالم من التميّز الشعري والنثري الممزوج بأنغام تشبه أنسي الحاج بصلابته ورقيّه وتوهّج أفكاره.
ندى الحاج وصفت المناسبة بالعرس، مؤكدةً أنها عملت ليلاً ونهاراً إصراراً منها على إصدار الكتاب يوم 17 شباط ذكرى وفاة والدها. وقالت: «اليوم احتفلت بانتصار صدور هذا الكتاب الذي منه اخترت المقاطع الشعرية التي سمعناها في هذه الأمسية بروح أنسي وطريقته حيث لمسنا عطش الناس للروح الشعرية التي نفتقدها في أيامنا هذه». وأضافت: «هذه المجموعة سنختتمها بإصدار خواتم ثلاثة تتمثل بالمقالات التي كتبها والدي على مدى 7 سنوات ولم يتمكن من جمعها في كتاب ونشرها، فأوكل الي هذه المهمة التي سأبذل كل ما بوسعي لإتمامها فأحقق حلمه وأصل بصوته وشعره الى الأجيال المقبلة».
وفي لقاء مع الشاعر والناقد عبدو وازن على هامش الأمسية، قال: “إنّ هذه المناسبة المزدوجة تدفعنا للاحتفال الشامل بأنسي الحاج، فيها قرأت ظاهرة هذا الشاعر الكبير مؤسس قصيدة النثر في العالم العربي هو الذي كتب قصائد حب غير مألوفة انتقل فيها من مرحلة الغزل إلى قصيدة الحب التي تجعل من المرأة ذاتاً وليس موضوعاً”.
وأعلن أنه وبعد المجلّد الأول سيتوالى إصدار بقية الأعمال تباعاً، المعروفة منها والمجهولة، وهي: “خواتم” مجموعة نثر ونصوص أنسي الحاج، “كلمات” وهي مجموعة الزاوية التي كان يكتبها في ملحق “النهار” (1960 – 1975)، “ترجمات”، ثم كتاب عن الحوارات التي أجريت مع الشاعر الراحل.
أما المخرجة لينا أبيض فأكدت أنها لم تقرأ وتتعرف إلى أعمال أنسي الحاج إلى أن قام عبدو وازن بدعوتها للمشاركة في هذه المناسبة، وتقول: “دفعتني حشريتي إلى دخول عالمه هذا فقرأت وقرأت واندهشت، نصوص بسيطة وعميقة في آن، مليئة بالصور والأحاسيس، تحاكينا وتحكي عنّا”.
وأضافت: “عشت خلال التحضير لهذه الأمسية تجربة مسرحية لن أنساها بين إبداع جوليا قصار ورفعت طربيه وندى الحاج المرهفة الإحساس والرائعة رانيا الحاج التي غنّت الشعر بطريقة لم أشهدها من قبل كما وفريد نصر المميز”، مؤكدةً أن عمق كتابات أنسي الحاج ساعدت في تسهيل العمل وجمع الفريق بسلاسة وحميمية وأن النصوص التي سمعتها كانت بمثابة جلسات علاج نفسية وذهنية لها.
الفنانة رانيا الحاج كنة الراحل، جمعتها به قصص لا تُحصى من الحب والعفوية والحنان، أخبرتنا عن أنسي الأب والجد الذي كان وجوده مميزاً داخل العائلة وكان محبوب صغارها وكبارها. وقالت: “غاب جسدياً، إنما فلسفته الحياتية وكلمته لا تزالان على قيد الحياة والتطبيق، اليوم نعيد إحياء أعماله ونحاول إيصالها إلى أكبر عدد ممكن من الناس خصوصاً الأجيال الصاعدة، مضيفةً: “أنا اليوم أحييه بصوتي، أقدم له روحي وبهما أقول له: “اشتقتلك”.
عازف الكمان فريد نصر الذي شارك بشغف في الأمسية التكريمية لم يتوانَ عن التعبير عن فخره وامتنانه لانضمامه الى هذه الاحتفالية المميزة وقال: “أنا محظوظ وفخور لكوني أعزف هنا الليلة في ذكرى تكريم شاعر ومفكّر من مسقط رأسي جزين، لامس الملايين بروحانيته وفكره”. وأكد أن الموسيقى والشعر انسجما في هذه الأمسية في لوحةٍ رائعةٍ خلّدت ذكرى شخصية فريدة في تاريخ الأدب.
نداء الوطن