نصرالله و”تفاوض القوة”: التسوية معي وليست عليّ
كتب منير الربيع في المدن: ذهب أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله بعيداً في رفع سقف موقفه وتهديداته. في الشكل والمضمون، أراد نصرالله تكرار تجربته التفاوضية في ملف ترسيم الحدود، واستخدام ديبلوماسية القوة للوصول إلى الحلّ الذي يريده.
لكن الظرف الحالي مختلف كلياً عن ظرف الترسيم وآلياته. عندما أرسل حزب الله مسيّراته باتجاه حقل كاريش، وهدد بالعمل العسكري، خاض مفاوضات دفعت إلى إنجاز الاتفاق. وهذا ما سجّل لحسابه انتصاراً بغض النظر عن النتيجة النهائية، والتي أوصلت إسرائيل إلى بدء الإستخراج والتصدير فيما لبنان لا يزال متأخراً. لكن هذه المعادلة لا يمكن أن تصح في استحقاق داخلي. إذ أكد نصرالله بطريقة أو بأخرى أنه مستعد للجوء إلى حرب مع العدو الإسرائيلي للالتفاف على استحقاقات داخلية أو لمواجهة الضغوط.
معادلة غير مقبولة
أشار نصرالله بوضوح إلى أنه في حال استمرت الضغوط الدولية لإشاعة الفوضى واستهداف بيئة المقاومة، فإنه سيلجأ إلى الردّ بالتصعيد ضد إسرائيل. تلك المعادلة لا يمكنها أن تكون مقبولة لا لبنانياً ولا خارجياً، ولا حتى داخل بيئة المقاومة. كذلك يعلم حزب الله أن مثل هذا الأسلوب لا يؤدي إلى معالجة الأوضاع الاقتصادية والمالية المتدهورة. ومما لا شك فيه أنه بعد إنجاز اتفاق ترسيم الحدود، وبشهادة مسؤولين بارزين، على رأسهم رئيس الجمهورية ميشال عون، الذي أعلن قبل يومين من خروجه من قصر بعبدا، إن إنجاز اتفاق الترسيم حصل بناء على معطيات وضمانات أمنية بين الطرفين بأنه لن يحصل أي تصعيد. ما يعني أن لا حزب الله في وارد الذهاب إلى حرب، ولا الإسرائيليون المنشغلون في أزماتهم الداخلية يريدونها.
ولكن لماذا هذا التصعيد في كلام السيد؟ في البداية يبقى رفع السقف إلى هذه الدرجة، نوع من فرض الموقف، والتوجه إلى جميع في الخارج والداخل بأن الحلّ لا بد أن يكون في التحاور. صحيح أن نصرالله حاولة التصويب على نتائج اجتماع باريس، ولكن الهدف من وراء ذلك هو لمنع محاولة الخارج فرض سياق معين لأي تسوية. ولذلك كان صريحاً بأنه لا يمكن لأحد أن يفرض على اللبنانيين ما لا يريدونه. معنى هذا الكلام هو استشعار حزب الله للمزيد من المخاطر الاجتماعية والتحركات الاحتجاجية، في محاولة لخلق سيناريو أمني اجتماعي يؤدي إلى فرض تسوية لا تناسبه، وهو ما لا يريده، إنما يريد الجلوس على طاولة للبحث في الاتفاق.
مسارات المنطقة
في مقابل التصعيد الذي قرأه الحزب في لبنان، يقرأ أيضاً محاولات وتلمسات ترتبط بالوضع في المنطقة، من التهدئة في اليمن، إلى الرسائل الأميركية للإيرانيين حول استعدادهم للتفاوض المباشر، والتي كشف عنها نصرالله، بالإضافة إلى ترتيب الوضع في العراق، وصولاً إلى المعلومات التي تشير إلى استمرار التواصل السعودي السوري تمهيداً لزيارة سياسية. وبالتالي، كل هذه المقومات تفيد بإمكانية أن تنسحب هذه التطورات على الساحة اللبنانية، ولكن مدعّمة بتحركات تصعيدية، وهي التي يريد حزب الله التصدي لها.
على الرغم من اللهجة التصعيدية، إلا أن مضمون الخطاب ينطوي على الاستعداد للتسوية. وهنا لا بد من تسجيل ملاحظة أساسية، أنه في حال أراد حزب الله الذهاب إلى تسوية فلا بد لها أن تكون مع الخارج، وهي تستدعي بالطبع تقديم تنازلات معينة. وأي تسوية تفرض التواصل مع قوى المعارضة، وهو يمهّد لذلك من خلال تشديده على الحوار الداخلي للوصول إلى تفاهم.
ميقاتي وسلامة
في موازاة، تصعيد نصرالله، كانت السفيرة الفرنسية في بيروت تحدد مواعيد لسلسلة لقاءات سياسية مع مسؤولين مختلفين، للبحث معهم في تفاصيل اجتماع باريس، وهي التقت الجمعة برئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، ورئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، بالإضافة إلى اللقاء مع حزب الله، والهدف وضع غالبية هؤلاء الأفرقاء في ما يمكن فعله للاقتراب من الحل.
أيضاً، بالتزامن مع موقف أمين عام الحزب، كان لبنان لا يزال يراقب تداعيات التسريب الأميركي حول احتمال فرض عقوبات على حاكم مصرف لبنان.
وهذه تندرج في سياق التهديد ورفع منسوب الضغط. وهذا ما انعكس توتراً على الساحة السياسية ككل، فساد الإرتباك على خط رئاسة الحكومة. إذ ان مصادر ميقاتي وعندما تلقت التسريب الأميركي سارعت إلى القول إن حاكم مصرف لبنان غير قادر على التدخل في السوق. مثّل هذا التسريب نفضاً لليد من حاكم المصرف المركزي. ولكن يوم الخميس صدر نفي ديبلوماسي أميركي لهذا التسريب، فيما أجرت السفيرة الأميركية اتصالاً بحاكم المصرف أشارت فيه بكلام هادئ إلى أن التسريب غير واقعي، إلا أن هناك من لم يقتنع بهذا الكلام.
ولكن تداعيات الاتصال انعكست في نفي مصادر السراي الحكومة للتسريب الذي نسب لميقاتي، ودفعت إلى عقد اجتماع بين رئيس الحكومة وحاكم المصرف ونواب الحاكم، للبحث حول آلية التدخل بالسوق للجم ارتفاع سعر صرف الدولار. كل ذلك يشير إلى ان المسار القائم مستمر، مشاهد الاحتجاج في الشارع قابلة للتكرار، لإعطاء المزيد من الدفع في سبيل تفعيل الحركة السياسية وإنتاجيتها.