ايران لن تهدأ ولو سقط الشرق الأوسط على رؤوس الجميع: هل ينقض الشرع على لبنان ويصطدم مع “الحزب”؟

الشرع بعد الأسد… هل ينقض على لبنان؟
لن تهدأ ايران قبل أن تتمكن من اعادة فتح المعبر السوري في اتجاه لبنان حتى لو سقط الشرق الأوسط على رأسها ورؤوس الجميع.
هذا هو الانطباع الذي يلامس حدود الاقتناع لدى متابعي الحال الايرانية الخانقة التي أعقبت سقوط بشار الأسد وانتقال الحكم الى تيار سني أصولي مدعوم من تركيا في مكان ومنفتح على اسرائيل في مكان آخر، مؤكدين أن الامام خامنئي لا يمكن أن يذهب الى أي حرب مع الثنائي الأميركي- الاسرائيلي أو أي حوار مع واشنطن ما دامت دمشق خارج الهلال الممانع وما دام “حزب الله” محاصراً أو مكبلاً في بيروت.
وليس ما جرى ويجري في منطقة الساحل السوري الا محاولة من ايران، منسقة مع أنصار الأسد و”حزب الله”، لاقتطاع الجزء العلوي من سوريا، والانتقال منه الى جولات أخرى، متخوفةً من حالات الانفصال المتفاقمة في قسم كبير من سوريا وتحديداً في المناطق الكردية والدرزية، ومستغلةً تقاعس السلطات الأمنية اللبنانية عن ضبط الحدود المشتركة مع سوريا شرقاً وشمالاً.
ولعل هذا الانتقال الايراني من خانة المتربص الى خانة المنقض هو الذي دفع دول الجوار الى التجمع على عجل في العاصمة الأردنية عمان لاحتواء ما يمكن احتواؤه وتجنب ما يمكن تجنبه، خصوصاً بعدما تبين للمؤتمرين أن ايران تحاول اعادة سوريا الى المحور الذي سيطر يوماً على لبنان، وهدد النظام الحاكم في الأردن، وخاض مع تركيا صراعاً على القرار الاسلامي في المنطقة، وحوّل بغداد الى منصة اطلاق صواريخ نحو اسرائيل والقوات الأميركية في سوريا والعراق والأردن، فضلاً عن تبني قواعد روسية قادرة على التحكم بأمن الاساطيل الغربية المبحرة في البحر الأبيض المتوسط.
لكن السؤال هنا يبقى في حسابات المتابعين أنفسهم: ماذا عن لبنان الذي تحوّل الى ملاذ للعلويين الهاربين من الساحل السوري الى حدوده الشمالية بعدما تحوّل في الأمس القريب الى ملاذ للشيعة الهاربين من القصير القريبة من حدوده الشرقية، وبعدما تحوّل في الأمس البعيد الى “وطن” للسنة الهاربين آنذاك من حكم بشار الأسد؟
الجواب، ربما يأتي من اللقاء الخماسي في عمان حيث تردد أن لبنان بدا الحلقة الأضعف حيال ما يجري في سوريا، والعاجز بقواه الذاتية الحالية وتركيبته المعقدة عن البقاء بعيداً من تداعيات ما يحصل في وقت لا يزال “حزب الله” ناشطاً عسكرياً ومصمماً على استعادة المبادرة بأي ثمن ضارباً عرض الحائط بكل بنود القرار ١٧٠١ ومندرجاته، ومعتبراً حال الانكفاء الحالية في الداخل فرصة لتنظيم الصفوف مجدداً والانطلاق نحو جولات “جهادية” جديدة قد تكون على شكل حرب أهلية في لبنان أو سوريا أو في الاثنين معاً، خصوصاً أن المطلوب الآن، في حسابات طهران، ليس التسليم بالهزائم التي تكبدتها بل بنشر فوضى شاملة ترغم الرئيس الأميركي دونالد ترامب على التعامل مع الايرانيين على أنهم قوة تصنع القرار والاستقرار معاً أو تشارك في صنعهما وليس قوة تتلقى ما يملى عليها من دون اعتراض أو مقاومة.
وتكشف مصادر أمنية لبنانية، أن “حزب الله” يتولى نقل الهاربين العلويين من الساحل السوري الى جبل محسن ومناطق شمالية ذات غالبية علوية، وأن مجموعات كبيرة من قواته شاركت في القتال ولا تزال الى جانب قوات نظامية سورية موالية للأسد وقوات من “الحشد الشعبي” العراقي، معربة عن خوفها من أمرين: الأول أن تعمد القوات السورية التابعة للرئيس أحمد الشرع الى ملاحقة الانقلابيين الى داخل الأراضي اللبنانية بحجة أن ضباطاً كباراً سابقين يديرون من لبنان العمليات الحربية في طرطوس واللاذقية ومناطق ساحلية أخرى، والثاني أن تتحرك مجموعات سنية لبنانية أصولية ضد الهجمة العلوية على مناطق عكار ومعها الانتشار الشيعي الذي يواكبها بالرجال والسلاح.
وتذهب المصادر الأمنية بعيداً الى حد القول إن لبنان يقترب من حالتين حرجتين، الأولى احتمال الصدام مع قوات أحمد الشرع الذي بات، على غرار آل الاسد يعتبر لبنان خطراً على النظام الحاكم في دمشق، والثانية احتمال الصدام مع “حزب الله” الذي أخذ في ما يبدو على عاتقه استعادة سوريا من قبضة تركيا تماماً كما حاول استعادة غزة من قبضة اسرائيل، مشيرة الى أن الأمر يحتاج الى تدخل عربي- أميركي سريع لاخماد النار سريعاً في سوريا قبل أن تنفلش وتخرج عن السيطرة.
ولعل هذا التخوف بالذات هو الذي دفع وزير الخارجية الأميركية ماركو روبيو الى طمأنة الأقليات الدينية والعرقية في سوريا ووضعها تحت حماية بلاده، محاولاً أن يبلغ الى النظام الجديد في دمشق أن قيام دولة أصولية على ضفاف البحر المتوسط خط أحمر، وأن أي محاولة لاخلاء المنطقة من الأقليات سواء كانت مسيحية أو علوية أو درزية أو كردية لن تمر.
وتضيف المصادر: ان من حق الشرع أن يواجه من يحاول الانقلاب عليه، لكن ما جرى في مناطق الساحل يتعدى حدود القتال الى حدود المذابح التي لا توفر أحداً، مشيرة الى أن أميركا ودول الجوار السوري أبلغت الى تركيا، الداعمة الرئيسة للرئيس الشرع، أنها ترفض التعامل مع حاكم يكون نسخة عن “الإخواني” محمد مرسي في مصر.
وتتابع: ان لبنان تلقى نوعاً من الملامة العربية – الغربية بسبب تأخره في التقاط اللحظة المناسبة لبسط سيطرته الأمنية على حدوده الشرقية والشمالية ومنع حركات التسلل والتسلح من الجانبين، والسماح بعودة لبنان الى ساحة ايرانية تستهدف إسقاط الشرق الأوسط الجديد أو عرقلته، لا سيما بعدما أدركت طهران أن أي تأخير اضافي في أخذ المبادرة سيعني أن مساعي التطبيع السوري – الاسرائيلي وربما اللبناني – الاسرائيلي قد تحقق أهدافها، وأن سوريا ستنقسم الى دويلات درزية تحميها اسرائيل وكردية تحميها أميركا وسنية تحميها تركيا، الأمر الذي دفعها نحو المناطق العلوية علّها تقتطع موطئ قدم في الفسيفساء السورية والانطلاق منه الى الفسيفساء اللبنانية.
انه قدر اللبنانيين الذين يدفعون أولاً منذ الاستقلال ثمن تركيبته الديموغرافية، وثانياً ثمن حكامه الذين تركوا بلادهم أرضاً سائبة لا حدود مرسمة لها لا مع فلسطين ولا مع سوريا ولا مع قبرص، وأجادوا ثالثاً هدر الفرص الثمينة الى الحد الذي دفع العالم الى التعامل معهم بخفة لافتة أو تجاهل تام واعتبار لبنان وطناً غير قابل للحياة أو مصنعاً للقنابل الموقوتة القابلة للانفجار غب الطلب وفي أي لحظة.
انطوني جعجع- لبنان الكبير