طريق المطار ولعبة الأجنحة… المتكسّرة: الرّواية الكاملة… للانقلاب الكبير الآتي بعد 23 شباط!

هل صدر قرار إيراني عميق بنقل “المواجهة” من جنوب الليطاني إلى العاصمة بيروت؟ وهل اكتملت استدارة “الحزب” باتّجاه الداخل؟ واستطراداً، هل نحن أمام “لحظة أمنيّة” هدفها الإيراني “استعادة لبنان” بعد خسارة سوريا؟ أم هي رسائل داخلية تحت السقف الروتيني للتجاذبات التقليديّة؟ الأسئلة كثيرة. الإجابة عنها ضمن محاولة صياغة “رواية طريق المطار”.
ظهر الأربعاء 12 شباط الجاري، خرج وزير “الحزب” علي حمية من وزارة الأشغال العامّة والنقل. سلّمها إلى خلفه، الوزير فايز رسامني، وذهب إلى منزله… بعد ساعات قليلة، في اليوم التالي، الخميس ظهراً، بدأ “الحزب” توجيه مجموعات من الشبّان لقطع الطريق الأكثر حساسيّة في لبنان: طريق المطار.
ساعات قليلة، وبدأ التوتّر يسود لبنان. وبدأت تتكشّف الحكاية: وصلت تهديدات إلى بعبدا والسراي الحكومي ومن يعنيهم الأمر، بأنّ هبوط طائرة إيرانية في المطار سيعرّض المطار لخطر القصف. وربّما يكون القصف أبعد من المطار.
فتحت الحكومة دفاترها، وقرّرت اتّخاذ الإجراء نفسه الذي اتّخذته الحكومة السابقة. والوزير الجديد استند إلى “سابقة” الوزير القديم، وزير “الحزب”، الذي منع طائرة إيرانية من الهبوط في 28 أيلول الماضي… ولم تهبط الطائرة يوم الخميس.
لكنّ “الحزب” الذي “خرج” من الوزارة، وجد فيها اللحظة السياسية المناسبة لتمرير عدد كبير من الرسائل. وكانت مجموعات الشبّان قد اكتملت هيكليّتها وأخذت تعليماتها وبدأت الانتشار على جانبَي الطريق المؤدّي إلى المطار.
ما هي إلا دقائق، وبدأت تخرج فيديوات يشتم فيها الشبّان رئيس الجمهورية جوزف عون ورئيس الحكومة نوّاف سلام. ثمّ انتشرت مشاهد لشبّان يهتفون: “الشيعة احتلّوا لبنان”. وعاد الهتاف الذي وُلِد على جسر الرينغ بمواجهة ثورة 17 تشرين: “شيعة، شيعة، شيعة”.
اكتملت عناصر الرسالة في اليوم التالي، مساء الجمعة: الاعتداء على موكب “اليونيفيل”. وجرح نائب قائد القوّة العاملة في لبنان، حين كان في طريقه إلى المطار للرحيل عن بلادنا، بعدما خدم فيها 27 شهراً.
مساء الليلة الثالثة، السبت، كانت السلطة قد اتّخذت خيار المواجهة. فسقط جرحى من الطرفين، الجيش والمتظاهرين، بالعشرات. وعدّاد التوقيفات بالعشرات، لمن شاركوا في الاعتداء على الجيش.
لعبة الأجنحة… المتكسّرة
لم يعد “تابو” الحديث عن تباينات تصل إلى حدود الانقسامات داخل “الحزب”. القيادة الجديدة “تستأنس” بانتشار هذا الهمس. لعلّه يحرّرها من تبعات الرسائل. فسابقاً كان “الحزب” يلجأ إلى رواية “الأهالي” وغضبهم لنفض أيديه من “صندوق الرسائل”. أمّا اليوم فلديه رواية أقوى: “صراع الأجنحة”.
يروي العارفون بدواخل “الحزب” أنّه بعد استشهاد “السيّد”، نشأت فوراً مراكز قوى متعدّدة. خصوصاً أنّ الصفّ الأوّل بمعظمه بات من الشهداء. وتعدّد الرؤوس حاول الإيرانيون السيطرة عليه خلال الحرب من خلال إرسال محمد رضا شيباني للإقامة في سفارة إيران بضاحية بيروت الجنوبية.
خلال الحرب، كان فريق “اللبنانيين”، بقيادة الأمين العامّ الجديد الشيخ نعيم قاسم، يؤيّد تسوية تجنّب المدنيين المزيد من الخسائر. خصوصاً أنّ إسرائيل بدأت مرحلة استهداف قيادات غير عسكرية، باغتيال المسؤول الإعلامي محمد عفيف. وكانت هناك تهديدات وصلت باستهداف مراكز إيواء النازحين، وتنفيذ مجازر بالعائلات.
كان هناك رأي آخر يؤيّد التصعيد، واستهداف تل أبيب أكثر، قبل الذهاب إلى التسوية. لكنّ الكلفة ستكون مرتفعة، ربّما آلاف الضحايا المدنيين… وانتصرت نظريّة “حفظ الشيعة”، على نظريّة “التضحية بالناس”.
مسلسل التّنازلات… وقرار التّصعيد
لفهم سبب ما جرى على طريق المطار، لا بدّ من العودة إلى المسار السياسي الكامل.
بعد الحرب، قاد الفريق المؤيّد لـ”التسوية” مسار انتخاب رئيس الجمهورية. ثمّ التشاور مع الرئيس المكلّف، وصولاً إلى تقديم الشيعي الخامس لنوّاف سلام. وبعدها بدأ الحديث عن بيان وزاري لا يحفظ “حقّ اللبنانيين بالمقاومة”.
في هذه الأثناء كانت إسرائيل تتملّص من جانبها من الاتّفاق. فبعد استمرارها في قصف أهداف لـ”الحزب” في القرى الحدودية، انتقلت إلى شمال الليطاني، وصولاً إلى البقاع. ثمّ عادت الاغتيالات. ورفض بنيامين نتنياهو الانسحاب في التاريخ المحدّد. أجّله إلى 18 شباط. وفي منتصف شباط بدأت تل أبيب تتحدّث عن التمديد مجدّداً.
هنا عاد النقاش ليحتدم مجدّداً. الجناح المتشدّد استعاد المبادرة. وحجّته أنّ “التنازلات لم تقدّم لنا سوى طلبات بأن نقدّم مزيداً من التنازلات”. واعتبر هؤلاء أنّه لو أُجّل توقيع اتّفاق وقف إطلاق النار، ريثما يثبّت “الحزب” معادلة قصف تل أبيب، أيّاً كانت التضحيات المدنية، لتجنّب هذا التمادي الإسرائيلي. وأنّه لو أُجّل انتخاب رئيس الجمهورية، ريثما تنسحب إسرائيل، لكان “الحزب” تفادى الخسائر السياسية المتتالية.
ولادة فكرة “طريق المطار”
من هنا وُلِدَت فكرة “طريق المطار”. تماماً كما كانت قرارات الحكومة في 5 أيّار 2008 الحجّة لتنفيذ مخطّط 7 أيّار. الذي كان مرسوماً بعناية بانتظار “لحظة الصفر”. يوم الخميس الماضي، كان النقاش داخل “الحزب” حامياً.
لهذا نشرت قناة “المنار” ليل الجمعة، الخبر التالي: “عناصر فوضوية وغير منضبطة تقوم بإحداث فوضى مشبوهة الأهداف على طريق المطار تشمل قطعاً للطريق وإحراقاً للوحات إعلانية”. في حين كان ناشطون متفرّغون في “الحزب”، يديرون على مواقع التواصل الاجتماعي، حملة تطلب الحشد على طريق المطار. واستمرّوا بالحملة يوم السبت وليله.
هكذا خرج “التباين” إلى العلن. وبدأ الهمس عن “أجنحة” متضاربة داخل “الحزب”. أحدها يمسك بالإعلام، ويقود العمل السياسي. والثاني يمسك بالأرض، وهو بالتأكيد الجهاز الأمنيّ ذو العقلية المتشدّدة. التي تدعو إلى التصعيد على قاعدة “ضع السكّين على الكتف… كي تأخذ الإصبع”. وعلى قاعدة أنّ التنازلات تجرّ التنازلات. ويتخوّف هؤلاء من التوجّه لاحقاً لمحاصرة “القرض الحسن”. ولمنع إعادة الإعمار حتّى لو توافرت الأموال. بمنع وصول الحديد والإسمنت إلى الجنوب.
انقلاب كبير… بعد 23 شباط؟
لم تقتنع قيادة “الحزب” بعد بالتغيير الكبير الحاصل في المنطقة والعالم. فنحن في زمن دونالد ترامب. وفي زمن هزيمة مشروع “الممانعة”. وفي لحظة افتضاح عجزه عن مواجهة إسرائيل. وانكشاف أنّه مشروع سلطة في الدول العربية. ومشروع سيطرة على عواصم العرب وليس مشروعاً لتحرير فلسطين والقدس.
لذا ليست القصّة قصّة “قطع طريق”. نحن أمام توجّه متشدّد بدأت إشاراته بالاعتداء على مسؤول أمميّ كبير في ضاحية بيروت الجنوبية. وما يتواتر أنّ “ما بعد تشييع السيّد ليس كما قبله”. وهو ما يعني أنّه بعد 23 شباط، سيبدأ “الحزب” موجة تصعيد وتوتير سياسي كبيرة. قد لا تبدأ على طريق المطار، وقد لا تنتهي بـ”تفجيرات واغتيالات”، كما ينقل قريبون من “الحزب”. وذلك تحت سقف أنّ “هناك مجموعات أمنيّة غير منضبطة، لا يمكن التحكّم بردود أفعالها”.
ننتقل هنا إذاً من “غضب الأهالي” إلى “غضب المجموعات الأمنيّة المنظّمة”. تلك التي يدّعي “الحزب” أنّه لا يتحمّل مسؤوليّتها. وقد تكون مهمّتها القيام بأعمال أمنيّة “ضدّ أدوات المشروع الأميركي في البلد”.
هذا تطوّر كبير. لا يمكن أن تكون إيران بعيدة عنه. فالأعمال الأمنيّة من هذا النوع تحتاج إلى “إذن” إيراني. وقد يكون هذا الإذن إحدى أدوات المرحلة الإيرانية الجديدة في المنطقة. في حين تجمَع طهران أوراقها، وتعيد تقويم التجربة والهزيمة التي تكبّدتها في كلّ مكان… تمهيداً لأربع سنوات طويلة من المواجهة مع الإدارة الأميركية، من الملفّ النووي، وصولاً إلى آخر متظاهر على طريق المطار في بيروت وضواحيها.
محمد بركات- اساس