عن الأسباب غير المعلنة لبقاء إسرائيل!

‏يقول الخبراء المختصّون بالاستراتيجيات الحربية إنّ الحروب في الأرض لها أهداف متعدّدة، وهي ليست فقط لتدمير العدو أو لاحتلال الأرض، إذ إنّ احتلال الأرض يكون غالباً لخلق واقع جغرافي سياسي جديد، يُشكّل بدوره ضغوطاً على الدول لدفعها إلى إبرام اتفاقيات والجلوس إلى طاولة التفاوض.

في المشهد العام، وبحسب إسرائيل، فإنّ الأسباب المعلنة لعدم انسحابها من التلال الخمس: الحمامص، حولا، مارون الراس، العويضة، والعزيّة، كانت لأهداف عسكرية في انتظار التزام الدولة اللبنانية القرار الدولي الرقم 1701 التزاماً كاملاً بكل مندرجاته، وهو ما أعلنت عنه جهاراً، وأرادت من هذا التموضع تسجيل نقاط عسكرية.

إلّا أنّ ما تريده الدولة العبرية أيضاً من ذلك هو ضمان عودة سكان الشمال وضمان أمنهم، وذلك من خلال التمركز في نقاط استراتيجية تساعدها في ذلك وتساعدهم أيضاً، وهي نقاط بمثابة مفاتيح تمنح «يَداً عليا» للقوى العسكرية التي تتمركز فيها. وبالتالي، فإنّ تمركز القوات الإسرائيلية في هذه النقاط يمنع عدوّها من إعادة التمركز فيها.

لكن ماذا عن الأهداف الأبعد بالنسبة إلى إسرائيل؟ وهل النقاط الإستراتيجية التي تمركزت فيها تعطيها قوة السيطرة على أعدائها؟ ولماذا تريد دولة قادرة على السيطرة الجوية الكاملة الاحتفاظ بتلك التلال أو التمركز عليها؟ ولماذا هذه النقاط حيوية بالنسبة لها؟

يُوضح خبراء أنّ تمركز إسرائيل يمنع «حزب الله» من العودة وعدم الاضطرار إلى إعادة تدميره.

إلّا أنّ هؤلاء الخبراء أنفسهم يُحذّرون من أنّ الأمر لا يخلو من مخاطر، لأنّ بقاء إسرائيل في تلك التلال المكشوفة يُعرِّضها أولاً لانتقاد المجتمع الدولي الذي سيعترض على خرقها لاتفاق دولي تعهّدت من خلاله بالانسحاب الكامل من لبنان…

كما أنّ بقاء إسرائيل في تلك التلال يُعرِّضها لخطر معاودة النشاط الفردي لعناصر «حزب الله»، وذلك من خلال معاودة عملياته الاستشهادية الفردية الآحادية، التي لا يتلقّى تعليمات خارجية أو إيرانية لتنفيذها، بل يُجريها وفق أجندته العقائدية التي تقوده، وهي شبيهة بالعمليات التي كان يُنفّذها قبيل حرب تموز، أي عمليات استشهادية فردية.

بالعودة إلى الأهداف الأساسية من تمركز إسرائيل على التلال الخمس الجنوبية تحديداً، يُشير الخبراء المختصّون بالشأن الإسرائيلي إلى أنّ بقاء إسرائيل هدفه غير المعلن هو جَرّ لبنان إلى تفاهم ما أو التمهيد إلى تفاهمات وعقد اتفاقات معها قبل نيله انسحاباً إسرائيلياً كاملاً، لتؤمّن بذلك حماية دائمة لحدودها عبر إجباره على الجلوس على طاولة المفاوضات.

من جهة أخرى، يُشير الخبراء إلى أنّ تعرُّض إسرائيل لأعمال مقاومة فردية سيفتح الباب لخرق الاتفاق الدولي أكثر وأكثر، كما أنّه سيفتح الباب لـ»حزب الله» للمطالبة بإعادة التسلح والتمسّك بالسلاح على رغم من صعوبة تحقيق هذا الأمر في الظروف الحالية، إنّما قد يترصّد الحزب حدوث أي تغيّر خارجي كبير ليتسلّل من خلاله، خصوصاً أنّه قد فَقدَ قدرته العسكرية والمادية بكاملها، والدليل الحشد الذي دعا إليه يوم تشييع أمين العام السيد حسن نصرالله في 23 شباط، وله طبيعتَان:

1- في ظلّ تدمير قدرته العسكرية وبنيَته الاقتصادية وتضاؤل الدعم المالي، الذي كان مصدره الأساسي إيران وليس النشاطات الاقتصادية في لبنان، وفي ظل انعدام قوّته وتأثيره في الحكومة الجديدة بقيَ للحزب من قدراته عاملَان أساسيَّان هما الحشد الشعبي والتحشيد.

2- قدوم الزوار الإيرانيِّين والعراقيِّين والحلفاء من الخارج في ظل تدمير الدعم المادي للحزب، بدءاً من «القرض الحسن» وصولاً إلى إقفال المطار بوجه الإمدادات الإيرانية المادية. لذلك، وأمام هذا الواقع الجديد، يعوّل «الحزب» على هذا الأمر الذي سيؤمّنه حالياً هؤلاء الزوار الآتون بالآلاف يوم تشييع السيد نصرالله لتقديم الدعم المعنوي والمادي.

مرلين وهبة- الجمهورية

مقالات ذات صلة