حكومة أورتاغوس تسقط أمام أسوار بعبدا

بعد إسقاط حكومة المبيض من قبل رئيس مجلس النواب نبيه بري، جاء الدور على إسقاط حكومة أورتاغوس أمام أسوار بعبدا. السيدة نائب المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، مورغان أورتاغوس، التي نقلت إلى رئيس الجمهورية اللبنانية العماد جوزاف عون تهنئة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتوليه منصب الرئاسة الأولى، أكدت من قصر بعبدا دعم واشنطن للشعب اللبناني والتزامها بالشراكة مع الحكومة اللبنانية الجديدة وتطوير العلاقات بين البلدين ضمن إطار يستبعد نفوذ حزب الله بالكامل! سقطت الدبلوماسية الأميركية في أفخاخ تصريحاتها المتماهية مع خاتمها – نجمة داوود وخطوطها الحمراء بقولها: «إسرائيل هزمت حزب الله، ونحن ممتنون لها بسبب ذلك». وأن واشنطن لن تقبل بأي شكل مشاركة الحزب في الحكومة اللبنانية، وأن نفوذ حزب الله في لبنان يجب أن ينتهي.

لم يتأخر مكتب رئيس الجمهورية بإصدار بيان أعلن فيه أن بعض ما جاء في تصريحات «مورغان أورتاغوس» يعبّر عن وجهة نظرها، وأن الرئاسة اللبنانية غير معنية به. وبدا أن تسلل الدبلوماسية الترامبية خلف أسوار بعبدا، وظهورها على منبر القصر الجمهوري في صورة المندوب السامي على لبنان، لم يكن سوى لتسجيل هدف غير شرعي في شباك السيادة اللبنانية للدفع باتجاه تشكيل حكومة «أنتي-حزب الله» Anti-Hezballah، وهو ما استنفر الشارع اللبناني والعديد من القيادات التي رفضت التدخّل الأميركي في الشؤون الداخلية اللبنانية، لا سيما قيادات حزب الله وحركة أمل، والمرجعية الدينية الشيعية المتمثلة بالمفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان الذي رد على أورتاغوس بقوله: «السيادة فقط للبنان ومكوناته الوطنية وليس لأميركا ومشاريع الإقصاء والخراب». وأن المشروع الأميركي الإسرائيلي الذي انكسر على تخوم بلدة الخيام لن يكون له وجود بقلب النظام السيادي في لبنان.

حكومة سلام تولد ببركات بري ومار مارون
في اليوم التالي اختلفت الصورة مع زيارات أورتاغوس لرئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، والرئيس المكلف نواف سلام، والرئيس نبيه بري الذي أكد لها أن «إسرائيل شر مطلق»، وأن استمرارها باحتلال الأراضي اللبنانية يستوجب مقاومته، ويجب على الإدارة الأميركية كضامنة للإتفاق أن تلزم إسرائيل بتنفيذه بالكامل وبتطبيق القرار الأممي 1701. وهذا الموقف اللبناني الرسمي الموحد الذي عبر عنه الرئيس بري كما الرؤساء عون وميقاتي وسلام تجاه ما يحصل من خروقات إسرائيلية مستمرة لاتفاق وقف إطلاق النار، وإصرار الرئيس عون على إعادة الزخم لانطلاقة العهد الجديد بعد الشكوك والعقبات التي باتت تحاصر مهمة الرئيس المكلف من مختلف الجهات، دفعا بالأخير إلى تكثيف اتصالاته من أجل تذليل العقبات وفك العقد المتبقية لا سيما عقدة الوزير الشيعي الخامس التي حُلّت بالإتفاق على تسمية فادي مكي وزيراً للتنمية الإدارية من حصة الثنائي الشيعي التي ضمت أيضاً: ياسين جابر (وزير المالية)، تمارا الزين (وزيرة البيئة)، ركان ناصر الدين (وزير الصحة العامة)، ومحمد حيدر (وزير العمل). وفي نفس اليوم عشية عيد مار مارون، خرج الرئيس بري من الاجتماع الثلاثي الذي كان قائماً مع الرئيسين عون وسلام في قصر بعبدا راضياً ومؤشراً على ولادة الحكومة الجديدة بقوله: «بركات مار مارون».

8 شباط 2025 سقطت حكومة أورتاغوس أمام أسوار بعبدا وحزم رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون الذي وقّع مع رئيس الحكومة نواف سلام مرسوم تشكيل الحكومة الأولى في العهد الجديد. هو يوم تتجلّى فيه الوحدة الوطنية في صورة سيادية جامعة لتحقيق الإصلاح والإنقاذ وآمال اللبنانيين بحياةٍ ومستقبل أفضل، ولا ينبغي معها التوقف عند بعض الأخطاء والعثرات التي رافقت عملية التكليف والتأليف، وتمّ تجاوزها في هذه المرحلة الدقيقة والخطيرة وفقاً لمقتضيات الدستور، وذلك بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان والعدوان الهمجي الذي تسبب بآلاف الشهداء والجرحى، والدمار الهائل الذي طال مدن وبلدات عديدة في جنوب لبنان والبقاع والضاحية الجنوبية وبيروت وباقي المناطق اللبنانية.

التحديات كبيرة جداً أمام اللبنانيين وأمام الحكومة العتيدة والعهد الجديد، وما زلنا نحاول العبور بين الركام والدخان الأسود وغدر العدو الذي لم يتوقف عن أفعاله الإجرامية وتوجيه نيرانه نحو المدنيين وتدمير البيوت والمباني وحرق الأراضي والبساتين، وخروقاته المستمرة لاتفاق وقف إطلاق النار الذي تم تمديده بموافقة أميركية لغاية 18 شباط 2025، ولموجبات القرار الدولي 1701. والسؤال الأهم الآن: هل نحن قادرون على قراءة المتغيرات الدولية والتحولات في النظام العالمي الجديد؟ وهل نحن قادرون على التعامل مع هذه المتغيرات والتحولات الكبيرة من منطلق الدولة ذات السيادة لنعيد لبنان إلى موقعه العربي المميز أولاً، وإلى دوره العالمي في الفكر والثقافة والأدب والفنون والعلوم والحضارة الإنسانية؟

اللواء

مقالات ذات صلة