يقف اليوم على ضفة النهر.. أعان الله نواف سلام
يقول دبلوماسي عربي محبّ للبنان وشعبه في جلسة خاصّة: “في بلدنا أزمات ومشاكل، تشبه كثيراً الأزمات والمشاكل التي يعيشها لبنان. بلدان متشابهان بالموقع والتحدّيات. لكنّ الفرق أنّنا نملك حكماً جيّداً على عكس ما يوجد في لبنان”.
لبنان ليس بحاجة إلى حاكم قويّ، بل هو بأمسّ الحاجة إلى حكم قويّ. تلهّى اللبنانيون بمصطلحات غير دقيقة على مرّ سنوات طويلة وتماهوا مع هذه الملهاة لدرجة التورّط بتجربتها والمراهنة عليها. تلهّوا تارة بنظرية الرئيس القويّ للجمهورية، فانتخبوا ميشال عون، وتارة أخرى برئيس حكومة قويّ تكاد تختصر قوّته لبنان برمّته، كما حصل مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
في التجربتين وقع لبنان بالمحظور، فقوّة ميشال عون جاءت على حساب الدستور والقوانين والتوازن في المعادلة الوطنية عبر اصطناع أعراف في الحكم غير مسبوقة، فانهارت الدولة ومؤسّساتها، ومعها الاقتصاد والعملة الوطنية. بالمقابل، كانت هالة رفيق الحريري وشبكة علاقاته الدولية والإقليمية أكبر من لبنان وساسته والتحالفات المشبوكة مع أطرافه الداخلية. هذه الهالة صنعت لرفيق الحريري خصوماً وأعداء في الداخل والخارج، فحقد عليه البعض، وشعر البعض الآخر بالغيرة منه، فاتّفق الجميع على التخلّص منه. دفع حياته ثمناً لأحلامنا وأحلامه.
يقف الرئيس نوّاف سلام اليوم على ضفّة النهر، وهو بالخيار بين أن يركب قارب النظام، أو أن يُعلن يأسه من انتظار جثّة النظام
انتُخب العماد جوزف عون رئيساً للجمهورية. وكان انتخابه كالزلزال، ولمّا كانت لكلّ زلزال تردّدات، فإنّ تكليف الرئيس نوّاف سلام تشكيل حكومة لا يمكن فصله عن زلزال انتخاب عون، بل هو التردّد الأوّل والأقسى لهذا الزلزال.
تسجَّل لمن يطلقون على أنفسهم اسم “التغييريين” القدرة على صناعة الأمواج، لكنّهم دائماً يمتهنون الفشل في ركوبها للوصول إلى شاطئ الأمان والإنجاز. ابتدعوا موجة الغضب الشعبي عام 2019، من ضريبة الواتساب إحدى إبداعات وزير الاتصالات في حينه محمد شقير. نزل الناس بكلّ طوائفهم إلى الساحات والطرقات ظنّاً منهم أنّ المنظومة الحاكمة قاب قوسين أو أدنى من السقوط، فإذا بالمنظومة تتمدّد وتبقى، وفقط ودائع الناس ومدّخراتهم في المصارف ضاعت وسقطت تلك الحقوق.
لا بدّ من الاعتراف بأنّ تكليف الرئيس نوّاف سلام تشكيل حكومة هو موجة صنعها التغييريون. وبسبب تراكم الصيت الحسن لاسم نوّاف سلام في السياسة داخلياً وخارجياً، كبُرت هذه الموجة، فكان تكليفه بعد انسحاب مرشّح المعارضة النائب فؤاد مخزومي.
لبنان ليس بحاجة إلى حاكم قويّ، بل هو بأمسّ الحاجة إلى حكم قويّ
يقبع اليوم الرئيس المكلّف نوّاف سلام بين شهوات وأحلام التغييريين في التوزير والانتقام وتلمّس محاسن السلطة، وبين نظام سياسيّ حديديّ ما يطفو منه على السطح أقلّ بكثير ممّا هو مغروس في أعماق البلد وحياته السياسية.
إلى الجنوب دُرْ
على خلفيّة التطوّرات الجنوبية التي لا يمكن القول عنها إلّا أنّها من صناعة “حرّيف” بالسياسة والمقاومة واللعب على أوتار هفوات الآخرين، تمكّن رئيس مجلس النواب نبيه برّي بما يمثّل في طائفته وفي الحياة السياسية من خلط غباء الإسرائيليين وقلّة الحيلة السياسية في الداخل اللبناني المستجدّ، والتقاط المبادرة على الأرض وفي السياسة وبين الناس محوّلاً الاتّفاق الذي وقّعه بإشراف أميركي مع الإسرائيليين من لعنة إلى نعمة. ففي الوقت الذي صوّر البعض، وفي مقدَّمهم التغييريون ومعهم المعارضون، أنّ هذا الاتّفاق وثيقة هزيمة، فإذا بالرئيس برّي يحوّله إلى جسر عبور نحو انتصار في الداخل والخارج وداخل بيئته.
يقف الرئيس نوّاف سلام اليوم على ضفّة النهر، وهو بالخيار بين أن يركب قارب النظام، أو أن يُعلن يأسه من انتظار جثّة النظام. وفي الحالتين خسارة كبرى لرجل راهن عليه الكثير من اللبنانيين. إن ركب القارب فقد نفسه، وإن يئس الانتظار ألغى نفسه.
أعان الله نوّاف سلام.
زياد عيتاني-أساس ميديا