ما هي الخيارات المتاحة أمام نواف سلام؟
لا أولوية تتقدّم في لبنان حالياً على أولوية تشكيل الحكومة، لينطلق العهد الجديد جدياً. خيارات واحتمالات عديدة أصبحت مطروحة أمام الرئيس المكلف نواف سلام. وسط تساؤلات كثيرة عن الخيار الأفضل بالنسبة إلى الرئيسين، فهل يكون بتشكيل حكومة “أمر واقع” تمثّل تطلعاتهما وتضم شخصيات مستقلة عن كل القوى الحزبية؟ على أن تكون هذه الحكومة مستفيدة من الزخم الدولي والشعبي، ولا يكون هناك قدرة على حجب الثقة عنها؟ أم تشكيل حكومة تراعي القوى السياسية وتعكس توازنات المجلس النيابي؟ علماً أن ذلك يمكن أن يعطي مؤشراً لا يرقى إلى مستوى الآمال التي علقها اللبنانيون على العهد وخطاب القسم ومعايير الرئيس المكلف؟ أم الانتظار لبعض المؤشرات والظروف الخارجية التي قد تنعكس داخلياً وتتيح فرصة مناسبة لتشكيل حكومة، بما يدفع القوى المتشددة إلى تقديم التنازلات؟
معايير مغايرة
فرضت التطورات الإقليمية نفسها على المشهد اللبناني. من الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان، إلى سقوط نظام بشار الأسد والتحولات الجيواستراتيجية التي تشهدها المنطقة. وهو ما أسهم في كل المتغيرات على الساحة اللبنانية. يمكن لهذه التطورات أن تستمر باندفاعتها فتنعكس على عملية تشكيل الحكومة أيضاً. لا سيما في ظل تمسك الرئيس المكلف بالمعايير التي رفعها والتي لا تتلاقى مع متطلبات القوى السياسية. هناك في لبنان من يسعى إلى الاستفادة من كل التطورات الخارجية لتشكيل حكومة “الأمر الواقع” التي تتلاقى مع تطلعات الرئيسين وطموحاتهما، على قاعدة أنه لا يمكن العودة إلى الآلية القديمة في تشكيل الحكومة التي ستكون معرّضة للعرقلة والتعطيل من الداخل. ولأن العهد يحتاج إلى حكومة تشكل صدمة إيجابية على المستويات السياسية، الشعبية، والخارجية.
وفي حال جرى الإقدام على مثل هذه الخطوة سيكون هناك احتمالات عديدة، من بينها، رضوخ القوى السياسية المختلفة لما جرى، والتعاطي بواقعية مع هذه الحكومة، والتسليم بالنتائج كما جرى التسليم بنتائج انتخاب الرئيس وتكليف رئيس الحكومة. ما يعني منح الثقة للحكومة وترك مجال العمل أمامها. الاحتمال الثاني، هو حجب الثقة عنها ما يحيلها إلى حكومة تصريف أعمال، فيدعو رئيس الجمهورية إلى استشارات نيابية ملزمة لتكليف شخصية بتشكيل الحكومة. الاحتمال الثالث، هو أن تنال الحكومة الثقة وسط معارضة من قبل قوى سياسية وازنة يكون لديها كامل الاستعداد للدخول في مواجهة سياسية، عبر تحضير الأرضية لمسار اعتراضي واسع قد يبدأ في الإدارات والوزارات ويتطور ليطال الشارع.
ضغوط متعددة
أمام كل هذه الخيارات، فإن رئيس الحكومة يتعرّض لضغوط واسعة من اتجاهات مختلفة، أولاً في سبيل تشكيل الحكومة وعدم تأخير انطلاقة العهد. ثانياً، من قبل قوى سياسية متعارضة في اتجاهاتها. إذ أن كل طرف يمارس الضغوط لتحقيق المصلحة التي يريدها أو يسعى إليها. وهنا الضغوط تأتي من قبل حزب الله من جهة، وخصومه من جهة أخرى. ثالثاً، هناك حملة ممنهجة يتعرض لها رئيس الحكومة المكلف من قبل لوبيات متعددة داخل لبنان وخارجه، ويسعى هؤلاء إلى تطويقه ومهاجمته بحملات وعمليات تسريب كثيرة، بدأت من داخل لبنان واتجهت إلى خارجه، ومن ضمنها الرسالة التي رفعها عضوان في الحزب الجمهوري الأميركي للضغط على الرئيس المكلف بعدم تمثيل أي شخصية محسوبة على حزب الله في الحكومة، بالإضافة إلى اتهامات أخرى توجه إليه، على خلفية مواقفه التاريخية أو الأحكام المتصلة بعمله على رأس المحكمة الدولية، وخصوصاً محاكمة إسرائيل واتهامها بارتكاب إبادة جماعية في غزة. من يشنّ هذه الحملات ويواصلها، هم بعض الجهات النافذة في لبنان في مجالات مختلفة، عنوانها الأساس “مواجهة أي نهج إصلاحي” على المستويات المالية أو المصرفية.
مثال أوباما
لن يكون العبور بين كل هذه التضاربات بالأمر السهل. علماً أن كل عمليات تشكيل الحكومات في لبنان كانت عرضة للمطالب المتناقضة وللتنافس والتناتش بين القوى المختلفة. وغالباً ما كانت العقد تُحل بناء على تطورات إقليمية تتداخل مع الواقع الداخلي. وأبرز الأمثلة على ذلك كانت حكومة الرئيس تمام سلام التي تشكلت في العام 2014، علماً أن مفاوضات التأليف استمرت على مدى أكثر من 11 شهراً. وفي مقابلة سابقة مع “المدن” روى الرئيس تمام سلام كيف تشكلت الحكومة، عندما تلقى اتصالاً من الرئيس الأميركي باراك أوباما أبلغه فيه بأن الحكومة ستولد قريباً، بعدما تم الوصول إلى تفاهمات مع إيران بشأن الملف النووي. وهذا التفاهم الذي قاد لاحقاً إلى إبرام الاتفاق النووي في العام 2015، هو الذي أنتج حكومة سلام، بعدما كانت عالقة عند عقد كثيرة من بينها عقدة الثلث المعطل، والحقائب التي يريد الثنائي الشيعي أن ينالها بما فيها حقيبة المالية، وأيضاً معادلة الجيش والشعب والمقاومة التي لم تُدرج يومها في البيان الوزاري، بل تم استبدالها بصيغة مختلفة. علماً أنه في ذلك الوقت كان رئيس الجمهورية ميشال سليمان قد وصف تلك المعادلة الثلاثية بالمعادلة الخشبية.
قد يكون التطور الخارجي مجدداً هو العنصر الدافع لتسهيل عملية تشكيل الحكومة، خصوصاً في ظل بروز بوادر للتفاوض الإيراني الأميركي، من دون إغفال أسلوب ترامب في ممارسة أقصى درجات التصعيد التفاوضي للوصول إلى تفاهمات، قد تسهم في خفض الأسقف في لبنان وتسهيل ولادة الحكومة.
منير الربيع- المدن