هل يعلن سلام حكومة “أمر واقع” مستوفية الشروط الدستورية؟

أكد الرئيس المكلف تشكيل الحكومة نواف سلام مساء الأربعاء من على منبر القصر الجمهوري بعد لقائه الرئيس جوزاف عون أنه لن يتراجع عن المعايير التي حددها في التأليف، وهي أربعة أبرزها فصل النيابة عن الوزارة، والاستعانة بأصحاب الكفاءات، وعدم توزير المرشحين للانتخابات البلدية والاختيارية والنيابية، وأعلن في المقابل أنه من أنصار المرونة في التعاطي مع الجميع، كاشفاً أنه وضع تصوراً لحكومة من 24 وزيراً.

أتى هذا الموقف لسلام بعدما كانت مصادر مطلعة على مسار التأليف كشفت أن الولادة الحكومية كان من المقرر إعلانها يوم أمس الخميس، غير أن العراقيل ما زالت تتحكم بالمسار، بحيث أن المشاورات والاتصالات تدور في دائرة إسقاط الأسماء على الحقائب، ما يعني تبدل الأسماء والحقائب، التي دخلت “البازار” السياسي، خلافاً لما كان يأمل سلام وكذلك رئيس الجمهورية الحريص على تشكيلة تعبّر عن خطاب القسم.

وأكدت المصادر أن الحقائب والأسماء ما زالت موضع “أخذ ورد”، بحيث أن توزيع عدد الحقائب على الأطراف السياسية يشكل “القضية المحورية” لكل النقاشات التي هي عرضة لـ “المد والجزر”، الأمر الذي يؤخر الولادة “الطبيعية” للحكومة، جراء “إشتهاء” الكتل التيابية و”شهوتها” على حصص لها، وفقاً لعدد النواب لدى الكتل النيابية، خصوصاً الكتل الوازنة التي تطالب بحقائب أساسية، مع إنعطافها وإشتهائها لتسمية شخصيات “مسيّسة” في حال توزير النائب السابق ياسين جابر، أمام إصرار الرئيس نبيه بري على أن تؤول إليه وزارة المالية، ما قد يطيح مبدأ “المداورة” بالنسبة الى الحقائب المصنّفة “سيادية”، فيما يتمسك حزبا “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر” بالمداورة، الأمر الذي يعقّد مهمة رئيس الوزراء المكلف، ويبدد التفاؤل الذي طغى في إعقاب انتخاب رئيس للجمهورية وما استتبعه من تكليف نواف سلام، لا سيما أن إصرار “الثنائي الشيعي” على التمسك بحقيبة “المالية” يطرح تساؤلات حول دوافعه، وما إذا كان الأمر يتجاوز الدور التنفيذي الذي تضطلع به الوزارة، ليشكل جزءاً من إستراتيجية أوسع تهدف إلى حماية مصالح سياسية ومالية، وضمان التحكم في الملفات الحساسة داخل الدولة اللبنانية، في وقت يصر الرئيس المكلف على اتباع أسلوب جديد في التأليف، يقوم على احترام دستور “الطائف”، وإطلاق نمط جديد في تأليف الحكومات لا يراعي المحاصصة ولا يعترف بأعراف غير موجودة في الدستور، ولا يكرّس وزارات لهذه الطائفة أو تلك.

ووسط هذا “الترف” في تعاطي القوى السياسية مع ملف التأليف، وجد الرئيس المكلّف نفسه وسط حقل ألغام، سياسياً وحزبياً وطائفياً، ألزمه التريّث مجدداً في اندفاعاته التي يترقبها الرأي العام اللبناني والخارجي، إذ بدأ يواجه ضغوطاً خارجية وداخلية للإسراع في تقديم “صيغته” الحكومية، خصوصاً وأن المساحة تضيق أمام لبنان للافادة من الفرصة بإنقاذ البلاد مما تتخبط فيه، الأمر الذي يستوجب من جميع الأطراف اللبنانية أن تدرك أن هذه الفرصة لن تتكرر في حال ضياعها، وذلك للإفادة من الوعود الخارجية الداعمة لإعادة إستنهاض لبنان وإنقاذه من الإنهيار الذي هو عليه، فضلاً عن إعادة إعمار ما هدمته الاعتداءات الاسرائيلية، وإلا ستتحمل تلك القوى مسؤولية إفشال تشكيل الحكومة أو عرقلته وتأخيره بسبب مطالبها، إذ تنظر الأطراف الاقليمية والدولية بعين التفاؤل إلى قدرة القيادة الجديدة على تحقيق الاستقرار وإطلاق مسار الاصلاحات.

ومع تأكيد سلام أن عملية التشكيل لا تزال ضمن “منطقة الأمان”، على الرغم من العقبات التي تواجهها، باعتبار أنها لم تتجاوز بعد السقف الزمني الطبيعي، بالمقارنة مع التجارب السابقة، إلا أن التجاوب مع مطالب “الثنائي الشيعي” قد يتيح له تشكيل الحكومة ونيل ثقة البرلمان، مع تهديد بعض الكتل الذي سمّاه بعدم منح الحكومة الثقة، ما قد يؤدي إلى امتعاض داخلي وخارجي سينعكس سلباً على الدعم الخارجي للبنان.

إزاء الضغوط التي باتت تداهمه، هل يضع الرئيس المكلف الجميع أمام مسؤولياتهم ويتحمل مسؤولياته الدستورية، وهو القانوني بإمتياز، بالتوجه الى قصر بعبدا حاملاً تشكيلته الوزارية ويتوافق مع رئيس الجمهورية عليها، فيصدر مرسوماً رئاسياً بأسمائها، وتكون ولادة الحكومة “قيصرية”، فارضاً على الجميع “أمر واقع” مستوفياً كامل الشروط الدستورية، خصوصاً وهو صاحب شعار “من لا يجد أن الحكومة تمثل تطلعاته، فليذهب للمعارضة”؟

زياد عيتاني- لبنان الكبير

مقالات ذات صلة