“الحزب” يتصرف أنّ ضعفه مجرّد “وعكة”: “ثنائي” حقيبة المال والسلاح

 

تمسّك “الثنائي” الذي يضمّ الرئيس نبيه بري “الأخ الأكبر” وقائد حركة “أمل”، كما يضم ما تبقى من “حزب الله”، بمطلب رئيسي واحد في تشكيل الحكومة الجديدة يتمثل، باحتفاظ الحركة بحقيبة المال.

ويثير تمسّك هذا الفريق بهذا المطلب، أسئلة لا حصر لها ولا عدّ. ويتصدّر هذه الأسئلة: هل هي إنجازات الاخوة الذين باركهم الأخ بري كي يتولّوا الحقيبة على مدى عهود وحكومات خلت، وفي مقدّمهم الأخ المجاهد علي حسن خليل، ما يدفع “الثنائي” الى التمسّك بهذه الحقيبة؟

يأتي هذا المطلب الوزاري، وسط تهديدات أطلقها ما تبقّى من “الحزب” في الأسابيع الأخيرة. وقال صاحب هذه التهديدات إنّه “سيتصرّف”، إذا لم تلتزم إسرائيل تنفيذ اتّفاق وقفإاطلاق النار في نهاية مهلة الـ60 يوماً التي بدأت في27 تشرين الثاني الماضي.

نستعيد المثل القائل “الشيء بالشيء يذكر” فنسأل: ألا يجدر بـ”الثنائي” عموماً، وما تبقّى من “الحزب” خصوصاً، أن يطالب إضافة إلى حقيبة المال (الخالية تماماً من المال بفضل أمانة من تولّاها من هذا الفريق)، بحقيبة الدفاع التي تمثّل فعلاً كل ما له علاقة بموضوع الجنوب والسيادة؟ ولنا أن نتخيّل أهميّة أن يرفد “الحزب” هذه الحقيبة بعصارة تجربته الممتدّة من تأسيسه على يد “الحرس الثوري” في مطلع ثمانينات القرن الماضي ولغاية الآن.

حتى هذه اللحظة ، يبدو عصيّاً على الفهم، حتى إشعار آخر، أن يقف “الحزب” خلف “الأخ الأكبر” في مطلب حقيبة المال بينما يطلّ مجدداً بتهديدات يطلقها ضد إسرائيل.

يجتاز لبنان مرحلة تاريخية بكل ما في هذا التوصيف من معنى. ويتصدّر هذه المرحلة عنوانان: الأمن والنهوض. وينتمي هذان العنوانان، بحسب مفردات تأليف الحكومة الجديدة إلى حقيبة الدفاع وما يشبهها وحقيبة المال وما يمتّ إليها بصلة. ولنتصوّر أنّ الدفاع بالمعنى الفعلي سيبقي على سلاح ما تبقّى من “حزب الله”، وأنّ المال سيبقى بعهدة نزاهة حركة الأخ بري؟

منحتنا الفترة الممتدة من 9 كانون الثاني الجاري ولغاية الآن أجوبة على لسان رئيس الجمهورية جوزاف عون ورئيس مجلس الوزراء المكلف نواف سلام. وتنتمي هذه الأجوبة إلى زمن جديد يبعد سنوات ضوئية عن زمن “الثنائي” الذي يتمنّى اللبنانيون بعد أهوال الحرب الأخيرة أن يكون مرحاً بعض الشيء” .

يستعيد الجيل الذي رافق مسار انهيار الهيكل من سبعينيات القرن الماضي، عبارة شهيرة كان يردّدها دوماً الرئيس المؤسس لحزب “الكتائب” بيار الجميل وهي “قوّة لبنان في ضعفه”.

رفض قسم كبير من اللبنانيين الذين وقفوا الى جانب السلاح الفلسطيني هذه العبارة، واعتبروها إهانة بحق لبنان الذي يجب أن يكون قوياً الى أبعد الحدود. رحل الجميل ورحل معه كثيرون من معارضي عبارته التي تبيّن أنّها كانت صائبة.

ونعود الى الأسابيع التي تبعت اتفاق وقف إطلاق النار في نهاية تشرين الثاني الماضي فنجد أنّها حافلة بما يشبه عبارة بيار الجميل. وراحت ولا تزال المواقف الخارجية والكتابات تشير الى أن ضعف “حزب الله” هو فعلياً وراء هذه الإنجازات الكبرى التي تحقّقت في لبنان.

ولنتخيّل أن “الحزب” لو لم يمرّ بما مرّ به منذ أيلول الماضي، هل كان يتوقّع أحد مهما بلغ من العلم ومعرفة الغيب، أن يصل العماد جوزاف عون الى قصر بعبدا؟ وأن يصل رئيس محكمة العدل الدولية الى السرايا؟

يعلم الجميع بمن فيهم “الثنائي” بمكوّنَيه، أنّ زمن السلاح الإيراني ولّى إلى غير رجعة. فاستطاع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن يأتي مجدّداً إلى لبنان ليؤكّد أن موضوع سلاح “حزب الله” يشكّل عقبةً كأداء بوجه السلطات الجديدة.

كما استطاع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الذي وصل الى لبنان في وقت واحد مع الرئيس الفرنسي كي يعلن من الناقورة التي حرّرها اتفاق وقف اطلاق النار من الاحتلال الإسرائيلي، أنّ اليونيفيل قد كشفت عن أكثر من 100 مخزن أسلحة تعود لـ”حزب الله” أو لمجموعات مسلّحة أخرى منذ 27 تشرين الثاني.

وسبق أن عرفنا، قبل خراب لبنان على يد “الحزب”، أن لا ماكرون ولا غوتيريش او غيرهما، كانوا سيقولون على أرض لبنان ما قاله كل من الرئيس الفرنسي والأمين العام للأمم المتحدة لولا ضعف “الحزب”.

يتصرّف “الحزب” على ما يبدو حتى الآن، أنّ ضعفه هي مجرّد “وعكة” ألمّت به منذ أيلول الماضي. ويمتنع “الحزب” عن الردّ على سؤال حول ماهية هذه “الوعكة” التي أنهت وجود زعيمه التاريخي حسن نصرالله وسائر القيادة الأساسية لـ”الحزب”؟ وهل هي “وعكة” ان يصاب أكثر من 4 آلاف من كوادر “الحزب” بتفجير أجهزة المناداة “البيجرز” في 17 أيلول الماضي؟ وهل إنّ مقتل الاف العنصر من “الحزب” في الحرب الأخيرة (يقدر العدد بـ7 آلاف مقاتل) هو من عوارض هذه “الوعكة”؟

يأتي امتناع “الحزب” عن العودة إلى ما تثيره هذه الأسئلة من أحزان، مترافقاً مع الأنباء التي تحدثت قبل أيام عن إحباط السلطات الجديدة في سوريا عملية تهريب أسلحة كانت متوجّهة إلى لبنان عبر معابر غير شرعية، ومصادرة الأسلحة والصواريـخ قبل دخولها الأراضي اللبنانية، وذلك بالتنسيق مع جهاز الاستخبارات، التابع لإدارة العمليات هناك.

تتمتع القيادة الجديدة لـ”الحزب” التي تسير على خطى “الأخ الأكبر” بحسّ عالٍ من التظاهر بالقوة. ويستطيع “الثنائي” بكلّ مهارة ان يخفي الضعف الهائل الذي لحق بالممانعة من نبعها في ايران حتى مصبّها في لبنان مروراً بسوريا وغزة.

ومن ضمن هذه المهارة ، أتت كلمة الأمين العام الحالي لـ”الحزب” نعيم قاسم يوم أمس. فحصر “الانتصار” جغرافياً بمنطقة شمال نهر الليطاني فقط. ولم ينس قاسم أن يقول إنّ أحداً شمال النهر “لا يستطيع إقصاءنا من المشاركة السياسية الفاعلة والمؤثرة في البلد” .

في المقابل، سينعم لبنان بفضل كلّ هذه الاحداث بضعف محور قاسم وإخوانه. فقد كانت نتيجة هذا الضعف التاريخي استعادة هذا البلد قوّته الحقيقية التي أرساها اتفاق الهدنة عام 1949. كانت قوّة بلاد الأرز من اتفاق الهدنة، وهي اليوم إلى اتفاق الهدنة تعود.

احمد عياش- نداء الوطن

مقالات ذات صلة