خاص: التواصل الإجتماعي: قدرٌ وإدمان!

التواصل الإجتماعي: “قدَر” تكنولوجي تحول الى ادمان!

الهاتف الخلوي صديق ابتسام الحميم. وغالباً ما يشغلها عن محيطها، وعن جلسائها لينقلها الى عالم “الواتس اب”، والمحادثات مع رفاق وأصدقاء آخرين. والهاتف بالنسبة لها عالمها الخاص، الذي من خلاله ترى وتطلّ على العالم. اما عامر، فشاب عشريني ناشط في عالم “الفيس بوك”، والـ “تويتر”. لديه العديد من الأصدقاء والصديقات من كل انحاء الوطن العربي، ويعتبر تقنيات التواصل الإجتماعي وسيلة هامة في الحياة العصرية.

ابتسام وعامر نموذج حي لواقع اجتماعي تعيشه الشريحة الأكبر من البشر، وخصوصا في سن الشباب. وهما ليسا الوحيديْن اللذين سارا في هذا المجال، بل هم كسواهم كثر سيّرتهم هذه الوسائط التقنية كما تسير البشرية جمعاء.

ولعل المشهد الأبرز في كل زمان ومكان هو رؤية السائرين على الطريق والناظرين الى هواتفهم الذكية بانتباه وتركيز، الى حد الإصطدام ببعضهم البعض احياناً كثيرة. إنه الادمان بحد ذاته. ادمان تخطى كل التوقعات، كما تخطت مفاعيله كل الحواجز والاعتبارات، فبات المؤثر الاول والاكثر فاعلية على الرأي العام، وبالتالي بات لهذا “التواصل الاجتماعي” عبر تقنيات الانترنت الدور الابرز في رسم المشاهد السياسية العامة على مستوى العالم!

أما في لبنان، فتختلف الدوافع لولوج عالم التواصل الرقمي بين مواطن وآخر. تقول مي توتنجي، وهي ربة منزل متقدمة في السن نسبياً: استخدم الواتس اب لساعات طويلة في اليوم وتختلف اسباب الإستخدام بين تضييع الوقت، والإستفادة منه لأسباب عائلية. فأنا مثلا اتواصل دائما مع معلمة ابنة ابنتي في “الغاردوري” لأتتبع اخبارها، وفي مرات اخرى اتواصل مع الأصدقاء ونتبادل الصور والنكات والفيديوات المسلية.

وتتحدث مي عن احدى النهفات التي تعرضت لها قبل ايام على “الواتس اب” حيث تواصل معها رقم غريب، وسألته انت مين، فقال لها ممازحا انا امين، فكان اخر الدواء البلوك. كما ان مي تستخدم “الفيس بوك” خصوصا لإنزال صور عائلتها، وتتواصل مع بعض الأصدقاء والأقارب.

بدوره قرر عماد خلف ان يرضخ لعالم التطور وبدأ بإستخدام “الواتس اب” مؤخراً. في البداية كان يسمع الكثير عن هذا العالم القائم بذاته، من الأقارب والجيران والرفاق، لكنه لم يبالِ به كثيرا. وبعد ان اختبر “الواتس اب”، ادرك اهميته، وهو اليوم يستخدمه لساعات. كما انه من المدمنين على “التويتر” وقد بات له عدة اصدقاء يتواصل يوميا معهم ويتابع اخبارهم. وعماد يفضل “التويتر” على “الفيس بوك”.

اما حنان تابت، فتعجز عن متابعة يومها بشكل طبيعي دون التواصل عبر “الواتس اب” و”الفيس بوك” و”التويتر”. وهي تعتبر ان هذه التقنيات سُخرت لصالح البشر، وهي تحول البشرية جمعاء الى ابناء قرية واحدة، مشيرة الى انها تستهلك هاتفها اكثر من 10 ساعات يوميا، ولا تتخيل الحياة “بلا واتس اب”.
وترى حنان ان عالم التواصل الإجتماعي نما كثيرا نتيجة حاجة البشر لبعضهم البعض، ولا يمكن النظر اليه نظرة سلبية، او كأنه مضيعة للوقت، بل على العكس هو مفيد للبشرية ويساعد على استساغة شتى انواع التطور التقني. وهو ايضا وسيلة مثلى للتحاور بين المختلفين، وللتعبير عن الأراء بحرية.

تلك الأراء الإيجابية عن عالم التواصل الإجتماعي، لا تلغي بالضرورة وجود آراء معاكسة. لكن في الوقت عينه يصعب التصديق بوجود اشخاص لا يتفاعلون، حتى الآن، عبر “فايس بوك” و”واتس اب” و”تويتر” وغيرها. والبارز ان شريحة كبيرة من رافضي استخدام هذه المواقع والخدمات ينتمون الى الطبقة المتعلمة والمثقفة، ومعظمهم في العقد الخامس والسادس من العمر.

فخليل فخري، ستيني لا يحبذ هذه التقنيات، بل قرر الإبتعاد عنها رغم نصائح بعض ابنائه والمقربين باستخدامها. ويشدد خليل على ان الإستعمال الأفضل للهاتف هو بالـ “الو”، التي لا يستطيع اي تواصل اخر ان يحل محلها، خصوصا وان اسلوب الكتابة “تشات” قد يحمل الكثير من الخداع، ويبقى الصوت وحده التحديد الأفضل لمدى صدق الإنسان!

اما بالنسبة للفيس بوك والتويتر، فيرى خليل انها ليست اكثر من مضيعة للوقت، ويجزم بأن “معظم المدمنين عليها هم من الفارغين الذين لا عمل لديهم، اضافة الى بعض المشاهير الذين يحاولون زيادة شعبيتهم.

في النهاية، مهما قيل عن عالم “التواصل الإجتماعي”، وسواء كنت معه ام ضده، فالواقع انه فرض نفسه على البشرية بأسرها، وبقوة لا تقاوم، وبات مقياسا حقيقيا لتوجه المجتمعات الفكري والحضاري، وحتى السياسي. فاحدنا لا ينسى دوره الاساسي في الحراك العربي الأخير، وكونه شكل منفساً تنفست الشعوب العربية الصعداء من خلاله.

إنه قدرنا المحتوم، وقدر البشرية جمعاء في ظل تطور متسارع ودينامية مستمرة!

خاص Checklebanon

مقالات ذات صلة