خاص شدة قلم: هل هذه مدينتي بيروت؟!.. أنا لا أعرفها!!
أرى وجوهاً تتلّطى بين أحياء المدينة
أرى “بيروتي” بملامح لم أعرفها من قبل
أرى سراب مدينة تحوّلت إلى أكبر مرآب في العالم
نعم بيروت “عاصمة الحياة والنور”.. وبعدما تربعت على عرش موسوعة الأرقام القياسية “غينيس” بأطول نهر نفايات في العالم.. ها هي اليوم على أبواب تكرار التجربة.. لكن هذه المرّة بعدما تحوّلت إلى أكبر مرآب في المعمورة مشرّعة أبوابه ناحية السماء..
مدينتي بأكملها تحوّلت إلى مرآب للنازحين.. حتى طيور الحمام سلبوا مرتعها.. فلم تعد قادرة على الهبوط فوق الأرض أو جنبات الجسور.. وحتى شرفات المباني اغتصبوها فأصبحت الطيور هائمة لا تجد أرضاً تحط عليها رحالها..
العابر في مدينتي صباحاً يتلمّس إشراقة “صباح الخير”.. فيصطدم بأرتال من سيارات النازحين من كل صنف ولون.. وقد رُكنت على الأرصفة أو في وسط الطرقات عريضة أو ضيّقة.. وامتدت إلى أمتار طويلة أجبرت معها السير الطبيعي للتحوّل إلى زحام له أوّل لكنه معدوم النهاية..
“صف تنين تلاتة” وأحياناً في وسط الطريق.. و”دبّر راسك إذا فيك تدبّر”.. ما همّ إنْ احتكت السيارات العابرة ببعضها.. بل المهم أنّ النازحين ركنوا سيّاراتهم شاء من شاء وأبى من أبى.. “بالعربي المشبرح” بعد اقتحام المباني سرقوا الطرقات ونهبوا الأرض.. وبقوة السلاح الذي ظهر في العديد من مقاطع الفيديو المسرّبة.. وقوة الأمر الواقع أيضاً وأيضاً..
أما انتشارهم بيننا وهو المكروه أصلاً بسبب “فوضويتهم وجبروتهم واستقوائهم”.. ازداد اليوم أضعافاً مضاعفة.. حتى صرنا نهاب لمح أحدهم وكأنّه عزرائيل يحمل منجل الموت ليحصد رقابنا.. وصل الأمر إلى عكار، عاريا، عرمون، البترون، جبيل، أيطو، وسواها الكثير من المناطق البعيدة التي ترفض تفشّي هذا الوباء.. الذي أثبتت الأيام أنّه أخطر من “كورونا والسرطان والإيدز”..
بالفم الملآن نقولها دون خجل.. “معشر المقاومتجيين وأحلافهم” أصبحوا خطراً حقيقياً علينا.. يلاحقهم العدو الإسرائيلي أينما حلّوا.. فيحصد الضحايا والشهداء من الآمنين في بيوتهم.. وكل ذنبهم أنّ “ذيلاً من ذيول المحور” اندس بينهم.. فتسبب بإزهاق أرواح العشرات ممن لا ناقة لهم ولا جمل..
اليوم أصبحنا على مشارف رفض شديد لوجودهم بيننا.. ليس كرهاً بهم بل كرهاً بأفعالهم.. فهم كالوباء المرض الفتّاك ينتشرون كالعلق.. وينشرون معهم الخراب والقرف والاشمئزاز.. وما مشهديات بيروت اليومية إلا خير دليل..
تعبر أمام مباني جامعة LIU التابعة لـ عبد الرحيم مراد.. تراها وقد تحوّلت إلى بؤرة نراجيل تتوزع بين الرصيف المحاذي.. إلى المدخل الزجاجي وصولاً إلى الطوابق العليا حيث يشي تدفق الدخان خارج النوافذ بمن “يُحششون في الداخل”..
ناهيك عن نشر الملابس وحتى الداخلية منها التي شوّهت نوافذ المدارس بين المقاصد على بشارة الخوري.. والليسيه عبد القادر والحريري الثانية في زقاق البلاط..
ليبقى الأنكى تجمّعات وبؤر الشباب الذين ما عادوا كما السابق “مجموعة موزعة ما بين خندق الغميق والبسطة”.. بل أصبحوا كالدوريات العسكرية العابرة بين هذا المركز الإيوائي وذاك..
كانوا بالأمس القريب يشوّهون المدينة المفتوحة على الحياة والفرح والأمل والإشراق.. ويعيثون فيها ظلام الليل وعتمة راياتهم وشعاراتهم المتلحفة بالموت والدم.. اما اليوم فاغتصبوها بشكل نهائي تحت راية النزوح.. والخوف من أن نغفو ليلة لنُصبح في اليوم التالي قد أعلنوا بيروت محافظة إيرانية جديدة.. ونصّبوا عليها علماً لـ”وليّهم غير الفقيه”!!
مصطفى شريف- مدير التحرير