الشيعية السياسية تواجه الفتنة الإسرائيلية وكابوس الاقتتال الأهلي: “كسر الحزب” يفتح البلاد على حمام دم!!
ليس التفويض الذي منحه حزب الله لرئيس مجلس النواب، نبيه برّي، حديثاً أو حدثاً. لطالما لعب برّي دور صانع السياسة والديبلوماسية وحامي الظهر بالنسبة إلى الحزب. هو دوره الذي يقوم به عند المحطات الكبرى. قبل فترة، وعندما سرت أخبار عن أن برّي أصبح كبيراً في السنّ، نقل عنه أحد المقرّبين منه إبلاغه للمجلس المركزي لحركة أمل بأنه في حال تعرّض لأي سوء، عليهم باللجوء إلى أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، والرجوع إليه. في المقابل، نُقل كثيراً عن نصرالله دعواته ونصائحه إلى مسؤولي الحزب بأن يكون برّي ملجأهم وملاذهم. عملياً عاد حزب الله كله إلى حركة أمل، إلى الأخ الأكبر وفق وصف غالبية مسؤولي الحزب.
برّي وجبهاته المتعددّة
يُلقى على عاتق نبيه برّي الكثير. يشارف الرجل على مرحلة من الإنهاك بنتيجة الأثقال التي تلقى على كتفيه، والهموم التي تتزاحم في رأسه، فيجد نفسه مقاتلاً على أكثر من جبهة. أولها حمل هموم الطائفة الشيعية بأسرها اجتماعياً، معيشياً، وفي مواجهة أهوال التهجير. ولد برّي من رحم حركة المحرومين، بنى مجداً سياسياً للشيعة، أدخلهم إلى الدولة حتى صار هو صنوانها، في موازاة بناء حزب الله لقوة سياسية وعسكرية، فشكّلت التوأمة بين الجانبين “الشيعية السياسية”. هو مجد لأربعين سنة، خرج فيها الشيعة من حالة الحرمان، يراها برّي تتداعى أو تتعرّض للتهشيم، فيبقى قتاله الأساسي على هذه الجبهة. ثاني الجبهات، مفاوضاته السياسية مع حزب الله ومع القوى السياسية الأخرى في سبيل إنتاج تسوية رئاسية شاملة لا تحتمل انقلاباً على أي طرف أو عزلاً له، ولا ترتكز على أي مؤشر من مؤشرات الاستضعاف أو الرهان على فرض وقائع خارجية. جبهته الثالثة هي التفاوض مع القوى الإقليمية والدولية في سبيل الوصول إلى وقف لإطلاق النار والمسار المكمّل لما بعده، كإعادة الإعمار والسكان، وتثبيت ترسيم الحدود، وتطبيق القرار 1701.
القرارات الدولية على الطاولة
في ظل موافقة لبنان على الـ1701، تتعالى أصوات داخلية وخارجية تطالب بالقرار 1559. فيما تصرّ إسرائيل على تنفيذ عمليتها البرّية والدخول إلى الأراضي اللبنانية. وهو ما يعيد طرح القرار 425 على الطاولة. ما تريده تل أبيب من عمليتها العسكرية البرية والسيطرة على أراض لبنانية هو فرض أمر واقع عسكري إما للتفاوض عليه، وإما لتحقيق مكاسب عن طريق كسر الحزب وتفكيك بنيته العسكرية والتحتية. ذلك يدفع لبنان إلى إعادة رفع شعار المطالبة بتطبيق القرار 425، والذي يمكن لإسرائيل أن تطالب في مواجهته بالقرار 1559.
فالقرار 425 يطلب انسحاب إسرائيل الكامل من لبنان. لذلك، أي تحرك بَرّي باتجاه الأراضي اللبنانية يُعتبر انتهاكًا لهذا القرار الأممي. يؤكد القرار على الدور الدولي في حفظ الأمن عبر اليونيفيل. وفي حالة تصعيد جديد، ستكون هذه القوة الأممية في موقف حساس، وقد يُطلب منها تعزيز وجودها أو تكثيف جهودها للحفاظ على الاستقرار. يركز القرار على سيادة لبنان ووحدة أراضيه. إذا ما قامت إسرائيل بأي تصرفات جديدة، فهذا سيضع تحديات أمام السيادة اللبنانية. القوى السياسية في لبنان ستستخدم هذا القرار لتبرير موقفها، سواء في التصعيد السياسي أو الدبلوماسي.
تغيير الواقع السياسي
وسط تحضير لبنان لمطالعة تتعلق بالمطالبة بتطبيق هذا القرار، تتواصل الضغوط السياسية الدولية في سبيل إعادة تغيير الوقائع السياسية، يتجلى ذلك من خلال البيان الصادر عن وزارة الخارجية الأميركية والتي دعت اللبنانيين إلى التخلص من قبضة حزب الله. بيان لاقاه رئيس الوزراء الإسرائيلي بتحريض اللبنانيين على التحرك ضد الحزب وتحرير بلدهم، وذلك له أبعاد تقارب حداً خطيراً من إعادة إحياء اقتتال طائفي على خلفية سياسية.
بالمعنى الواقعي، فإن الترجمة العملانية هي فرض معادلة سياسية جديدة، تحاول عزل حزب الله أو استبعاده، في محاكاة لطروحات جرى تقديمها سابقاً وفق صيغة حكومة “تكنوقراط” لإخراج الحزب من الحكومة وذلك بعد تفجير مرفأ بيروت.
إنها محاولة لفرض وقائع سياسية يمكن أن تفتح البلاد على حمام دم يغرق به اللبنانيون إضافة إلى الدم المهدور من قبل الإسرائيليين. خصوصاً أن أي معادلة من هذا النوع ستعيد اللبنانيين بذاكرتهم إلى ما بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان وصولاً إلى بيروت في العام 1982، وما تلاه من وقائع سياسية أفضت إلى اتفاق 17 أيار.
يلقى هذا المشروع معارضة داخلية وخارجية، لا سيما أن حزب الله والبيئة الشيعية في حاجة إلى نوع من الاحتضان الاجتماعي والسياسي، ولا يمكن التعاطي معهما بطريقة الكسر أو العزل. فأي محاولة لفرض شروط سياسية تنتج سلطة ينكسر بموجبها أحد الأطراف لا بد لها أن تعيد إحياء مشاهد الانقسام الكبير أو الاقتتال.
منير الربيع- المدن