ماذا حصل في الأيام العشرة الأخيرة من عمر وديع… وهذا ما قاله النائب جراح السمنة مصطفى علوش؟

كيف يقدر الحزن على النيل من إنسان الى هذه الدرجة؟ هو القدر؟ يا له من قدر لعين يتيح لنفحة ريح أن تكسر إنساناً. أبو وديع، جورج وسوف، مكسور. “راح” سنده. راح الكتف والذراع والقلب والإبن والصديق وتركه مكسوراً مهشم القلب حزيناً حزيناً. هي المأساة الحقيقية. هو الوجع اللامتناهي. هو الأسر الأبدي وراء قضبان الحزن. إنتصر الحزن على أبي وديع؟ حفرة ضيقة وظلمة دامسة وأسئلة أسئلة وعذاب. هو موتُ الحيّ. هو البلاء. فهل سيقوى الأب الملتاع ويصبر على البلاء؟ وديع جورج وسوف دخل فرحاً بقدميه الى المستشفى وخرج جثة في قبضة الموت. فهل هو خطأ طبي أم قدر؟ الثابت الوحيد في هذه اللحظة أن جورج وسوف يحتاج الى كثير من الصلوات والإيمان والتوكل على الله والرضى والتسليم.

في مستشفى مار يوسف ما يُشبه الذهول. طنّ اسم المستشفى مئات المرات في اليومين الماضيين. فوديع جورج وسوف دخل إليها في 26 كانون الأول 2022. ومات في 6 كانون الثاني 2023. عشرة أيام بددت أحلام وتمنيات وتسببت بآلام وبانكسار قلوب وبكثير كثير من الغموض. لماذا مات وودي- وديع- بعدما كانت الحياة لا تسعه؟ روزنامة الأطباء محجوزة بعمليات من نفس النوع، عمليات قصّ المعدة وتحويل مسارها، فلماذا يموت شاب، يهدّ الحائط بيده، بسبب مضاعفات عملية أصبحت مثل شربة الماء؟

أحياناً، نشعر أن الكلام في لحظات الاسى الكبيرة غير مجدٍ. نشعر أحيانا أن لا شيء قد ينفع، خصوصاً حين يكون الدم لا يزال ساخناً. لكن، هناك مواعيد محددة في المستشفيات لنفس النوع من الجراحات والخوف، كل الخوف، أن يكون هناك وهنالك “وودي” آخر في وقت آخر. في مستشفى ماريوسف يستغربون سؤالنا: هل في موت وديع خطأ؟ لا يريدون هناك إقحامهم في ما لم يتطرق أحد بعد إليه. في المستشفى أكثر من جرّاح بارع يقوم بهذا النوع من العمليات. أحدهم (تمنى عدم ذكر اسمه) أكد أنه ليس هو من أجرى العملية ورفض إعطاء معلومات عن هذا النوع من الجراحات قائلا “يمكنكم معرفة ما تريدون أونلاين… غوغل مليء بها” ويستطرد “تابعتُ القصّة وأعرف ما حصل تماماً ولا علاقة مباشرة للعملية بموت وديع وسوف. تمّت العملية قبل عشرة أيام وحدث “شي تاني”. مات وديع جورج وسوف بسبب “شي تاني” أدى الى مضاعفات “فنتيجة العملية أتت ناجحة مئة في المئة”. الطبُ يعرف كيف يتنصل من المسؤوليات، ليس في هذه القصّة وحسب بل دائماً. لسنا نتهم طبعاً الطبيب الجراح لكن ما حدث يحتاج الى تفسير. إتصلنا بطبيب ثان وثالث. الأطباء يرتبطون في هذا النوع من الشكاوى مثل حبل السرة. والإنتظار برأيهم واجب.

المخاطر والمضاعفات

ما رأي الدكتور مصطفى علوش النائب السابق – الإختصاصي بهذا النوع من العمليات؟ يجيب “يدوم تأثير هذا النوع من الجراحات نحو الشهر، قد تحصل خلاله مضاعفات. في كل حال، نحتاج في حالة وديع وسوف الى البحث أكثر في التفاصيل، التي هي غير واضحة تماماً حتى الآن، كي نكتشف الأسباب التي أدت الى حدوث المضاعفات”.

في رأي الدكتور علوش إحتمال حدوث مضاعفات موجود دائماً “إنها واردة لكن بنسب ضئيلة خصوصاً إذا كان المريض يعاني من الضغط او السكري أو السمنة المفرطة. كل تلك الحالات يفترض أن تدخل في الحساب، مع العلم أن خطر الوفاة هو أقل من واحد في كل 200 حالة. نسبة الوفيات في جراحة قص المعدة وتحويل مسارها تعادل نسبة الخطر في جراحة نزع المرارة وليس أكثر من ذلك أبداً، لذلك يجب تحديد الأخطاء والمسؤوليات أكثر من خلال التحقيق الطبي. ولا يجوز التشهير بطبيب قبل معرفة كل المعطيات”.

هل صحيح أن الطحال قد يتأثر بهذا النوع من الجراحات وقد ينزف؟ يجيب علوش “نعم، يمكن أن يتأثر الطحال لكن ذلك يظهر بسرعة، خلال 24 الى 48 ساعة، لا بعد عشرة أيام” ويستطرد “الإشتراكات طبياً قد تحصل ونحن نسميها lump sum أي “كلها على بعضها” تتطور معاً وتؤدي الى ما لا تُحمد عقباه”.

لا أحد يعلم بالتحديد، اقله حتى الآن، كيف تطورت حالة وديع وسوف في الايام الخمسة الأولى التي تلت العملية الجراحية. في كل حال النزيف bleeding قد يكون أحد أبرز المضاعفات التي قد تحدث إثر العملية. أحد أهم الأطباء في جراحات تصغير المعدة في مستشفى ماريوسف يُحذر مرضاه دائما من خطرها. احد المرضى سبق وأجرى نفس العملية لدى الإختصاصي في الجراحة العامة الدكتور فادي سليلاتي في مستشفى مار يوسف يتذكر ما قاله له الطبيب بدقة: “الخطر موجود لكنه ضئيل ونقارنه بين الخطر الذي قد تتسبب به البدانة المفرطة قبل إقرار إجراء العمل الجراحي”. في حالة الرجل كانت سمنته عالية جداً، تنفسه يتقطع نهاراً، وفي الليل يستيقظ مراراً وهو يختنق، وقدماه كانتا متورمتين. كان في دائرة الخطر والفائدة من إجراء العملية كانت نسبياً أعلى بكثير من عدم إجرائها. وهذا ما حصل. وبعد العملية كان عليه أن يمضي وقتاً طويلاً بلا طعام صلب، وبلا كحول، وبلا اطعمة حارة، وبلا رياضة، وبلا وبلا وبلا…”. تُرى ماذا حصل في الأيام العشرة الفاصلة بين العمل الجراحي والوفاة؟ لا بُدّ أن تتضحّ المسائل بعد الإنتهاء من مراسم الوداع أكثر.

“ليش نصحان هيك يا وديع؟ انتبه ما بقا تنصح؟ أوووف ما عرفتك ليش صاير هيك؟”. جملٌ لاحقت في الآونة الأخيرة وودي- وديع أو حتى “ودوعة” كما يحلو لأبيه مناداته، الذي طالما حاول أن يخسر من وزنه، لكن، في كل مرة، كان يستعيده من جديد. هناك من يتقصدون التفوه بأي شيء، بكلِ شيء، من دون مراعاة الإنسان الآخر. وحين قرّر وديع إجراء جراحة تكميم المعدة فكّر على الأرجح بكل هؤلاء. وهو ليس أوّل واحد، كما لن يكون الأخير، الذي يختار الحلّ الأسهل في مواجهة السمنة – ألا وهو العمل الجراحي – فلفشوا بين صفحات “غوغل” كما دعا الطبيب الجراح وستقرأون عن عشرات ماتوا في الأشهر القليلة في عمليات قصّ المعدة. هناك حالة في كل 200 حالة جراحة من هذا النوع. نحن نرى الرقم عالياً بينما في الطب هو ضئيل.

 

tayyar.org - ماذا حصل في الأيام العشرة الأخيرة من عمر وديع؟

نوال نصر- نداء الوطن

مقالات ذات صلة