العلاقة بين سوريا و”حزب الله” في منعطف مصيري

“حزب الله” في مأزق حقيقي منذ اغتيال صالح العاروري وصولاً إلى اغتيال نصرالله وأمامه تحديات بسد الثغرات ومعالجة الاختراق الأمني وترتيب الصفوف لأنه بات منكشفاً أمام الكيان الإسرائيلي، فيما تواجه دمشق أزمة في علاقتها معه وبخاصة حال صدر قرار دولي أممي لتقييد الحزب ومحاولة تفكيكه.

“طريق القدس يمر بحلب والقلمون والزبداني والحسكة” عبارة قالها الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله عندما أزفت شرارة (المقتلة) السورية، واشتعل لهيب صراع مسلح شديد الوطيس بين السوريين، وزاد في طنبور الحرب عنفاً وصرخ بأنه “لو دعت الحاجة لأن أذهب أنا وأولادي للحرب في سوريا سنذهب”.

بهذه الخطابات كان السوريون يتسمرون أمام الشاشات لمتابعة رجل المقاومة الأول بعدما لمع نجمه وتربع في قلوب الشارع السوري حين سرت نشوة نصر حرب يوليو (تموز) عام 2006 على الإسرائيليين، وتبدلت صورة المعركة وقواعد الحرب وفرض الحزب اللبناني كلمته بقوة فوهة البندقية وصليل صواريخه.

لم يطل الأمر حتى جاءت الحرب السورية إثر احتجاجات شعبية عام 2011 لينقسم الناس خلال عقد من الزمن حول سياسة الحزب وبوصلته التي أخذت تتجه إلى بلدهم شيئاً فشيئاً منذ 2013 مع احتدام الصراع المسلح.

حروبه مع المتشددين

وعلى الأرض انتشرت مجموعات “حزب الله” بخفة وتكتيك عالي الدقة، واستفاد الفريق الموالي والجيش النظامي من خبرة قادته وعناصره في معركة تسميها العلوم العسكرية “حرب العصابات” وقدرته على التمويه والتخفي بين جبال وسفوح الجنوب وتنفيذ العمليات النوعية، علاوة على الدعم الإيراني المقدم لأفراده الذين حققوا تقدماً مبهراً وبخاصة مع بزوغ التنظيمات المتشددة دون الإعلان عن عدد واضح، إذ يتبدل أفراده بين الحين والآخر.

وفي وقت عبر “حزب الله” عن استمرار قتاله التنظيمات الإرهابية والمتطرفة مثل “داعش” كان يحذر أنه في حال لم يحاربها ستصل إلى القرى والمدن اللبنانية، وكان الفريق المعارض ولا سيما فصائل المعارضة المسلحة تعتبره من أشد الخصوم، وأرسل الحزب الآلاف من مقاتليه في ساحات قتال متعددة ومن أشهرها معركة (القصير) والتي لقي فيها 1000 مقاتل من أفراد الحزب مصرعهم، بينما الأمين العام للحزب أفاد في إحدى المقابلات التلفزيونية عن سقوط 250 مقاتلاً.

روابط تاريخية

وطالما حقق الحزب في الحرب السورية انتصارات في عدة معارك منها في حمص منتقلاً إلى حلب مروراً بغالب المعارك الدائرة منذ اندلاع الحرب السورية، حتى عام 2017 حين انقلبت المعادلة في السيطرة الميدانية وجغرافيتها ولتتمكن دمشق من إعادة نفوذها على معظم المناطق وباتت تسيطر على 70 في المئة من الأراضي.

وبحسب مصادر ميدانية فإنه بعد هدوء المعارك والسيطرة على ريفي إدلب الجنوبي وحماه الشمالي عام 2019 يمكن التنبؤ بحضور قوات الحزب اللبناني بقدر لا يقل عن ألفي مقاتل، يتمركزون ضمن نقاط إسناد وأخرى ثابتة في ريفي دمشق وحلب وحماه وحمص والبادية.

ويعتقد الباحث في السياسة الخارجية السورية محمد هويدي أن تاريخ العلاقات بين سوريا و”حزب الله” يرتبط بتاريخ العلاقة بين دمشق وطهران، بحيث إن “حزب الله” بين تلك القوى الحليفة لسوريا منذ تأسيسه عام 1982 ودعمته بصورة كبيرة ولا سيما خلال الحرب الأهلية اللبنانية أو مواجهة إسرائيل، ولعبت سوريا دوراً كبيراً بإسناد الحزب عامي 1990 و2006 وفتح أبواب مستودعات الذخيرة والأسلحة.

وأضاف هويدي “لعب الحزب دوراً كبيراً خلال الحرب السورية الأخيرة عندما دخل إلى سوريا لحماية الحكومة لأنه يدرك جيداً أن دمشق هي سنده، والتدخل كان مهماً لاستراتيجية الحزب وكذلك مع حلفاء سوريا ومنها طهران، ولذلك أسهم في مواجهة التنظيمات الأخرى ومنها معركة القصير التي أسهمت من جهتها في تغيير المعادلة، والتي رسخت بتدخل ’حزب الله، ومن ثم إيران وروسيا، ومن جهة حتى يحافظ على طريق عبور السلاح إلى مقاتليه ولهذا كان له حضوره قبل عقد من الزمن، ولأسباب أمنية ولوجيستية”.

ويجزم الباحث السوري بتعرض الحزب لنكسات وضربات مؤلمة ومنها حادثة اللاسلكي “البيجر” واستهداف الصف الأول وصولاً لاغتيال الأمين العام للحزب حسن نصرالله الذي يمتلك شخصية وكاريزما مؤثرة، مضيفاً “الحزب يقوم حالياً بمراجعة صريحة للأحوال الأمنية والاستخباراتية والجيوسياسية والتعاطي مع رحيل قائده، وبتقديري الشخصي أنه قادر على ترميم صفوفه ولديه الإمكانات للاستمرار وهذا الأمر يحتاج لوقت، ولكن بعض التحليلات تذهب إلى مصير تفكيكه وهذا مستحيل الحدوث، وربما يتعاطى بواقعية بإدارة المشهد”.

ارتداد ضربة الاغتيال

ومع رحيل نصرالله دانت دمشق الهجوم الذي طال بناء في الضاحية الجنوبية لبيروت وأسفر عن اغتيال أمين عام “حزب الله” وأعلنت الحداد ثلاثة أيام، وجاء في بيان وزارة الخارجية “على رغم مشاعر الأسى والحزن التي أشاعها نبأ مقتل السيد نصرالله لدى الأحرار في كل مكان لدى الشعب السوري الذي لم ينس يوماً مواقفه الداعمة، فإن مسيرته البطولية ستبقى منارة للأجيال القادمة لمواصلة نضالها من أجل تحرير جميع الأراضي العربية المحتلة، وضمان محاسبة إسرائيل عن أفعالها المشينة”.
وفي المقابل يرى مراقبون في الشأن السوري أن نكسة اغتيال زعيم “حزب الله” تعد ضربة قاسية ستأتي ارتداداتها على قادة وعناصر المقاومة سلباً، ويتوقع أحد الناشطين في الشأن السوري فضل عدم ذكر اسمه في حديثه إلى “اندبندنت عربية” وجود تقهقر يصيب جسم وأركان المقاومة ليس اللبنانية فحسب بل الفلسطينية أيضاً، ويدعوها لمراجعة قرار الحرب والسلم مع بروز التفوق التكنولوجي والاستخباراتي.

وأردف المصدر “بالتالي فإن إمكانية اختراقه باتت أكثر فاعلية وصولاً لشلله بصورة تامة في حال كثفت من الضربات على قيادة الصف الأول، وفي المقابل يمكن توقع ردود فعل سريعة من قبل القيادة الجديدة أو من قبل الأمين العام الجديد للفصيل المقاوم عبر زج أعلى درجات عمليات القوة الصاروخية وأكثرها مدى لضرب تل أبيب كرد فعل يقوي الحزب أمام جمهوره، ومن جهة ثانية لإحراج إيران وإدخالها بمعركة في مواجهة إسرائيل ما زالت تخاف وتخشى من تداعياتها”.

اندبندنت

مقالات ذات صلة