اغتيال نصرالله ليس نهاية جهنّم بل بداية جهنّم أكثر سعيراً… والقاتل هي إيران قبل أن تكون إسرائيل!
إذا كانت قنابل k 83 الأميركية الصنع التي أطلقتها إسرائيل على مقرّ قيادة الحزب في الضاحية هي التي قتلت سماحة الأمين العام للحزب ورفاقه فإنّ القاتل هي إيران قبل أن تكون إسرائيل!
قتل سماحة “السيّد” ورفاقه، رحمهم الله، بعدما حمل الرجل على كاهله، وحده دون سواه، أثقال المساندة والمشاغبة، دون مشاركة إيرانية أو سورية.
الإيراني يلتزم قواعد الاشتباك حتى يحصل على جائزة هي رفع العقوبات الدولية بأفضل شروط، والسوري يسعى إلى النأي بالنفس بعد معاناة الحرب الأهلية.
هكذا أحبّ الرجل وهوى تحت شعار: “إذهب أنت وحزبك وقاتلا”. وحمل عبء الحرب أمام جمهوره الشيعي وأمام غضب القوّة السياسية اللبنانية المعارضة له.
كانت تعليمات طهران له: “تشدّد في الداخل وانضبط على الجبهة في القتال”.
وكانت التعليمات: “عرقل اختيار الرئيس حتى نفاوض على ثمنه مع الغرب، ولا تستخدم صواريخك البعيدة المدى”.
واقع حال الرجل أنّه كان يريد إنقاذ سمعته في الداخل على أنّه يعطّل التسوية السياسية، ويريد أن يثبت قدرة حزبه على الجهاد ضدّ إسرائيل.
أدرك نتنياهو المعضلة التي يعيشها الرجل فقرّر أن يلعب اللعبة بمهارة وتشدّد بأن يذهب بها إلى آخر مدى.
كيف سوّق نتنياهو سياسته؟
حاول نتنياهو أن يسوّق سياسته للأميركيين على النحو التالي:
1- هذه ليست معركة أو جولة، لكن ما يعرف بالإنكليزية game changer. لذلك كان الاسم الكوديّ لعملية الاغتيال الأخيرة: عملية “النظام الجديد”.
2- إضعاف الحزب هو إضعاف للوكلاء، وإضعاف الوكلاء هو إضعاف لإيران. وإيران الضعيفة يجعلها أكثر سهولة وأكثر تطويعاً في الضغط عليها.
بالمفهوم الإسرائيلي الليكوديّ ليس من مصلحة الدولة العبرية الآن إنجاز أيّ اتفاق على جبهتَي غزّة أو جنوب لبنان.
بالمفهوم الليكوديّ، لا يمكن التفاوض مع يحيى السنوار أو حسن نصر الله إلّا بعد تحطيم آلتهم العسكرية وجلبهم إلى طاولة المفاوضات ليس لاتفاق سلام لكن لوثيقة استسلام.
3 أهداف استراتيجيّة لنتنياهو
بمفهوم نتنياهو وتحالفه هذا هو الوقت الذهبي محلّياً وإقليمياً ودولياً لتحقيق 3 أمور استراتيجيّة:
أوّلاً: إنهاء أيّ تهديد للأذرع الإيرانية المتحالفة ضدّ أمن وسلامة الدولة العبرية.
ثانياً: إنهاء القيادات الاستراتيجية التي تعتمد عليها حماس والحزب والحشد الشعبي والحوثيون والتي تدير منظومة قيادة العمليات الأمنيّة والعسكرية ضدّ حدود إسرائيل.
ثالثاً: إنهاء المخزون الاستراتيجي للصواريخ والمسيّرات لدى هذه القوى حتى لا تصبح الأهداف الإسرائيلية في خطر ولا تضطرّ إسرائيل إلى تهجير أيّ من المستوطنين، سواء في نطاق غزة أو في الجبهة الشمالية.
يريد بيبي نتنياهو وائتلافه الحاكم دخول التاريخ المعاصر باعتبارهم وحدهم دون سواهم الذين نجحوا في إحداث هذا التغيير الاستراتيجي الذي يعتمد على القوّة العسكرية، ثمّ تأمين إسرائيل بمناطق أمنيّة عازلة تمكّن سلطة الاحتلال من التحكّم في الأمن والطاقة والخدمات والضرائب وكلّ أوجه متطلّبات الحياة في غزة وضمان خلوّ الحدود مع لبنان من أيّ تهديدات.
“بيبي” يحقّق مصالح أميركا
تقول المصادر المطّلعة هنا في واشنطن إنّ إسرائيل تريد فرض أمرين:
1- تأمين الاحتلال في غزة والضفّة.
2- تأمين الحدود في الحدود الشمالية.
تقول هذه المصادر إنّ أحد مستشاري نتنياهو للأمن القومي أكّد للمسؤولين الأميركيين أثناء زيارته الأخيرة للعاصمة الأميركية أنّ ضرب وكلاء إيران في المنطقة له فائدة استراتيجية عظمى للإدارة الأميركية المقبلة بصرف النظر عن كونها جمهورية أو ديمقراطية، وهي أنّ إضعافهم سوف يجعل إيران أكثر ليونة وأقلّ تشدّداً في أيّ مفاوضات نووية مقبلة.
تقوم فلسفة هذا النوع من التفكير على الفكرة التالية: “إنّ إيران بلا أذرع قويّة ومؤثّرة في المنطقة ستكون أكثر طواعية في المفاوضات”.
نحن نحارب إيران عنكم
المنطق أو السردية الإسرائيلية تقوم على الرؤية التالية:
لقد أثبتنا لكم، أنتم الأميركيين، وللعالم، قدرتنا على ضربهم في العمق أو اختراقهم في قياداتهم والقيام بعمليات نوعية استخبارية سوف تدرّس في أكاديميات الأمن. وحطّمنا أسلحتهم الاستراتيجية. وقمنا بتصفية عقولهم المدبّرة وقياداتهم الميدانية. ووجّهنا ضربة قاضية لمخزونهم الاستراتيجي من الأسلحة. ذلك كلّه ليس بهدف إضعافهم وحدهم لكن أساساً وحتماً لإضعاف إيران.
في كلّ اجتماع بين المسؤولين الأمنيين الأميركيين والإسرائيليين يتدخّل مسؤول إسرائيلي لتصحيح وتصويب الحوار مكرّراً عبارة: “تذكّروا يا سادة. نحن لا نحارب حماس أو الحزب أو الحوثي أو الحشد الشعبي. نحن نحارب إيران مباشرة، لكن عبر وكلائها الذين يتلقّون تمويلها وتوجيهاتها”
واشنطن… ونتنياهو الجديد
هناك إحساس قويّ في واشنطن بأنّ نتنياهو الحالي هو غير نتنياهو الذي كان في الشهور الأولى عقب 7 أكتوبر.
نتنياهو الجديد يشعر منذ سبعة أسابيع بفائض قوّة لنجاحاته في المماطلة لشراء الوقت والوصول إلى أعتاب أسابيع قليلة من حسم معركة الرئاسة الأميركية لأنّه يدرك أنّ واشنطن الحالية هي في ظلّ رئيس معطّل القوى، ونائبته ومرشّحته بحاجة إلى الصوت اليهودي والدعم الإسرائيلي. وترامب هو الصديق الاستراتيجي للدولة العبرية.
فائض قوّة نتنياهو يعود لنجاحه في عمليات نوعية (قتل قيادات حماس. اغتيال هنية في طهران… إلى اغتيال فؤاد شكر وعقيل والقبيسي وسرور وغيرهم من القيادات وصولاً إلى الأمين العام وتفجيرات البيجر والتوكي ووكي. ومجازر خان يونس ورفح والقرى الحدودية اللبنانية. والنزوح اللبناني الكبير من الجنوب إلى طرابلس وصيدا وبيروت لجعل جمهور نصر الله ينقلب عليه).
فائض القوّة هذا تدعمه ثلاثة أمور:
1- دعم كلّ القوى، حتى المعارضة في الداخل الإسرائيلي، وإيمانها بضرورة استكمال عمليات جبهة الشمال لإعادة سكان هذه المناطق.
2- التوافق بين نتنياهو وغالانت والمستوى العسكري على ضرورة استكمال العمليات.
3- تهديد الوزيرين إيتامار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش وتيّارهما في الائتلاف الحاكم بالاستقالة في حال عقد نتنياهو اتفاقاً لوقف إطلاق النار.
تدلّ الاستطلاعات الأخيرة في إسرائيل على أنّ أسهم شعبية نتنياهو في ارتفاع، وأنّه في حال حدوث انتخابات نيابية الآن سوف يفوز ائتلافه بنسبة مريحة.
أذكّر القارئ الكريم أنّني كتبت هنا في هذا الموقع قبل أربعة أشهر نقلاً عن مسؤول عربي عن تحذير وجّهه هذا الأخير لواشنطن بضرورة نصح إسرائيل بعدم السعي إلى قتل سماحة “السيّد”، لأنّ ذلك، حسب كلام المسؤول العربي، سوف يفتح أبواب جهنّم في المنطقة.
قتل نصر الله ليس نهاية جهنّم بل بداية جهنّم أكثر سعيراً.
وليس كما تظنّ تل أبيب وواشنطن.
عماد الدين اديب- اساس