مصير نصرالله وردود “محور الممانعة” المتأخرة: القيادة الإيرانية أمام خيار واحد!
ما الذي يمنع إيران من الدفاع عن حزب الله؟
تراكمت الوعود التي قطعها على نفسه “محور الممانعة” بالرد على كل الاختراقات الدموية التدميرية الإسرائيلة للخطوط الحمراء التي رسمها المحور. وأضافت الأيام الأخيرة كماً هائلاً من الاختراقات الإسرائيلية لهذه الخطوط، والتي كانت تفترض من المحور بذل المزيد من الوعود والأيمان الغليظة بالرد عليها. لكن المنطقة كانت لا تزال تحصي الأسابيع التي انقضت على وعد قيادة المحور الإيرانية بالرد، ولو المشبع “درساً”، على اغتيال إسماعيل هنية في عقر دار الحرس الثوري. غير أنها “فوجئت” بمفاوضات الرئيس الإيراني في نيويورك مع “الأخوة” الأميركيين الذين لا تريد طهران الحرب معهم، بل السلام وصفقة نووية جديدة.
ردود “الممانعة” أغرقت في تأخرها، وأظهر ما نفذ منها (الرد على قصف القنصلية الإيرانية وعلى إغتيال فؤاد شكر)، أنها كانت “مدروسة جداً”، وأدنى بكثير من أن تكون “توازن الرعب” ذاك الذي بقي الممانعون حتى الأمس يحاولون إقناعنا بوجوده. وجاء الغزو الجوي الإسرائيلي المتواصل للبنان ليطيح بكل أثر له كان عالقاً في ذهن البيئة الحاضنة للممانعة. والصواريخ التي تطلق على إسرائيل، أقل بكثير من أن تخلق ما يشبه هذا “الرعب”. وكل ما تقوله، بل ما تريد أن تقوله، أن مطلقيها يثبتون أنهم مستمرون في الإصرار على وحدة ساحات “الممانعة”. ولن يقوى ما ارتكبته إسرائيل في الأيام الأخيرة من مجازر ودمار بحق الناس والحجر، ثمناً لا بد أن يدفعه، “على كرامة وإباء وعنفوان ممانع”. وساحات “الممانعة” الأخرى ليست أفضل من ساحة غزة، وليس هناك ما يمنع من أن تدفع الثمن عينه الذي دفعته غزة وما زالت من تهجير وموت ودمار، جعل عمار القطاع حطاماً على الأرض.
“وحدة الساحات” لا بد وأن تلاحظ أن الحرب على ساحة غزة، كادت أن توحد الإسرائيليين في مطالبتهم بهدنة تنهي معاركها وتعيد الرهائن المحتجزين لدى حماس. والحرب على حزب الله تكاد أن توحد الإسرائيليين في رفض الهدنة المقترحة والمطالبة بمواصلة الغزو الجوي للبنان وإبعاد حزب الله لمسافة قد تتخطى ما يفترضه القرار 1701، وتضمن عودة آمنة للإسرائيليين إلى الشمال. لقد تشجع نتنياهو والإسرائيليون من ورائه، بمن فيهم معارضوه، بما حققه الغزو الجوي الإسرائيلي ليتشددوا في مواقفهم حتى الآن من الهدنة الأميركية الفرنسية المطروحة منذ أيام. وما حققه هذا الغزو وتفجيرات وسائل اتصال حزب الله، يسجله نتنياهو انتصارات شخصية له لا تثير معارضة الإسرائيليين.
وما يعزز تأييد الإسرائيليين لمواصلة حربهم على حزب الله ولبنان، ما أخذ يظهر في الأيام الأخيرة من أنباء وإشارات على وهن ما في أواصر “وحدة الساحات”. وما يجعل الإسرائيليين أكثر قناعة بوجود هذا الوهن، كلام الرئيس الإيراني في الجمعية العامة للأمم المتحدة عن “إخوته” الأميركيين وسعي إيران للسلام معهم وليس الحرب، واستعدادها لبدء المفاوضات معهم فوراً بشأن الصفقة النووية وسواها.
وتداول الإعلام العالمي والإسرائيلي ما أشيع عن رفض إيران طلب حزب الله مساهمتها في الرد على هجمات إسرائيل على الحزب وتكرار عمليات اغتيال كبار قادته. فقد نشر موقع Detaly الإسرائيلي الناطق بالروسية في 25 الجاري نصاً تحدث فيه عن مطالبة حزب الله إيران بالهجوم على إسرائيل، ورفض إيران الإستجابة للطلب بحجة وجود الرئيس في نيويورك لحضور الجمعية العامة للأمم المتحدة.
نقل الموقع عن المحلل العسكري في موقع Walla الإسرائيلي قوله بأن مصدرين إسرائيليين ودبلوماسي غربي أطلعوه على أن حزب الله طلب مساعدة إيران والتنفيذ الفوري للهجوم الإنتقامي على إسرائيل الذي كان مخططاً له بعد اغتيال إسماعيل هنية في طهران قبل شهرين من الآن. لكن الإيرانيين لم يردوا إيجاباً، وأعربوا عن شكوكهم بشأن الدخول في أعمال عدائية مباشرة ضد إسرائيل. وقال مسؤولون إيرانيون لحزب الله إن “التوقيت ليس مناسباً”، لأن الرئيس الإيراني موجود حالياً في نيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ونقل موقع Walla عن مسؤل إسرائيلي رفيع المستوى قوله بأن مجلس الأمن السياسي أصدر إرشادات للجيش الإسرائيلي بتجنب الخطوات التي يمكن أن تعطي إيران سببًا أو ذريعة للانخراط في الأعمال الحربية. ونقل الموقع عن الرئيس الإيراني قوله في مؤتمر صحافي في نيويورك في 23 الجاري أن إسرائيل تسعى إلى حرب شاملة في المنطقة، وأكد أن إيران لا تريد “الوقوع في هذا الفخ”.
ونقلت وسائل إعلام عربية في 27 الجاري عن خبير إيراني في طهران قوله بأن إيران تعتبر ان ما يدور الآن بين إسرائيل وحزب الله والأذرع الإيرانية الأخرى، يحمل طابعاً تكتيكياً وليس استراتيجياً، ويستطيع حزب الله التعامل مع الوضع بمفرده، حيث لم يستخدم حتى الآن سوى 10% من ترسانته الصاروخية. وبرر بالطابع التكتيكي نفسه، عدم سماح طهران لحزب الله باستخدام ترسانته من الصواريخ بعيدة المدى، ولم يرفض مقولة أن هذه الصواريخ يحتفظ بها الحزب للمساهمة في ردع هجمات أميركية إسرائيلية محتملة على المشروع النووي الإيراني.
موقع الخدمة الروسية في BBC تساءل في نص نشره في 25 الجاري عما يمنع إيران من الدفاع عن حزب الله. استهل الموقع نصه بالقول إن حزب الله تعرض خلال الأسبوع الماضي لسلسة من الضربات غير المسبوقة التي أثارت في التنظيم الأزمة الأعمق خلال العقود الأربعة الأخيرة. وتوقع كثيرون أن تؤدي الضربات القوية غير المسبوقة من جانب إسرائيل، والتي قوضت بشكل خطير بنية حزب الله، إلى رد فعل أكثر حسماً من جانب إيران. ومع ذلك، لم يكن هناك رد فعل من هذا القبيل حتى الآن.
وأضاف الموقع بالقول أنه، وعلى الرغم من تأكيدات إيران منذ فترة طويلة بأن حزب الله هو “خطها الأحمر”، وقول حسن نصرالله مؤخراً إن إسرائيل “تجاوزت كل الخطوط الحمراء”، فإن إيران لم تظهر حتى الآن أي علامات على أي رد فعل منضبط أو عدواني. وحتى الخطاب الإيراني الناري عادةً حول الانتقام من إسرائيل، يبدو منضبطاً بشكل ملحوظ هذه المرة.
وأشار الموقع إلى ما صرح به لصحافيين أميركيين الرئيس الإيراني أثناء حضوره الجمعية العامة للأمم المتحدة من أن إيران قد تفكر في رفض استخدام القوة العسكرية إذا فعلت إسرائيل الشيء عينه. ويتناقض هذا التصريح غير المعتاد بشكل صارخ مع الموقف الإيراني قبل أقل من شهرين، عندما تعهدت إيران برد صارم على إسرائيل في أعقاب اغتيال زعيم حماس إسماعيل هنية في طهران. ويقول الموقع أن التحول نحو لهجة أكثر تصالحية في نيويورك كان لافتاً للنظر لدرجة أن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي سارع إلى نفي التقارير التي تفيد بأن إيران مستعدة للتخلي عن التصعيد في علاقاتها مع إسرائيل.
كما نقل الموقع عن وزير الخارجية الإيراني السابق والنائب الحالي للرئيس الإيراني محمد جواد ظريف تأييده بزشكيان في شبكات التواصل الاجتماعي، وقوله بأن الرئيس أدان في الحقيقة الجرائم الإسرائيلية، وقدم إيران بوصفها مدافعاً عن السلام ومؤيداً لنزع السلاح النووي في المنطقة.
ينتهي الموقع إلى الإشارة إلى الصراع الداخلي الإيراني حول تصريحات الرئيس في نيويورك، وبشأن انخراط إيران إلى جانب حزب الله في صد الغزو الإيراني الجوي للبنان. ويقول بأن الهجمات الإسرائيلية فاجأت حزب الله ودفعت القيادة الإيرانية إلى الاستغراق في التفكير، الذي يمكن تأويله بأنه إشارة إلى رفض الانتقام الموعود، أو توقف محسوب للإعداد لرد مفاجئ.
لكن الهجوم الإسرائيلي الأخير على المقر المركزي لقيادة حزب الله، والشكوك التي خلفها بشأن مصير الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، يضع القيادة الإيرانية أمام خيار يبدو وحيداً: الإنخراط في الحرب الدائرة بين حزب الله وإسرائيل المفتوحة على أسوأ السيناريوهات.
بسام مقداد- المدن